المغترب السوداني منذ أن تطأ قدمه ارض الاغتراب، يصبح يحدث نفسه ليل نهار برغبة أكيدة في العودة الى الوطن، وأحيانا يربط أمر عودته بمنجز يكبر أو يصغر بحسب المردود المادي الذي يتقاضاه نظير عمله.. وربما تتمثل معظم أحلام المغتربين السودانيين في منزل يأوي الأسرة، او مصدر دخل يوفر «لقمة العيش».. ويبقى السوداني مغتربا وهو يحدث نفسه ومن حوله بأنه عائد إلى الوطن، وتمر سنوات ولا تخبو رغبة العودة، بل تضحى بفعل مرور السنوات في أوجها، فالغربة مهما كانت مغرياتها لا تمثل بديلا لوطن يشتاق الإنسان ليفديه بدمه.. فالغربة تقدم بدائل مادية جيدة لجهة الراتب والعلاج والتعليم للأبناء الذين لا يطاليون بأي نوع من الرسوم، بل يمنحون الجوائز والهدايا إن هم تفوقوا، ولأبناء السودانيين في مختلف المهاجر نجاحات لا تخطئها عين.. ورغم ذلك تحرم الغربة المرء من روعة التواصل الاجتماعي، والالتصاق بالا شياء الصغيرة والكبيرة التي تشكل حياة الناس. وفي الغربة يحزن ويخسر الإنسان كثيراً بعيداً عن الحسابات المادية.. ومن المغتربين من فقد أمه وأبيه، وهو يهفو منذ ساعات اغترابه الأولى للحظة تجعله بين أيديهم لينال كامل الرضاء قبل الموت، ولكن إرادة الله اقوى وامضى، وهي ساعة لن تتأخر.. ومن الحزانى من فقد شقيقا أو شقيقة، أو أي من الأعزاء الذين يكونون امتداد الأسرة السودانية المعروفة بالتلاقي والتداني والتكافل والتراحم والتواصل، مقارنة بكل شعوب الدنيا. وبلا شك فإن رحيل الأعزاء يصيب الإنسان بألم ومرارة، بيد انه لا يملك الا ان يمتثل لأمر الله وهو يردد قول الحق «إنا لله وإنا إليه راجعون». نعم هي مقادير مقدرة وآجال محتومة، ولكن ألم الحزن في الغربة هو أضعاف مضاعفة لما يشعر به المرء في وطنه الذي لم يزل يحلم فيه الناس كلهم جميعاً بمن فيهم معشر المغتربين في مشارق الأرض ومغاربها وعموم الذين لم تكتب عليهم خطى ليمشوها خارج الحدود، بعيش كريم، ولكن يبدو أن الوطن لازال يعاني في عدة جبهات، ويخشى أن تقعده طويلاً عن توفير أحلام أبنائه بالداخل، ومغتربيه خارج الحدود، الذين يخافون ألا تأتي لحظة جميلة تنقلهم الى حضن الوطن، كما يخشون يوماً يفقدون فيه من يُزين لهم طريق العودة إلى مراتع الصبا لتطول الغربة وتمتد الأحزان، ليقضي الله امراً كان مفعولاً. آخر الكلام: النفس تبكي على الدنيا وقد علمت ٭٭ أن السلامة ترك ما فيها لا دار للمرء بعد الموت يسكنها ٭٭ إلا التي كان قبل الموت يبنيها فإن بناها بخير طاب مسكنها ٭٭ وإن بناها بشر خاب بانيها