أزفت آزفة تدمير الاستقلال، وناشطو المؤتمر الوطني في ريبهم يترددون، وعما انذروا معرضون، وهم الآن غارقون في محادثات ومناورات مع قادة أحزاب جربنا حكمهم من قبل، قد ضلوا وأضلوا الشعب السوداني عن سواء السبيل، وكانت فترات حكمهم وبالاً على السودان تارة يتحالفون واخرى يتفركشون وفي كل لا مصلحة للبلاد ولا لأهله، يتحالفون مع الجن الأحمر ان كان تحالفهم يحقق مصالحهم الذاتية وان كان مكر المتحالف معهم لتزول منه الجبال والنظام، كيد على كيد وما كيدهم الا في تباب. عندما كان الأمر بايديهم ما كان لهم من هم سوى التشرف بالإمساك بمقاليد الحكم، وجعجعة الكلام باختيار غريب المعاني والالفاظ والكلمات كنوع من اظهار المقدرة الكلامية والحنكة السياسية لايهام الرجرجة والدهماء من الناس بأنهم في قمة الثقافة الغربية، ومثل هؤلاء يعجبون بالعالم الغربي الحاقد، فيلمعونهم ويقيمون لهم الوزن ويدعونهم الى المؤتمرات الدولية في الذي يسوى والذي لا يسوى كنوع من لفت النظر لينالوا من العالم حق تولي مقاليد الحكم، وهم يعلمون تماما، أن هؤلاء «مدافع دلاقين» تسمع منها دوي الأصوات ولا شيء غير الدوي. فعجباً لمواقف أهل السودان، وعجباً لمواقف القائمين بالأمر وعجباً ثم عجباً، تسمع لقولهم عن الوطن والمواطنة حين يحتفلون بعيد الاستقلال، ولكن أي الاستقلال نحن نحتفل به؟. ربما أن الضغوط الحياتية قد قللت من فهمنا وراحت علينا سرعة البديهة في تمييز الغث من السمين، ولربما يحتفل أولو الأمر منا بعيد «الاستغلال» بالغين فتشابه علينا النطق ونحن أمة خليط فينا من هم «عرب» وآخرون «أرب» لا يفرقون بين الغين والقاف في النطق فاختلط علينا الامر. فإن كان المقصود بها قافاً، فهنا مكمن العجب، لأننا اخرجنا احفاد غردون باشا بثورة وشهداء في ربيع عمر الاستعمار في عام 1924م، ولم يتوقف النضال حتى تم اجلاؤهم في عام 1956م فكان الاستقلال «بالقاف»، فكيف يحل محلهم اليوم احفاد جورج واشنطن ليحكمونا عن طريق الريموت كنترول Remote Control من البيت الأبيض؟. إن بداية وأد الاستقلال هي اتفاقية «ميشاكوس» الإطارية التي وضعت اللبنة الأولى للاستعمار الجديد، ثم اعقبتها اتفاقية «نيفاشا» والتي قصمت ظهر الاستقلال الحقيقي وأدخلتنا في مرحلة استعمار جديد غير مباشر ولكنه اسوأ من المباشر نفسه. فقد كان الغرض من فصل الجنوب هو اضعاف السودان مساحة وثروة، ومن ثم تقسيمه الى دويلات متناحرة ومتباغضة، بعد ان قطع دابر الوحدة في «نيفاشا» حيث حددت دولة الجنوب ضمناً بخريطة جاهزة «ابيي» مداخل الجزء المنفصل لذا يرفض الجنوبيون ترسيم الحدود ويماطلون الشمال بتأييد من امريكا وحلفائها اليهود، فضغطوا على الاحباب «عرب» وتمت عملية الاستفتاء بلا ترسيم الحدود. فمن كان في ريب مما نقول، فلينظر الى الجنيه السوداني المتداول حاليا، فالحمامة المرسومة على الجنيه بإدعاء انها حمامة سلام، فهي في الحقيقة حمامة «شر» تحمل على ذيلها شرارة التفتيت المبدئي لوحدة السودان اطلقتها امريكا من اسرائيل وأدت مهمتها ونحن غافلون عما في ذيل الحمامة، تمعنوا جيدا في ذيل الحمامة فقد حددت دولة الجنوب وشملت منطقة «أبيي». فلكم الله يا اهلنا المسيرية، وخير ما نقوله لكم هو قول الله تعالى: «ولا تهنوا ولا تضعفوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين» ، ونحن في موقفنا هذا معكم بأضعف الايمان، فالله ناصركم ورادّ أبيي اليكم. وما تأخير ترسيم الحدود وعدم حسم قضية أبيي الا مضيعة للزمن حتى تقوى شوكة الجنوب ويتمكن من حسمها بالقوة ومن ثم «تعال وشوف التسوي كريت في القرض». إن القضيتين محسومتان لدى الجنوبيين والامريكان قبل الاستفتاء وما امر الاستفتاء إلا «ديكور» ليوهموا العالم والسودانيين ان فصل الجنوب قد تم بخطوات قانونية وبمعايير دولية سليمة متفق عليها، ومع هذا فان منظمة كارتر الدولية المراقبة للاستفتاء قبلت النتيجة بتحفظ شديد باعتبار ان فيها «إن» ولكن معايير القوي تغلبت على معايير الضعيف «واللي ما عاجبو» فليقع في أقرب البحار اليه، واليهود ماضون في تنفيذ أجندتهم. فالانفصال بموجب تقرير المصير أمر متفق عليه دوليا اسوة بالدول التي انفصلت من قبل مثل كوريا ولكن انفصال كوريا لا يماثل انفصال الجنوب بحال، وان فصل الجنوب عن الشمال لم يكن الخطوة الأولى والاخيرة في مسلسل التدخل الامريكي في بلادنا، وانما هو خطوة تتبعها خطوات أخرى الى تفتيت كلي للسودان الموحد. لقد نجحت الخطوة الأولى في الاستفتاء المزيف، واطمأن العرافون ان «اللوبي الصهيوني قد مر بسلام دون معارضة أو احتجاج من أحد، رغم ان النتيجة مجافية للحقيقة بكل المعايير الدولية إلا معايير أمريكا وحلفائها الغربيين لأن امريكا «عاصفة وامريكا قاصفة وناسفة». ما هي إلا ايام معدودة من نهاية عملية الاستفتاء سرعان ما حشر غرايشون انفه في مسألة شرق السودان وذهب الى بورتسودان بإذن من الدولة وقابل المسؤولين وأعضاء الجبهة وفي مذكرة اجندة فيها الخيانة الأمريكية رغم انه يدعي الاصلاح. فيا ابناء الملة في شرقنا الحبيب ويا احفاد «دقنة» نحن نعلم ان مطالبكم معقولة ولا يغفل عنها الا أحمق، لقد صبرتم وصبركم طال عليه الامد، واصلوا صبركم وتحسسوا ابواب الحوار السلمي مع المؤتمر الوطني دون حمل أي سلاح يفتك بوحدة الاجزاء المتبقية من هذا الوطن ونحن ملة واحدة فجادلوهم بالحوار السلمي المستند الى كتاب الله وسنة رسوله «صلى الله عليه وسلم» عسى أن يفيء القائمون بالأمر الى أمر الله، وينفض سامركم لمواجهة تحديات مرحلة ما بعد انفصال الجنوب، لتكون التنمية لكل جزء من الاجزاء المتبقية بعد الجنوب من هذا البلد الجريح. لا تحسبوا تحرك غرايشون خيرا لكم بل هو شر لكم، فلا تدقوا الطبول ولا تنفخوا المزامير ولا ترقصوا على انغام غرايشون وبني صهيون، لقد اتجهوا الى الشرق لأن بورتسودان أقرب نقطة لاسرائيل حيث يسهل اليها الاتصال بكم عبر البحر الأحمر، فلا تركنوا الى غرايشون الظالم فتمسكم النار وأنتم مسلمون. لقد حشروا أنوفهم من قبل في دارفور فاشعلوا نيران الفتنة وهي مازالت مستمرة تحسد النفوس، فلا تتركوا «القرد الأعمش» يتودد اليكم فينال منكم أغلى ما تملكون «الدين». وعقدياً قيل انه لا يجتمع خوفان في قلب امرئ، خوف من الخالق وخوف من مخلوق، ولا يكتمل ايمان امرئ إلا إذا ذهب منه الخوف من مخلوق ويبقى الخوف من الخالق ليجتاز امتحان الدنيا بتفوق ولا يفرط في جنب الله في شيء ويكون من المنتصرين في الدارين. كم عجبت ومازلت أعجب عندما قرأت في صحف الاسبوع الماضي ان تحذيرا من الخارجية الامريكية وجه لحكومة السودان من عاقبة طرد الجنوبيين من الشمال بعد نتيجة الاستفتاء، ولتحلية الامر اضافت او طرد الشماليين من الجنوب!! قولوا بربكم ماذا يريد الجنوبيون من الشمال حتى يطردوا منه وهم اختاروا الانفصال بنسبة 99.53% ماذا ينتظرون حتى يطردوا من الشمال؟ فهل يبقى بالشمال جنوبي حتى يطرد بتعسف او غير تعسف؟. وماذا يعني هذا التحذير التحرشي؟!. والواقع ان هذا التحذير يعني امرين لا ثالث لهما، اما ان هذا الاستفتاء غير نزيه وفيه غش وتزوير وحشد كاذب وتكون النتيجة «مزيفة» والنسبة المذكورة غير صحيحة والجنوبيون لا يريدون الانفصال وهم مكرهون حسب ارادة الامريكان وحلفائهم من الجنوبيين والصهاينة واما ان اجراء الاستفتاء صحيح 100% ولم يبق جنوبي بالشمال حتى يطرد. اما تلك النسبة الضئيلة من الوحدويين فان الشمال يرحب بهم ويحتضنهم ليعيشوا بيننا معززين ومكرمين لأنهم اختاروا الوحدة مع الشمال. واما الغالبية العظمى والتي اختارت الانفصال حسب زعم امريكا فلا نقبلهم رغم انف امريكا التي تريد ان تنفذ بهم اجندة اخرى، فمن اراد منهم ان يرجع الى الشمال ويطالب بحق المواطنة ليعيش بيننا جاسوسا لأمريكا واليهود فاننا نعتبره معتديا أثيما يجب ان يطرد من الشمال طرد «الكلاب» الضالة ومثل هؤلاء لو قبلهم الشمال لا يزيدوننا الا خبالا ولأوقعوا بيننا الفتنة وفينا سماعون لهم «كالعرمانيين» وفلول كل من لا اخلاق لهم. ومن العجائب ان المسؤولين لم يعلقوا مجرد تعليق على هذا التحذير المهين لاستقلالنا وكرامتنا، لقد سكتوا عن هذا التدخل الامريكي السافر في شؤون البلاد، وكأن السودان ولاية من ولايات امريكا، يتحكم فيها أي رئيس امريكي كيف يشاء. فرح بعض المسؤولين الفرح الممقوت في القرآن اذ قيل «لقارون» لا تفرح ان الله لا يحب الفرحين» وبهذا القدر نقول لاخوتنا المسؤولين لا تفرحوا بوعد امريكا برفع العقوبات عن السودان، فان للسودان ربا يحميه، وان هؤلاء لا عهد لهم ولا ميثاق وتوكلوا على الله الذي غلبت قوته كل قوة «وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة». لقد اصبح السودان في قائمة الدول غير الراعية للارهاب وقد غلب عليهم النفاق ان يقولوا غير الراعية «للاسلام». لقد اندهش يهود اسرائيل والعالم لما حققته اتفاقية نيفاشا في خمس سنوات ما كانوا يحلمون بها ان تتحقق في خمسين عاما لولا الانبطاحة. فان كان الفرح من ناحية ان امريكا ترفع عنا العقوبات، فهذا فرح خير منه الحزن، ارجو من الله ان يرفع عنكم العقوبات في الدنيا والآخرة «ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار». وإني لأقسم بالله جهد ايماني ان الذي يدور الآن بين امريكا وحلفائها في الغرب واليهود والمسلمين، وهذا التدخل المهين في شؤوننا وهذا السكوت من جانب قادتنا ما هو الا رضا لما يدور في الساحة ،والمثل يقول «السُكات رضا» وهذا الرضا يوازي التولي يوم الزحف والعياذ بالله، وهو جريمة كبرى يرتكبها القادة في حق شعوبهم فهذا الموقف لا يقبله عقل سليم، وإلا ان يكون قد زهد عن الاخرة ورضي بالحياة الدنيا، التي يذل فيها الحاكم في نهاية أمره مهما طغى وتجبر ولو طالت فترة حكمه، انظروا الى حال اخويكم «زين» وبالامس القريب «حسني». فيا قومنا اجيبوا داعي الله وتعوذوا من همزات الشياطين وتعوذوا من ان يحضروكم في حياتكم وقبيل الموت، فلا مقارنة بين عقوبة الله وعقوبة أمريكا، ان امريكا حليفة الشيطان وإن كيد الشيطان كان ضعيفا. هذا وعلى الله قصد السبيل وهو المستعان.