لم ينتظر زعيم حزب الامة الصادق المهدي سوي ساعات معدودة عقب لقائه الرئيس عمر البشير ليل أمس الاول ببيت الضيافة ، ليغادر البلاد الي العاصمة المصرية القاهرة ، تاركاً حالة من الارتياب وسط صفوف قوى الاجماع الوطني وشئ من الشك بين فصائله المختلفة، دون ان ينتظر ضحي الغد لمعرفة انعكاسات ماجري علي الرفقاء، بعد ان ابلغ الصحفيين لحظة خروجه من لقاء البشير، ان الحوار بين حزبه والوطني لازال مستمرا . الامر الذي تعتبره المعارضة مجرد كسب للوقت يسعى له الحزب الحاكم لترتيب اوراقة وتجاوز العديد من المطبات التي تعترض طريقه، وتؤكد ان نهايات الحوار لن تختلف عما سبقها من لقاءات جمعت بين الحزبين ، ذات الامر اشار اليه الكاتب الصحفي والمحلل السياسي برفسير الطيب زين العابدين في صدر مقال منشور ب«الصحافة»في الثلاثين من يناير الماضي عقب لقاء جمع الرئيس البشير وزعيم حزب الامة الصادق المهدي عقب الانفصال، وقال وقتها الطيب - لم تكن دعوة الرئيس عمر البشير للسيد الصادق المهدي للتفاكر حول ترتيبات أوضاع الشمال في أعقاب انفصال الجنوب، هي الأولى من نوعها التي يدعو إليها المؤتمر الوطني بعض قادة أحزاب المعارضة للحوار حول قضية وطنية مهمة، واستعرض عددا من تلك القضايا «تكوين حكومة الوحدة الوطنية عند بداية تنفيذ اتفاقية السلام، معارضة مجيء القوات الدولية بعد قرار مجلس الأمن، حل مشكلة دارفور بملتقى كنانة، مواجهة المحكمة الجنائية الدولية التي اتهمت الرئيس البشير بارتكاب جرائم حرب، التمسك بوحدة السودان قبيل موعد الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب» ، قبل ان يضيف ان كل اللقاءات السابقة لم تنتهِ إلى رؤية مشتركة حول القضية المطروحة، ولا إلى برنامج عمل محدد ينبغي تنفيذه، ولا إلى مشاركة في الحكومة تتحمل فيها المعارضة قدراً من المسؤولية . لكن يرى مهندس الحوار بين الحزبين الامين العام لحزب الامة الفريق صديق محمد اسماعيل غير ذلك، ويشير الي ان حوارهم الجاري سيؤدي الي فتح ابواب الحوار امام القوى السياسية ذات الوزن دون حجر. من جانبها، تقول المعارضة، ان علي الامة التفاوض كيفما يشاء ومع من يريد، لكنها تشدد علي ان حواره الاخير مع المؤتمر الوطني لا يخصهم في شئ ولا يمثلهم، حسبما ابلغ «الصحافة»الناطق الرسمي باسم قوى الاجماع كمال عمر، واضاف نحن ابلغنا الامة القومي ان تصرفاته مع الحكومة لاتعنينا في شئ ، وزاد، طلبنا تبليغهم علي مستوي القيادة العليا، وهذا ما تم بالضبط، فالامام الصادق المهدي تم تبليغه عبر رئيس تحالف قوى الاجماع فاروق ابوعيسي، ان علي الامة ان يحاور الوطني باسمه . ويمضي عمر الي انهم ماضون في العمل علي اسقاط النظام، وتابع علي الامة الايخدع الوطني باننا سنأتي للتفاوض خارج شروطنا التي دفعنا بها مع ممثليه من قبل ، والتي تتمثل في الحكومة الانتقالية، والغاء ماجاءت به الانتخابات، واضاف بغضب « نحن لسنا ترلات حتي يقودنا الامة الي المؤتمر الوطني « ، قبل ان يرفض الحديث بلغة الكبير والصغير، لافتا الي ان النظرة القديمة تجاوزها الوقت بعد الثورات التي انتظمت تونس ومصر . لكن وعلي الرغم من حالة الرفض والسخط التي ابدتها القوى المعارضة تجاه تقارب الامة والوطني الاخير الا ان الامر لم يتم التطرق اليه نهائيا ، حسب مصادر داخل اجتماع المعارضة، الذي التأم بدار الشيوعي نهاية الاسبوع المنصرم، مما ترك علامات استفهام وتساؤلات عدة ، فالاجتماع المشار اليه اتفق علي توصيات محددة حول التعبئة، وناقش جملة من القضايا حول الانتهاكات التي تعرض لها منسوبو التحالف علي حسب ما قالت مسؤولة التعبئة بالتحالف دكتورة مريم الصادق . الصمت الاخير يرجعه اكثر من فصيل بالتحالف لعدم مصلحتهم بالدفع بالامة الي احضان الوطني ولمعرفتهم بمواقف الكثيرين من قيادات وجماهير الحزب الرافضة للحوار، ويقول نائب الامين العام لحزب المؤتمر السوداني مالك ابوالحسن ل«الصحافة»، امس، علي الرغم من الرسائل السالبة التي يرسلها الحوار الي الشارع الا اننا راغبون بوجوده بيننا ، قبل ان يسخر من الحديث عن الاوزان واحجام الاحزاب ، ويضيف لا ننكر وجود الامة كحزب كبير لكن المرحلة ليست مرحلة اوزان وان كانت كذلك لما احتجنا للتحالف ضد الوطني من الاساس . ويرد ممثل الحزب الشيوعي بالتحالف صديق يوسف بغضب شديد علي اسئلة الصحيفة أمس ، بانهم غير معنيين بمايقوله حزب الامة، ويتابع ما يمكنني قوله هو امر محدد «الحزب الشيوعي ليس جزءاً من الحوار مع الوطني» ، الا ان اصوات الرافضين لما بدا يرشح من تقارب الامة والوطني بدأت تأتي من داخل الامة نفسه، فمساعد الرئيس بحزب الامة صلاح مناع ابلغ «الصحافة» امس عبر الهاتف من القاهرة، عن وجود تيارات داخل الحزب رافضة بشكل واسع لما يجري، واضاف ان اللجنة المفاوضة لم يتم تفويضها من المكتب السياسي ولكن عن طريق مكتب التنسيق وهو مكتب يضم الرئيس ومساعديه والامين العام بجانب نواب الرئيس ، ويزيد مناع ان ما أتاهم من نتائج التفاوض ليست مبشرة ولا تشير الي تقدم، ويصف ما يجري بشراء للوقت من قبل الحزب الحاكم، مشددا علي ان اللقاء الاخير بين الرئيس البشير والمهدي لايعدو سوي لقاء علاقات عامة ، لافتا الي ان الامين العام لحزبه صديق اسماعيل انجرف كثيرا وتفاءل بشئ لا وجود له ، الامر الذي يرده القيادي بالاتحادي الاصل علي السيد الي حداثة تجربته السياسية قبل ان يضيف، ما يقوم به الامة الان يسبب ربكة كبيرة داخل التحالف وحزبه . الا ان بروف زين العابدين يرجع فشل محاولات التوصل الي اتفاق مابين المعارضة والحزب الحاكم الي تمسك الاخير بوجهة نظره المسبقة في القضايا المعنية ورغبته في أن يلزم المعارضة بتلك النظرة ، مقابل التنازل عن بعض الحقائب الوزارية التي لا تؤثر على أغلبيته الميكانيكية في مجلس الوزراء، ولا هيمنته على القطاعات الاستراتيجية للدولة، رادا اسباب ذلك التمسك الي اعتقاد المؤتمر الوطني ان الأحزاب تتحرق شوقاً للسلطة، و لا يعقل أن ترفض الدعوة الكريمة المقدمة إليها، لكن زين العابدين يشير الي أن أحزاب المعارضة برهنت أكثر من مرة أنها ليست متهافتة على المشاركة بأي ثمن فهم أهل عزٍ قديم .