المثل يقول: «قتلوك ولا جوك.. جوك» والمعنى بالتأكيد معروف.. ولكني أرى أنه يمثل حالة انفصال الجنوب، إذ أن الشماليين كانوا يعملون ألف حساب لصقور الحركة الشعبية، خشية أن يدفعوا أخوتنا الجنوبيين البسطاء نحو هوة فخ الانفصال، من شدة حرصهم على الوحدة مع أخوتهم الجنوبيين، فيما يسعى بعض الأخيرين وهم قلة استقووا بقوى خارجية، لتسويق فكرة الانفصال، وأخذوا يبتزّون بها أهل الشمال، ولذلك كل الاتفاقيات والمفاوضات التي كان يجريها الشماليون مع الجنوبيين التي كانت بغرض ترسيخ وتغليب خيار الوحدة على الانفصال، كانت غير مجدية، وذلك لأن الأخيرين لم يكن يعجبهم رجب ولا الصيام في رجب. ولكن بعد أن أخذ بعض إخوتنا الجنوبيين الذين دفعهم حماسهم لارتكاب هذه شنيعة الانفصال، في ما كانوا قد سعوا له من قبل عقود كثيرة قبل أن نرى لاتهاماتهم لأهل الشمال أية واقعية أو موضوعية، لم يعد يهم بعد ذلك أحداث أو أقوال أو تصريحات هنا أو هناك، خاصة بعد أن وقعت الواقعة.. إذ لم يعد هناك هاجس يؤرق الشماليين ويقلق مضاجعهم، كما كان من قبل. فكون أخوتنا الجنوبيين يختارون لعملة الجنوب النقدية جنيهاً عليه صورة قرنق فهذا شيء لا يهم الشمال في شيء، بقدر ما هو إهانة للزعيم قرنق ولإخوته الأوفياء من دعاة الوحدة، لأنه معروف أن قرنق مات مقتولاً وغدراً بطريقة محكمة لم تدع أثرا بعدها يكشف سرّ العملية. والنقطة المضحكة والمحزنة في نفس الوقت، هي ممانعة صقور الحركة الشعبية، ولن أقول الجنوبيين، ورفضهم لطرح المؤتمر الوطني بأن يقتسموا معهم النفط بنسبة 50% لمدة سبعة أعوام على أن يسمح بتصدير النفط عبر الشمال الشرقي، بمعنى أنهم يستكثرون عليهم هذه النسبة، ناسين أن الشماليين كانوا مأواهم زمن الحرب، وكانوا الأحرص على صناعة وحدة جاذبة لسودان يسع الجميع. ونقطة أخرى مضحكة ومحزنة في نفس الوقت، وهو أن تصرح الحركة الشعبية على إثر هذا المقترح الآنف ذكره، بأنهم سوف يطالبون بحقهم في أنابيب تصدير البترول في الشمال، ونسوا أن الحكومة هي من تحمّلت أعباء تنقيب وتكرير هذا البترول الذي أخذوا يفاخرون به في ساحات المفاوضات الأخيرة، وقبل ذلك استكشافاته في حقول الجنوب، الأمر الذي كلّف الشماليين أرواح أبنائهم وتحملوا تبعاته على حساب لقمة عيشهم، ولذلك الأحري بالحكومة أن تطالب بحق الشماليين في بترول الجنوب، ودفع فاتورة كافة تكاليف الاستكشافات والتنقيب والتكرير، ودفع ديّات الأرواح التي أزهقت في سبيله، أليس ذلك من العدالة..؟! أقول لصقور الحركة الشعبية: لم يعد لديكم ما تهددون به، فإن الشمال كان من أكبر مهدداته الانفصال، ولم يعد بعد ذلك أي شيء يمثل مهدداً له، ولذلك ليس لكم منطق غير صوت الحكمة والعقل يقودكم لخير أهلنا البسطاء في الجنوب. [email protected]