للمرة الثالثة في عهد الانقاذ بعد اتاحة الحريات تفشل المعارضة في تنظيم مسيرة أو تظاهرة ناجحة لتكون حديث المدينة والرأي العام ، وتمنينا أن تنجح ولو مرة في ذلك. فقد توقعنا أن يكون حديث المعارضة عن يوم 9/مارس يوماً مشهوداً لظهور القيادات التاريخية وسط قواعدها التي إشتاقت كثيراً لسماع قياداتها في حشودٍ جماهيرية متحدية حكومة المؤتمر الوطني بالخروج إلى الشارع بدلاً من المؤتمرات الصحفية التي تعقد في الفنادق ، وذلك على غرار ما يحدث في الشارع السياسي في الوطن العربي الكبير من المحيط إلى الخليج مستغلة المشروع الأمريكي الصهيوني والذي يدعو إلى إعادة هيكلة الحكم والدول فيما يسمى بمشروع الشرق الأوسط الكبير ، والذي أصبحنا نجني ثماره السياسية والاجتماعية والاقتصادية والامنية ، بداية بإنهيار إمبراطوريات حلفائه من الطغاة والجبابرة من بن علي ومبارك مروراً باهتزاز كراسي السلطة لدى الدكتاتور القذافي وعلي عبد الله صالح وملك البحرين وربما تلتهم شرارات بركان غضب الشعب العربي جميع الملوك والأمراء. جاء وعد المعارضة هذه المرة تحت شعار براق (لا لقهر النساء) وفي تقديري أنها كلمة حق أريد بها باطل وذلك لكسب تعاطف المرأة السودانية ودفعها الى الخروج ضد نظام المؤتمر الوطني ( الإنقاذ) وقد توقعنا مسيرة مليونية نتيجةً للتصريحات التي أطلقها زعماء أحزاب المعارضة والتي صاحبتها تعبئة في الصحافة السودانية لقواعدها ، ولكن عندما جاء الموعد المضروب للتظاهرة حدث شئ غير متوقع فقد اختفت المعارضة وقياداتها من ( ميدان أبو جنزير) ساحة المعركة ولم يحضر سوى الزعيم التاريخي بالحزب الشيوعي ( نقد ) وعدد لا يتجاوز الأربعين من قواعد المعارضة فولد الجبل فأراً وهذا يؤكد أن ليس في السودان أحزاب معارضة ، بل هنالك قيادات شللية تاريخية تسمي نفسها معارضة فهي عبارة عن قيادات مجربة لدى الشعب السوداني ووصلت إلى سُدة الحكم أكثر من ثلاث مرات كلها كانت عبارة عن أزمات سياسية واقتصادية وأمنية و انقسامات وصراعات ومكايدات حزبية ونقض للمواثيق والعهود. أليست هذه الأحزاب المعارضة هي المسئولة عن إندلاع حرب الجنوب وأحداث توريت بسبب عدم الالتزام بما وعدت به أبناء الجنوب. أليست هذه الأحزاب هي التي أجهضت مقررات لجنة الإثني عشر المنبثقة عن مؤتمر المائدة المستديرة في العام 1965م. أليست هذه الأحزاب هي التي جاءت بفلسفة التدخل الأجنبي تحت قيادة ما يسمى آنذاك بالجبهة الوطنية التي قادت حركة يوليو في العام 1976م (المرتزقة). أليست هذه الأحزاب هي التي أوحت للرئيس نميري بإلغاء إتفاقية أديس أبابا التي وقعت في العام 1972م وتقسيم الجنوب في العام 1983م. أليست هذه الأحزاب هي التي قطفت ثمار إنتفاضتي أكتوبر وأبريل. أليست هذه الأحزاب هي التي تسببت في محرقة الضعين في العام 1987م التي راح فيها خيرة أبناء الدينكا بداخل القطار. لقد صدق الزعيم التاريخي للحزب الشيوعي نقد في تعبيره: ( حضرنا ولم نجدكم) ونحن نضيف بأنهم لم يحضروا وذلك لأنهم في قصورهم غارقين في النوم وفي أحلامهم بأن جماهيرهم الهادرة سوف تزلزل لهم أركان النظام ن وسوف تعد لهم الإنتفاضة على طبق من ذهب كما فعلتها في الثورات السابقة. المعروف للشعب السوداني أن المعارضة عندما وصلت إلى السلطة بعد الانتفاضة الثانية في العام 1986م كانت في أسوأ حالاتها أمنياً وقد عاشت البلاد في إنهيار أمني وأستبيحت الدماء في الخرطوم نهاراً جهاراً وذلك بإنتهاك حرمة (أميرة بنت الحكيم) بواسطة رجال أمنها ، وإغتيال مهدي الحكيم في أرقى الفنادق السودانية ( هيلتون سابقاً) ، ومقتل الأجانب في فندق (الأكروبول) وسط السوق الأفرنجي دون أن يتم القبض على مرتكبي هذه الأحداث وتقديمهم للعدالة. وفي عهدهم استطاعت الحركة الشعبية أن تحتل كل الجنوب عدا المدن الرئيسية وهي ملكال ، جوبا وواو ووصلت إلى أطراف النيل الأبيض في الشمال وجنوب كردفان واستطاعت أن تحتل الكرمك وقيسان في النيل الأزرق وشهدت البلاد أزمة إقتصادية حادة صاحبتها ندرة في المواد التموينية وصفوف البنزين وغيرها ، ولم تستطع هذه الأحزاب إقامة أي مشروع تنموي في تلك الفترة ، بل حاولت أن تهدم ما أنجزته مايو تحت مسميات ضلالية (كنس آثار مايو) ، وخارجياً فقد عاش السودان في عزلة وداخلياً سيطرت عليه الإنقسامات الحزبية وتكوين حكوماتٍ متعددة من غير نفع. كانت المعارضة خاطئة في حساباتها وتقديراتها بشأن قرار المظاهرة ، فقد اعتقدت أن الشعب السوداني الصابر ما يزال في غفلته ليتم تحريكه كما كان يحدث في السابق (نظرة يا أبو هاشم ولا نصادق إلا الصادق) والشئ الذي يدهش ويستغرب له المرء هو كيف يمكن لهذه الأحزاب المعارضة أن تقود تظاهراً ناجحاً بالحجم الذي كانوا يتحدثون عنه ، وهي لا تملك هياكل تنظيمية بل أن هنالك أحزاب لم تعقد مؤتمراتها العامة منذ نهاية الستينيات من القرن الماضي ، وأخرى عقدت مؤتمرها العام بعد أن فازت في الانتخابات في نهاية الثمانينيات من القرن السابق ، وأخرى تعقد مؤتمراتها في جنح الظلام على مستوى اللجان المركزية ، وأخرى تعقدها في شكل مجموعاتٍ منقسمة ، وما ذكرناه يمثل صورة مصغرة للحالة النفسية التي تعيشها المعارضة ومع ذلك تسعى جاهدة لمحاكاة التظاهرات التي تحدث في العالم العربي في هذه الأيام والتي نشاهدها عبر الشاشات ، ولكن الشئ الذي يغيب عن زعماء المعارضة أن هذه التظاهرات العربية السلمية وأحياناً المسلحة والتي تنقلب إلى مجازر وإنتهاكات لحقوق الإنسان كما يحدث الآن في البحرين و ليبيا أن هذه التظاهرات في تلك الدول تقودها أحزاب وجماعات لها برامج واضحة ومقنعة لدى جماهيرها ولها هياكل تنظيمية وقواعد تحركها إنطلاقاً من مبادئ متفق عليها تحت راية ( إما النصر أو الشهادة) وذلك من أجل تحقيق أهدافها وغاياتها ولا تهاب الترسانات ولا الدبابات والطائرات ولا الصواريخ والمدافع. أما حزب المؤتمر الوطني فيعتبر أكثر الأحزاب قبولاً الآن لدى الشعب السوداني من بقية أحزاب المعارضة ، وذلك لبصماته الواضحة في مجال التنمية من طرق وجسور ، سدود ، كهرباء ، ثورة التعليم العالي ، استغلال البترول السوداني وتحقيق إتفاقية السلام كأكبر إنجاز. وللمؤتمر الوطني أخطاءُ كبيرة تتمثل في عدم تحقيق الوحدة وإنفصال الجنوب عن الشمال وفشله في حل قضية دارفور وعدم حلحلة القضايا العالقة لاتفاقية السلام والتي تتمثل في قضية أبيي والحدود بين الشمال والجنوب وتصدير البترول والعملة والمشورة الشعبية في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان. الشاهد أن للمؤتمر الوطني إنجازات ضخمة وبصمات واضحة في تاريخ السودان المعاصر ولديه إخفاقات وأخطاء كبيرة والفرق بينه وبقية الأحزاب أن هذه الأحزاب ليست لديها نجاحاتٍ تذكر في تاريخ السودان الحديث بل يأتي ذكرها مصحوبا بجملة من الاخفاقات والأزمات والفشل لذلك تأتي التصريحات التي يطلقها قيادات المؤتمر الوطني عن أن هذه المعارضة عاجزة عن قتل نملة وأن عليها لحس الكوع ورؤية حلمة الأذن بدلاً من الحلم بالسلطة وأن هذه القيادات تدرك تماماً أن المعارضة منهارة وهي أشبه بنمورٍ من ورق وأسودٍ بلا أنياب. لذلك نرى أن من الضرورة أن تقبل المعارضة بما يجود به المؤتمر الوطني في قسمة السلطة والثروة في المرحلة المقبلة بعد يوم 9/7/2011م ، وجزى الله إمرءً عرف قدر نفسه مثل ما فعل الإمام الصادق المهدي الذي يفاوض الآن المؤتمر الوطني من أجل قسمة الكيكة ولو بقليل فذلك أكرم من إنتظار قطار المعارضة الذي طال ليله والمثل يقول: ( المال تلته ولا كتلته وسلطة إلى حد الساق ولا مال للخناق)ونقول لزعماء المعارضة المخضرمين كفاكم فقد اثبتم الفشل فى كل مرة ومن الافضل اتاحة الفرصة للكادر الشبابى فى داخل احزابكم وتصبحوا مستشارين من منازلكم عسى ان يحقق ابناؤكم ما فشلتم في تحقيقه. والله ولي التوفيق