منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    نشطاء قحت والعملاء شذاذ الافاق باعوا دماء وارواح واعراض اهل السودان مقابل الدرهم والدولار    لم يقنعني تبرير مراسل العربية أسباب إرتدائه الكدمول    ريال مدريد لنصف نهائي الأبطال على حساب مانشستر سيتي بركلات الترجيح    ركلات الترجيح تحمل ريال مدريد لنصف نهائي الأبطال على حساب السيتي    وزير الخارجية السوداني الجديد حسين عوض.. السفير الذي لم تقبله لندن!    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    سيكافا بطولة المستضعفين؟؟؟    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    شاهد بالفيديو.. بعد فترة من الغياب.. الراقصة آية أفرو تعود لإشعال مواقع التواصل الاجتماعي بوصلة رقص مثيرة على أنغام (بت قطعة من سكر)    الحركة الإسلامية السودانية ترد على كندا    مصر.. فرض شروط جديدة على الفنادق السياحية    شاهد بالصورة والفيديو.. ببنطلون ممزق وفاضح أظهر مفاتنها.. حسناء سودانية تستعرض جمالها وتقدم فواصل من الرقص المثير على أنغام أغنية الفنانة إيمان الشريف    ماذا كشفت صور حطام صواريخ في الهجوم الإيراني على إسرائيل؟    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    مقتل 33899 فلسطينيا في الهجوم الإسرائيلي منذ أكتوبر    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    محمد بن زايد وولي عهد السعودية يبحثان هاتفياً التطورات في المنطقة    ترتيبات لعقد مؤتمر تأهيل وإعادة إعمار الصناعات السودانية    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة تنضم لقوات الدعم السريع وتتوسط الجنود بالمناقل وتوجه رسالة لقائدها "قجة" والجمهور يسخر: (شكلها البورة قامت بيك)    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء فاضحة.. الفنانة عشة الجبل تظهر في مقطع وهي تغني داخل غرفتها: (ما بتجي مني شينة)    رباعية نارية .. باريس سان جيرمان يقصي برشلونة    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    حمدوك يشكر الرئيس الفرنسي على دعمه المتواصل لتطلعات الشعب السوداني    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    محمد وداعة يكتب: حرب الجنجويد .. ضد الدولة السودانية (2)    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    رسالة من إسرائيل لدول المنطقة.. مضمونها "خطر الحرب"    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    تنسيقية كيانات شرق السودان تضع طلبا في بريد الحكومة    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السادات يعترف: فقدنا الأمل في امريكا
في ذكرى حرب أكتوبر 1973م المجيدة (4)

تعتبر حرب اكتوبر 1973م، من الحروب المهمة التي شهدها القرن العشرين ، لما احدثته من تبدلٍ حقيقيٍ في مفهوم الصراع المسلح الدولي والمحلي، وما احدثته من تغيرات في مفاهيم الاستراتيجية والتكتيك والتسليح، وقد تميز العقل العسكري العربي في هذه الحرب بالنضج الاستراتيجي مما مكنه من التخطيط السليم والتحضير والاعداد الممتاز والتقييد بكل المهنية والحرية العسكرية العالمية، مما ساعدهم في تطبيق كل فنون ومبادئ الحرب الحديثة، وتميز القادة والجنود في المعركة بالخبرة والمهارة في استخدام الاسلحة المعقدة ذات التقنية العالية. و بناء على ذلك تداعى الخبراء والمنظرون العسكريون والسياسيون اصحاب الفكر العسكري من الشرق والغرب لدراستها واستخلاص الدروس المستفادة منها وما احدثته من تغييرات في المفاهيم الاستراتيجية العسكرية. بالرغم من مرور سبعة وثلاثين عاما على هذه الحرب، فما زالت هدفا للاقلام الفكرية العسكرية والسياسية، ما زالت الايام تكشف كل يوم عن خفايا واسرار هذه الحرب، مما جعلها مادة عسكرية وسياسية تجدد كل يوم ومع مرور الزمن.
10- ان اسرائيل لا تتحمل هزيمة واحدة، لأن هزيمة واحدة تغني فشل المشروع الاسرائيلي كله، لأن هذه الهزيمة سوف تضع اليهود وغيرهم والمقيمين في اسرائيل والذين يحركون اسرائيل وهذا المشروع تجاه مصالحهم، والقوة الدولية الواقفة وراء هذا المشروع، تضعهم جميعاً بأنه ليس هنالك أمل، ومن شأن ذلك ان يحولهم يحملون أمتعتهم ويخرجون من اسرائيل أي من حيث أتوا. وبالمقابل العرب يستطيعون أن يتحملوا هزائم، لانهم ثابتون في الارض، ولان جذرهم ضاربة وممتدة في أعماق التاريخ ولأنهم في أرضهم وفي اوطانهم وانهم ليسوا مغتصبين لأية حاجة - فالتاريخ والثقافة والحضارة معهم والموقع ملكهم - وعددهم يفوق (200) مليون نسمة، بينما تعداد اسرائيل لا يتعدى ال(4) مليون نسمة (عام 1973). فهنا الموازين مختلفة، موازين الجغرافيا والتاريخ الديمغرافيا، هنالك طرف لا يتحمل ضربة واحدة، والطرف الثاني، العرب قادرون على التحمل، ولكن متخذ القرار العربي والمصري أمام تحدي في ميدان القتال لا يقبل الخسارة الرابعة. وانه لا مجال للفشل، بعد الفشل الذي حدث في عام 1967م والذي مازال جرحه غائراً في كيان الأمة. وعليه لا يمكن اضاعة الفرصة القائمة، فهنالك جهد ضخم بذله الشعب العربي والمصري والسوري، وهنالك جهد وموارد واعصاب بذلته الامة العربية، وتعاطف معه العالم وبنى مواقع ومواقف وسياسات وطرق لم يعد اذا فاتت هذه الفرصة فقد اصبح بمنتهى الصعوبة تعويض على الذي بذل فيه. فالمعركة لابد ان تنجح لان الموقف الدولي سوف يتغير، وان المعادلة الدولية الموجودة والحاكمة على القمة، تسمح بالمد بالسلاح الذي سوف تتقاتل به الامة العربية اسرائيل، وهو مدد لا يمكن ان يجئ إلا من الظروف التي كانت متاحة وقتها وهي القوى السوفياتية في واقع الامر، وان فقد هذا المورد الروسي للسلاح يعني فقد فرصة الحرب والقتال. ومن الواضح في ذلك الوقت ان الحرب الباردة ارهقت كل القوى وانها مقبلة على نوع في نهايتها، وان التجربة السوفياتية تواجه أزمات، والموقف هكذا كان لابد من القتال في ظرف ما بقى في هذا التوتر الدولي على القمة. فكل هذه الاسباب قد تجعل ان التأكد من أي عمل مقبل وعلى هذا النطاق وبهذه التضحيات قد اكتملت له كل وسائله. وكل الطرق القادمة وفي كل الاتجاهات تؤدي إلى معركة، معركة تخاض والذين يخوضونها يشعرون أن فرص النجاح كلها موجودة ومتوفرة وانه ليس هنالك بدائل، ولا شيء غير النجاح. وهنالك ايضاً شيء آخر مهم كانت تتبناه الاستراتيجية المصرية، هو رفع درجة الصراع لحظة القتال وقبله وبعده، وفي المستوى المحلي العربي القومي إلى مستوى معركة عربية اسرائيلية إلى مستوى توتر دولي خطير تتحرك له موازين أكبر من الصراع العربي الاسرائيلي، لكنها تساعده بجو التوتر الذي تشيعه. اذن المطلوب ان يدور القتال في ظروف فيها تأهب دولي على الاقل، وان المعركة ليست متروكة فقط لموازين محلية على الارض في هذا الشريط عبر قناة السويس، بل ان هذه المعركة التي سوف تدور على هذا الشريط سوف تؤثر في مصائر العالم والحرب الباردة الدائرة في ذلك الوقت. وان العالم يجب ان يكون حاضراً بكل اهتماماته وقلقه. وان انظار العالم كله يجب ان تنتبه لهذا الصراع وخطورته على مستقبل العالم، لأنه يدور في منطقة استراتيجية حيوية تمثل قلب العالم لعوامل (جيوبولتيك) (وجيوسياسي) واقتصادي، ولأن أكبر قوتين في العالم موجودتان في المنطقة في مصر واسرائيل وسوريا والبحر الأبيض المتوسط. وان الوجود السوفيتي المكثف في مصر أحدث تغييراً استراتيجياً في منتهى الاهمية لانه دعا الولايات المتحدة إلى انها تطل بنظرة أخرى تماماً مختلفة على الاقل رفع درجة تنبهها إلى الازمة، ورفع درجة تنبهها إلى الخطر، ورفع درجة تنبهها الى الموازين القلقة، خصوصاً في لحظة كانت امريكا تبحث فيها عن حل لمشكلة ڤيتنام.
11- بعد رحيل الرئيس جمال عبد الناصر، وخلفه على رئاسة مصر السادات في 1970/9/29م، وان انتقال السلطة هذه أرخى بظلاله على الوضع السياسي والعسكري بما يشبه الانقلاب على الافكار التي كانت سائدة في السنوات الاخيرة لرئاسة ناصر، وترى الآن حسابات عسكرية وسياسية جديدة أخرت معها ساعة ولحظة العبور والمعركة التي بذل لها على الجهد المصري والعربي والعالمي. وولجت مصر عصر تميز أوله بالصراع على السلطة بين القوى الناصرية واليسار وقوى اليمين، وكانت قوى اليسار والقوة الناصرية ترى ان تمضي السياسة المصرية في الاستراتيجية التي بناها عبد الناصر وخاصة فيما يتعلق بالصراع العربي - الاسرائيلي ومعركة العبور والصداقة مع روسيا، بينما يرى ويتبنى الفريق الآخر والذي يمثل اليمين المصري، التعاون مع امريكا للوصول إلى حل سلمي لمشكلة الشرق الاوسط والرئيس السادات كان يؤيد هؤلاء. ولكن تحت ضغط مظاهرات الطلاب، والمذكرة التي تم رفعها بواسطة بعض الضباط الاحرار القدامى والذين اشتركوا في قيادة الثورة المصرية عام 1952م، أمثال زكريا محي الدين، كمال الدين حسين وعبد اللطيف البغدادي وغيرهم وباسم (الجبهة الوطنية المصرية). اثناء هذه المواجهات اضطر السادات إلى الميل نحو تحسين العلاقات مع روسيا، واضطر لاختيار حلفاء للروس في مناصب قيادية في الدولة والاتحاد الاشتراكي العربي (الحزب الحاكم في ذلك الوقت)، وفي هذه الفترة كانت السلطة الحقيقية في أيدي هؤلاء، وان دور الرئيس كان محجماً. وذهب الصراع إلى آخر مدى لدرجة ان فكر هؤلاء على خلع السادات من الحكم في انقلاب أبيض، ولكن السادات في اللحظات الاخيرة فاجأهم وأمسك بما يسمى (بمراكز القوى) في حركة تصحيحية.. ذهبت على آثارها كل مراكز القوى إلى السجون في 1971/5/15م وتم تعيين مجموعات أخرى لقيادة مصر وتم عزل الفريق/ محمد فوزي وزير الحربية ومخطط ومهندس العبور في عهد ناصر. وتم تعيين رئيس الاركان الفريق/ محمد أحمد صادق وزيراً للحربية، والفريق سعد الدين الشاذلي رئيساً للاركان، والفريق/ أحمد اسماعيل مديراً لجهاز المخابرات العامة وكان ذلك في 1971/5/16م. كلفت القيادة العسكرية الجديدة بالاستمرار في اعداد القوات المسلحة المصرية للحرب وفي نفس الوقت بدأت القيادة السياسية في البحث عن حلول سلمية للأزمة مع جهات عالمية وخاصة امريكا، وهذا التوجه كانت تدعمه فئات سياسية وعامة، كانت لا تريد الحرب مع اسرائيل وتفضل الحل السلمي، ولكن الرئيس السادات في كل خطبه ولقاءاته كان ينادي بالحرب، وان عام 1971م هو عام الحسم العسكري، ومن الواضح ان القيادة السياسية المصرية بقيادة السادات كانت تسير في اتجاهين في نفس الوقت كانت تعمل للحرب وتعمل للحل السلمي، وان غلب تيار الحل السلمي في سنوات 71 و1972م. وفي هذه الفترة تم تقديم بعض العروض السلمية، منها انسحاب جزء اسرائيلي من سيناء وفتح قناة السويس مقابل معاهدة سلام بين مصر واسرائيل، وتم رفض المقترح من قبل القيادة السياسية. واستمر التخطيط واعادة الخطط من جانب القيادة العسكرية الجديدة، وكانت الخطة (200) للفريق/ محمد أحمد صادق وزير الحربية والتي تقضي بعبور القناة وتدمير خط بارليف وتحرير سيناء والوصول إلى المضايق، وأعقبها خطة الفريق سعد الدين الشاذلي كالآتي: سميت الخطة (المآذن العالية) وتقضي بعبور المانع المائي على القتال وتدمير خط بارليف والتمركز شرق القناة في عمق 10-12كم تحت حماية مظلة الصواريخ في الجانب الغربي والتحرك في الجانب الشرقي، ومن ثم ادارة معركة دفاعية طويلة الأمد مع العدو الاسرائيلي، فهي بالتالي خطة محدودة لا تستهدف تحرير الارض، انما جذب العدو في معارك دفاعية طويلة لتحقيق الآتي:
1- عدم قدرة اسرائيل على تحمل خسائر بشرية كبيرة.
2- اطالة مدة الحرب، وهذا يؤثر على الوضع الداخلي الاسرائيلي الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والنفسي وخاصة ان 18% من القوة البشرية الاسرائيلية تشترك في القتال.
3- حرمان العدو من أهم مميزاته في خفة الحركة والمرونة والحرب الخاطفة، والضرب في الاجناب، وخاصة ان الدفاع المصري يرتكز في الشمال على البحر الأبيض في الجنوب على خليج السويس وغرباً على قناة السويس، اذن ليس هنالك اجناب أو مؤخرة يمكن أن يؤثر عليها الاسرائيليون.
4- قدرة القوات المصرية على الدفاع تحت مظلة الصواريخ أيضاً تحرم العدو من ميزة الاتصال والتنسيق بين الطيران والدبابات، فالعدو الاسرائيلي يستخدم في تكتيكاته ومناوراته لا مركزية الطيران، بحيث يكون الطيران في الاسناد المباشر والطلب المباشر في مستوى فصيلة الدبابات.
5- الارض ليست له الاسبقية، الاسبقية لتدمير العدو وكسر شوكة قوته وهزيمته، ومن ثم تكون الارض قد حررت تلقائياً.
6- تحريك حائط الصواريخ إلى الامام تجاه القناة إلى الحافة الغربية للقناة، ومن شأن هذا السماح بنقل الدفاع الموجود شرق القناة التحرك إلى الأمام تحت مدى الصواريخ التي تم تقديمها، والتي تكون قد قدمت عمقاً أكبر.
من الواضح ان الخطة في مجملها لا تختلف كثيراً عن الخطة (فرنيت1) التي تم اقرارها في عهد الرئيس عبد الناصر، ولكنها تختلف عن خطة الفريق صادق (200)، باعتبار ان خطة صادق خطة شاملة هدفها تحرير كل سيناء حتى المضايق، وهذه تحتاج إلى امكانيات عالية لا يمكن تحقيقها في المنظور القريب بالمقارنة مع الامكانيات الاسرائيلية. واما خطة الفريق الشاذلي (المآذن العالية) فهي خطة محدودة وتتناسب مع الامكانيات المصرية وتحقق الاهداف الاستراتيجية لاحقاً. ولكن في يوم (6 يونيو 1972م) دعا الرئيس السادات إلى مؤتمر في مقره بالقناطر الخيرية، دعى له كل من وزير الحربية ورئيس الاركان ومدير المخابرات العامة الفريق أحمد اسماعيل وآخرون من العسكريين، وفي هذا المؤتمر قدم مدير المخابرات العامة تقريراً أمنياً، يشير فيه على عدم قدرة القوات المصرية بالقيام بحرب في الوقت الحالي، لأنها غير مؤهلة لذلك مقارنة بالامكانيات العالية التي يتمتع بها الجيش الاسرائيلي، وخاصة وان القوات الجوية المصرية لم تكن متوازنة مع القوى الجوية الاسرائيلية، وانه يقترح تأجيل العمليات لحين اكتمال بناء القدرات القتالية لتكون متوازنة مع القدرات الاسرائيلية، وأيده في هذا الاتجاه وزير الحربية محمد أحمد صادق. في الجانب الآخر من المؤتمرين كان رئيس الاركان الفريق الشاذلي ونائب قائد سلاح الطيران، يرون ان الامكانيات الحالية تكفي للقيام بمعركة محدودة وبالامكانيات المتوفرة، وانه بالامكان تحقيق الاهداف الاستراتيجية، وان الانتظار لتحقيق التوازن العسكري مع اسرائيل لا يمكن تحقيقه في المستقبل القريب وربما البعيد. ولم يتخذ قرار في الأمر من جانب الرئيس السادات، والذي كان واضحاً انه لا يرغب في الحرب على الأقل الآن عام 1972م. وفي (26 أكتوبر 1972م) تمت اقالة الفريق محمد أحمد صادق من وزارة الحربية وأسندت المهمة للفريق أحمد اسماعيل ليصبح وزير الحربية، وبحجة ان الفريق محمد أحمد صادق لا يرغب في الحرب، وهذا بالطبع غير صحيح لأن الفريق أحمد اسماعيل كان هو الآخر لا يرغب في الحرب، ولكن السادات كان يهدف إلى تقريب الفريق أحمد اسماعيل لتحقيق أهدافه وآرائه السياسية عبر وزارة الدفاع - وحتى يكون هو الممسك الفعلي بزمام المؤسسة العسكرية المصرية - على أن هنالك خلافات سابقة وعميقة بين وزير الحربية ورئيس الاركان وان هنالك خلافاً فكرياً عسكرياً بين الاثنين، كان من الواجب وضعه في الاعتبار حتى لا يؤثر في سير التخطيط والمعركة - وبالفعل وفيما بعد حدث الخلاف في الرأي والافكار مما أدى إلى هزيمة الثغرة.
12- في 18 يوليو 1972م أصدر الرئيس السادات قراراً يقضي بطرد المستشارين والخبراء والأفراد العسكريين الروس من مصر. وكانت مبررات الطرد عدم تنفيذ الروس للاتفاقيات معهم، وان هنالك خلافاً حول النظرة العالمية لمشكلة الشرق الاوسط، الروس يرونها مشكلة عالمية والمصريون أو السادات يراها مشكلة اقليمية، وثالثاً ان الروس لم يضعوا اعتباراً للوضع النفسي والسيكولوجي للشعب المصري في تعاملهم معه. ولكن هنالك من يقول من (المراقبين والمتابعين للشأن المصري) ان هنالك اتفاقاً سرياً بين امريكا ومصر بطرد الروس مقابل تحسين العلاقات بين امريكا ومصر وايجاد تسوية سلمية لمشكلة النزاع العربي الاسرائيلي والاسرائيلي المصري. وثانياً: السادات يريد اعلان الحرب على اسرائيل، لهذا فإن طرد الخبراء والعسكريين الروس يحرم الاسرائيليين من القول ان الروس يحاربونهم. وبالتالي هناك فرصة مناسبة للحكومة الامريكية وللشعب الامريكي والرأي العام، ليقللوا من تأييد اسرائيل. وبالفعل وفي يوم 5 اكتوبر 1972م تم تنفيذ القرار وتم اجلاء الروس جواً إلى روسيا وكانت أعدادهم كالآتي:-
أ- ألف مستشار وخبير.
ب- 6 ألف فرد عسكري، دفاع جوي وطيارين وفنيين.
ج- 750 عائلة.
د- تبقى القليل لادارة صواريخ (اسكود).
وهذا القرار بالطبع أثر على جاهزية القوات المصرية للحرب للنقص الذي طرأ، على الكوادر الفنية في الدفاع الجوي والطيران مما استلزم العمل سريعاً وبكثافة لتعويض النقص بالتدريب المكثف.
13- في الأول من يناير 1973م اندلعت المظاهرات في الجامعات المصرية، مستفيدة من سقف الحريات الذي أعطى، للمطالبة باطلاق سراح المعتقلين واحترام حقوق الانسان مع تقديم أدلة بان الاستعداد للحرب ضد اسرائيل يجري حقيقة وليس مجرد كلام. وأعقب ذلك مذكرة المثقفين في (1973/1/22م) والتي تقدم بها حوالي الاربعين من الكتاب المصريين، ذكروا فيها ان مظاهرات الطلاب ليست فعل أقلية (كما كان يقول السادات في خطبه) ولكنها تعبر عن تذمر كل قطاعات الشعب المصري، وكان من بين هؤلاء المثقفين: توفيق الحكيم - لويس عوض - لطفي الخولي - يوسف السباعي. وتعتبر هذه المذكرة نادرة من نوعها لأن الذين وقعوا عليها ينتمون إلى كل التيارات الفكرية والفلسفية، ولأن بعضهم من أكثر الادباء والكتاب احتراماً في مصر. وبناءً على هذا الحراك الداخلي اعترف السادات بأنه فقد كل الامل في امريكا، وانه ما عاد يتوقع حلاً سلمياً، وانتقد السلوك السياسي لبعض الدول العربية وقال انها لا تهدد المصالح في المنطقة، بل العكس تعمل على ازدهار هذه المصالح. نتيجة لمذكرة المثقفين وضغط الطلاب، والضغط الداخلي عموماً، تحت شعار ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وأصبحت القوات المسلحة في جاهزية تؤهلها لتنفيذ المهام المحددة في الخطة، وان القيادة العسكرية جاهزة للمعركة، وكل الطرق وعبر كل الاتجاهات تؤدي الآن إلى المعركة فهنالك اجماع وطني مصري وعربي على حتمية المعركة بعد فشل الجهود التي تؤدي إلى السلم، وهنالك قوات مسلحة اكملت الجاهزية للمعركة، بناءاً على ذلك أمنت القيادة السياسية على حتمية المعركة، صدرت الاوامر للقوات المسلحة بالبدء في العد التنازلي حتى ساعة السفر (سعت س).
وفي مارس 1973م، تم تكليف القيادة العسكرية بوضع خطة (اضافة لخطة المآذن العالية) تهدف إلى الوصول إلى المضايق مرحلة ثانية. وذلك حتى يتمكن السوريون من الاشتراك في الحرب بالتنسيق مع القوات المصرية. عارضت هيئة الاركان برئاسة الفريق الشاذلي مبدأ الفكرة، إذ ان تنفيذ هذه الخطة يعني القتال في عمق سيناء وخارج مظلة الصواريخ، وان القوات المتقدمة نحو المضايق (50كم) سوف تكون هدفاً سهلاً للطيران المعادي ودباباته، مما يعرض القوة المتقدمة إلى التدمير. وهذا ما حدث بالضبط عندما بدأ تنفيذ هذه الخطة لاحقاً. وأخيراً اعتبر الأمر قراراً سياسياً غير قابل للنقاش وواجب التنفيذ، وبناءاً على ذلك وضع الخطة (بدر الكبرى) وانها غير قابلة للتنفيذ كما ذكر للقيادة السياسية، وتم عرض الخطة على الروس حتى تستطيع مصر الحصول على أكبر قدر من السلاح الروسي لتغطية هذه الخطة والتي تهدف لتحرير كل سيناء. ثم عرض الخطة على السوريين وبدأ التنسيق بين الجانبين بزيارات متبادلة وفي 1973/8/21م التقت القيادات العسكرية السورية والمصرية سراً في القاهرة لوضع الترتيبات شبه النهائية للمعركة وتم اختيار وزير الحربية الفريق أحمد اسماعيل قائداً عاماً للجبهة المصرية والسورية مع وضع رسائل وآليات التنسيق، كما تم تحديد توقيت المعركة ما بين الأيام (5-11 سبتمبر 73) أو أيام (5-12 اكتوبر 73). ولاحقاً تم استبعاد التوقيت الأول (5-11 سبتمبر) على أن يكون توقيت (5-12) أكتوبر هو توقيت بدأ القتال. في أيام (3-4 اكتوبر 1973) قام الفريق أحمد اسماعيل بزيارة أخيرة إلى سوريا للتنسيق النهائي وتم الاتفاق على ان يكون يوم 6 اكتوبر 1973م هو تاريخ بدأ القتال، وحتى هذه اللحظة لم تحدد ساعة القتال، إذ يرى السوريون ان تكون في الساعات الأولى لصباح يوم 6 اكتوبر، بينما يرى الجانب المصري الساعة الثانية ظهرا يوم 6 اكتوبر لارتباط هذا التوقيت بعمليات المد والجزر وللاستفادة من ساتر الظلام لاتمام بناء الكباري وعبور الآليات والقوات شرقاً بعيداً عن تدخل قوات العدو. وأخيراً اتفق الجانبان على هذا التوقيت الأخير (الثانية وخمس دقائق ظهراً (سعت 1405) في يوم 6 اكتوبر 1973) ومن هنا بدأ قطار الحرب يتحرك ويجري على القضبان بأقصى سرعة، وبدأ العد التنازلي للمعركة وأصبحنا أمام لحظة تاريخية مهمة في حياة الشعوب العربية والاسلامية.
نواصل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.