أحمد الله تعالى على حسن حظى وتوفيقه لى بأن ادرس الهندسة في جامعة القاهرة في فترة تاريخية مهمة صاغت وما زالت تصيغ إلى حد كبير كل الاحداث في المنطقة العربية. بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر وتولي الرئيس أنور السادات الرئاسة - رحمهم الله جميعاً تمكنت الاتجاهات الإسلامية في الجامعات المصرية أن تبدأ في السيطرة على منابر اتحادات الطلاب. واستطاع الطالب وقتها عصام العريان أن يكتب مطالباً بانعتاق مصر من سيطرة الاتحاد السوفيتى فيقول: اطلق يدي فقد كفاني إني وإنك تائهان عشرون عاماً في فراشك ما حملت سوى هواني الناب أحمر والمناجل طوحت رأس اتزاني لو كنت تنجب كان طفلك قد تحرك في كياني أما أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام رحمه الله تعالى، فكان لهما رأي آخر في انفتاح السادات على امريكا، وكان طلبة الاتجاه الاشتراكى يحضرونهم إلى مدرج الساوى لينشدوا: شرفت يا نكسون بابا يا بتاع الووتر قيت عملوا لك سيما وقيمة وسلاطين الفول والزيت فرشو لك اجدع سكه من رأس التين إلى عكا وتروح تنفد على مكة ويقولوا عليك حجيت بعد ان وعد الرئيس السادات شعب مصر بأن يكون عام 1972م هو عام أخذ الثأر للمصريين من اليهود على إثر هزيمة عام 1967م، وبعد أن انصرم عام 1972م ولم يحارب السادات ثارت ثائرة الطلبة المصريين واتهموا السادات بالجبن. وكان السادات يخفى سر تخطيطه لحرب اكتوبر عام 1973م عن الجميع، وذهب الطلبة المصريون الى ميدان التحرير وتظاهروا ضد السادات، فأخذت الشرطة المصرية تلقى القبض على قادة المظاهرات، ولكن مظاهرات الطلبة أخذت في الازدياد حتى ذهبوا إلى عميد جامعة القاهرة وقتها وهم يهتفون: يا سيادة العميد إسمع كلمة جيل عنيد أول كلمة حاقولهالك خلى بالك من عيالك بكرة الدور يجى عليهم ويحطو الحديد في إيديهم الرعيل الأول راح والرعيل التانى راح وإحنا حنلم الجراح وإن خدونا من الشوارع الرعيل الثالث طالع وكان المغفور له بإذن الله تعالى ملك منابر الجمعة في مصر وقتها الشيخ عبد الحميد كشك، يفتتح خطبه ليشبع الرئيس انور السادات نقداً بقوله: «الحمد لله الذى ابتلانا برئيس جمهورية لا يكمل البسملة، وفنان يتنفس تحت الماء... هو دا سمكة ولا إيه؟ حاول السادات أن يكسب رضاء الطلبه ويصبرهم دون ان يفشى لهم سر خطة حرب اكتوبر التى كانت لا يعلمها الطلبة، مع أن دراسات هدم خط بارليف بخراطيم المياه كانت تتم في معمل قسم الهيدروليكا بكلية هندسة القاهرة. وجمع السادات الطلبة في قاعة جامعة القاهرة الكبرى، ولكن الطالب وقتها عبد المنعم ابو الفتوح هاجم السادات هجوماً عنيفاً واتهمه بالكذب علانية، مما جعل السادات يستنجد بالدكتور صوفى ابو طالب قائلاً: «يا صوفى شوف الولد دا بيقولى إيه... مش عيب كده يا ابنى» وبعدها سن السادات ما يسمى بقانون العيب. ولجأ السادات الى خطة أخرى حيث كان ابنه جمال انور السادات طالباً في كلية الهندسة، فقال للطلبة كل واحد يجيب ابوه ويجى نجتمع في كلية الهندسة محاولاً تهدئة الطلبة، ولكن أجهزة الأمن نصحت السادات بعدم الحضور، وارسل بدلاً منه الاستاذ موسى صبرى لجس النبض، ولكن الطلبه هاجموه بالحجاره فترك سيارته وفر هارباً. بعدها لم يجد السادات بداً من تعطيل الدراسة بالجامعات المصرية. واستجمع الرئيس المحنك أنور السادات قواه وهاجم خط بارليف في رمضان من عام 1973م، وإنهار الخط المحصن في لحظات اذهلت اسرائيل وامريكا، وهرب الصهاينة خوفاً من صيحات الله اكبر التى اهتزت لها عروش تل أبيب، وكان في الجبهة وقتها المشير احمد اسماعيل واللواء سعد الشاذلى واللواء الجمصى والعميد محمد حسنى مبارك. وأذكر إننى اطلعت على صور تذكارية للضباط عمر حسن أحمد البشير ومحمد عثمان محمد سعيد وهم ضمن الكتيبة السودانية التى قاتلت مع جيش مصر في حرب 1973م. وبعد أن اصبح الطريق إلى تل أبيب مفتوحاً، تدخلت امريكا في الحرب لإنقاذ اسرائيل، واحدثت ما يسمى بالثغرة ولأسباب يعلمها الله تعالى، وفقد السادات حنكته وخالف رأى رئيس الأركان المغفور له بإذن الله تعالى سعد الدين الشاذلى، مما اعطى اسرائيل الفرصة لاستعادة انفاسها، ثم بعد ذلك الحصول على مكاسب لم تكن تحلم بها في ما سمى بمفاوضات كامب ديفيد التى نتج عنها انقلاب واسع مازالت تعانى منه الامة العربية. نعود إلى كلية الهندسة جامعة القاهرة التى كانت تضم وقتها ابناء الرئيس جمال عبد الناصر والرئيس انور السادات وحفيد ملك ليبيا ادريس السنوسى وابن رئيس وزراء اليمن وأبناء أمراء بالسعودية والكويت وابناء وزراء سوريا والاردن وفلسطين وبنات سفراء السودان والكاميرون وغيرهم، ولذلك فإن المدرج الساوى كان أشبه بالجمعية العمومية للأمم المتحدة، والدكتور المهندس عصام شرف الذى يشرفنا هذه الايام هو ابن الكلية، وهو يعلم أن اسرائيل تريد ان تقسم السودان إلى خمس دول ومصر إلى ثلاث دول، وسوريا كذلك ولبنان وحتى السعودية وبلاد الحرمين الشريفين.. ولكن الله سبحانه وتعالى الذى يؤتي الملك لمن يشاء وينزعه ممن يشاء، أراد للعالم العربي أن تؤول مقاليد الحكم فيه الآن إلى أيدى اكثر طهارة، وعقول أكثر استنارة وشخصيات يحبها الشعب ويثق فيها.. ونحن نحمد الله تعالى على هذا التغيير الموجب في دولنا، وننتظر من قيادتنا الجديدة الكثير الذى سيغير واقعنا الحالى إلى ما هو أفضل منه في القريب العاجل إن شاء الله. وكلما استمع إلى نشرات الاخبار استغرب في امر رجال قدر لهم الله تعالى ان يتولوا أمور الشعوب العربية، فرفعهم من لا شيء إلى أن يكونوا حكاماً للشعوب العربية المباركة، ولكنهم خانوا أمانتهم وغرهم الشيطان، فاكتنزوا الاموال، وظلموا الشعوب، واتبعوا خطوات الصهاينة حتى ثارت عليهم شعوبهم وطردتهم، مع أنهم كان يمكنهم أن يعيشوا مكرمين ومعززين وسط شعوبهم إن هم فقط اكتفوا بما قدر لهم من سنوات حكم طويلة. ونسأل الله تعالى أن يغفر لنا ولهم، ويهدي قادتنا الجدد إلى طريق الحق والرشاد. ومرحباً مرة أخرى بالذين ارتضاهم الشعب المصري حكاماً ووثق بهم، وسلمهم الأمر بعد طول عناء ومكابدة استمرت لعقود من الزمان.