«هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية»، عبارة مؤثرة أطلقها احد ثوار تونس بينما كانت طائرة زين العابدين بن علي تبحث وهي فوق طيات السحاب عن ارض تهبط عليها بعيدا عن تراب تونس ، الذي هرم فيه الرجال وهم يناضلون منذ عشرات السنوات لكي تأتيهم لحظة يتنفسون فيها عبق الحرية .. أما نحن في دنيا الاغتراب فقد هرم أغلبنا وهو ينتظر تلك اللحظة التاريخية التي تنقله عزيزا مكرما سالما غانما الى الوطن. ولكن تلك اللحظة تاريخية طال أمدها ولم تأت رغم هرم وشيخوخة كثير منا .. ولعل اغلب المغتربين يحلمون ببيت متواضع يأويهم وأسرهم ، او مشروع صغير يوفر لهم ثمن الخبز والزيت والحليب والعلاج.. فهنا في أرض الاغتراب كبر الأبناء والبنات، وأضحت لهم آمال وتطلعات، غير أنها تظل حبيسة الصدور في انتظار لحظة تاريخية، تنقلهم إلى هناك مهما بلغت درجات شظف العيش.. والقضية الآن لا تتعلق بشظف العيش او انقطاع التيار الكهرباء في صيف مايو، أو جفاف قنوات الجزيرة «الترع» في عز الصيف للحد الذي لا يجد فيه سكان كثير من القرى ماءً صالحاً او حتى غير صالح للشرب..!! ويبقى المغترب السوداني يقاتل بجسارة وحيدا وهو يجتهد في مد يد العون لأفراد الأسرة الممتدة، وهو بطبيعة الحل لن يستطيع في أغلب الأحيان القيام بفعل إيجابي مؤثر ينهي غربته بالنجاح الذي من أجله غادر مراتع الصبا.. وعندما نقول إن المغترب يقاتل وحيدا نعني أن دور الدولة لم يرتق أبدا للطموحات والآمال، فأجهزة الدولة المعنية وأبرزها جهاز شؤون السودانيين العاملين بالخارج، يجب أن تقدم اقتراحات الى مجلس الوزراء بشأن الأخذ بيد المغترب الذي أنهكته سنوات الاغتراب الطويلة، وأن تكون من ضمن المقترحات إعفاء جمركي كامل للسيارات، وذلك للعائد بصفة نهائية، وحتى يصبح الاقتراح منطقياً، يمكن أن يشترط لسنوات الاغتراب عشر سنوات وما فوق، وبلا شك ان مغترباً أمضى عشر سنوات او عشرين سنة، جدير بالدولة أن تخدمه، كما أن هناك فئة من المغتربين الذين ترهلت أسرهم وهم يحلمون ببيت صغير في أرض الوطن، فلماذا لا تقدم مبادرة بتوفير مساكن في العاصمة والولايات المختلفة بالتنسيق مع جميع الجهات المعنية، على أن يتم سداد تكاليف المنزل بالاقساط المريحة، ولماذا لا ينسق الجهاز لتخصيص وظائف خاصة للمغتربين في كل عام وفي كل التخصصات، ليتم استيعاب الراغبين في العودة. وفي مقدور جهاز المغتربين أن يقدم عملا كبيرا يجسده التاريخ، وهو في نهاية المطاف يصب في مصلحة الوطن والمغترب.. ودعونا جميعاً نحلم بمثل هذه اللحظة التاريخية، فقد تأتي. آخر الكلام: قال الحجاج بن يوسف: لولا فرحة الإياب لما عذبت أعدائي إلا بالسفر.