في السنوات الأخيرة وقفت أمام الأحزاب السودانية تحديات داخلية كبيرة، تمثلت في ما أشيع من انعدام العنصر الشبابي فيها وانعدام القيادات الوسيطة، الأمر الذي حدا بالبعض للقول بأن الأجيال الوسيطة والشابة غابت تمامًا عن المكون القيادي للأحزاب السودانية خاصةً تلك التي يُصر البعض وصفها بالتقليدية «اللا آيديولوجية»، وأن هذه الأحزاب ستنتهي بانتهاء قياداتها الاعتبارية الحالية، وقد شكل ذلك بغير شك مدخلاً أرق الكثيرين، و من بين هذه الأحزاب المتهمة بهذا الأمر و المجابهة بهذا التحدي الحزب الاتحادي الديمقراطي، فقد فصّل عليه البعض هذه الأزمة تفصيلاً حتى أن بعض أهله بدا يتحسس شبابه وشيب رأسه خيفة أن يأتي زمان لا قادة للحزب فيه. يحكى أنه و في سبعينيات القرن الماضي استدعى زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي ومرشد الطريقة الختمية بعد استشارة عدد من الشيوخ والمفكرين، مجموعة من الشباب المقبل على التخرج في الجامعة و المثقف والمؤهل ليكون في المكتب التنفيذي له، و كرر هذه العملية في الثمانينيات، وكانت تلك «التطعيمة» غير مفهومة لكثير من الناس، و كانت سياط الانتقاد تطالها من حين إلى آخر، ولكن مولانا الميرغني لم يكن يبالي كثيرًا بها أو هكذا نظنه فقد كان يعرف ما يفعله وعواقبه، كانت هذه الكوكبة «حقنة» من الدماء الجديدة التي أراد عبرها ربط الأجيال، وحينها كان الراحل الملك السيد أحمد الميرغني، هو صدارة الشيب والشباب، وقبله كان «مولانا السيد» نفسه هو صدارة الشباب في الحزب ومسؤول شباب «الختمية» أمام مرشدها مولانا السيد علي الميرغني. مضت الأيام والسنون ودارت الليالي، ومضى معها العمر، وكان السيد يقوم بهذا التطعيم بشكل مؤسسي وتنظيمي مضبوط، إلى أن اضطر الاتحادي لتنسيق العمل السياسي من خارج السودان، وبدأت مرحلة جديدة من العمل السياسي المصادم، وبطبيعة الجو التنافسي كان الإعلام المتأثر بوطيس المعارك السياسية يتناول ظاهرة «انعدام الشباب»، ويجد في الاتحادي الديمقراطي مثالاً يضرب به، دون تبصر حقيقي للهيكلة القيادية، وحينما فجعنا والاتحاديون في 2008 برحيل نائب رئيس الحزب السيد احمد الميرغني -طيب الله ثراه- دب الخوف في قلوب المحبين، ولما تواصلت الأحزان بوفاة الدكتور أحمد السيد حمد و قبله مضوي ثار الحديث وكثر عن المأزق الذي سيواجهه «حزب الحركة الوطنية» الذي لا شباب به!. خاصة وأن حقبة التسعينيات كان بها ما كان من أحزان، فقد فيها الحزب عدداً من رجاله الشباب من مثل محمد عثمان أحمد عبدالله وغيره، ويضيف الشامتون أو الناقدون ميزة أخرى أن بعض القيادات الشابة «اتوالت و انشقت»، واستمر القلق الذي مس «القوم المثقفين وأشقاء»، فهم يدّعون أنهم «أهل الفداء والسلسلة الممتدة» و أنهم «على المبادئ لا نكوص لا ردة»، فكيف لحزبهم أن يخلو من الشباب لو أراد الامتداد؟!. كنت أدرك أن البيت الاتحادي ملئ بالشباب، و كثيرٌ به، وعزيز بهم، وكنت أعلم أن البصيرة السياسية النافذة ستبهر الجموع، وأن «حقنة الدماء الجديدة» التي انتقدها البعض في السبعينيات والثمانينيات حان دورها، مجسدة العبقرية السياسية التي تعمل بصمت، كان موعدنا و موعد الناس الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ابريل 2010، حيث فاجأ الحزب الاتحادي الجميع بتقديم ابن التسع وأربعين ربيعاً، و ظهرت القيادات الشابة متوزعةً بين المرشحين، من النساء والرجال، كلهم في متوسط العمر، تدخل مقار الحزب ودور زعاماته فلا تجد إلا الشباب يزينهم شيوخ يملأهم الوقار، تقرأ في أسماء التنفيذيين فلا تجد إلا الشباب البصير، يجمعهم كيان نابض بالحياة وأمل كبير في تحقيق المستقبل، اندهش الراصدون لحالة انعدام الشباب، واكتشفوا حجم التضليل الممارس عليهم و انكشف لهم أن الإعلام المزيف صور لهم صورة غير حقيقية. ذلك الإعلام الذي لم يكن ينقل عن حراك الشبابك فالسيد محمد الحسن الميرغني، زينة شباب الحزب و القائم على هيكلة العمل التنظيمي يحدثك عن الوحدة الاتحادية وأشواق الشباب وهيكلة العمل التنظيمي واستخدام الوسائط الحديثة في تعزيز قدرات الحزب، الأستاذ حاتم السر يحدثك عن الإعلام الإلكتروني واستخدام الfacebook و ال twitter، ويتنقل بين الجامعات ومراكز الأبحاث لتعزيز خارطة الطريق الاتحادية من الأزمة، كثيرون مثلهم، استمدوا أصالتهم من الإرث التاريخي المكين لحزبهم وبدأو إحياء الآليات النابضة بالحياة، بدأوا ضخ الحياة في أوصال العمل السياسي، بمبادرات جادة وقوية. لذلك ليس غريباً أن يُطل من فترة لأخرى من يتهم أعضاء الهيئة القيادية في الحزب أو المكتب التنفيذي أو غيرهم من قيادات الحزب، بأنهم «شباب» طرأوا على العمل الحزبي، و تسلقوا على كذا وكذا، ليس غريباً الهجوم عليهم، فهؤلاء الشباب هم بقية من المجد العتيد لهذا الحزب، وأبناء «العمل بصمت»، والغريب أنهم و برغم صغر سنهم إلا أن كل واحد منهم أفنى أكثر من نصف عمره خدمة لقضايا الحزب. هم تأهلوا جيدا وتعلموا لغة الوقت وأسلحته لذلك، هم وبلا شك رجال الوقت و رجال النصر، شاء من شاء وأبى من أبى. نعم كثيرة هي الأحزاب في السودان، و ينبغي لها أن لا تكون إلا تعزيزاً لقيم الانتماء لهذا الوطن، ويجب أن لا يحرمنا الانتماء لحزب من الموضوعية في التناول العلمي والإعلامي البناء للأحزاب الأخرى، فتجربة الدول القريبة أثبتت أن دولة الحزب الواحد هي نسيج متهالك وتسقط بأهون ريح، وأن تعزيز الثقة بالأحزاب من الأمن الوطني القومي، وأن المحافظة على تعددية الحياة السياسية صمام أمان للوطن، والحراك الإعلامي المعزز للأحزاب يعكس بعدًا وطنياً أميناً، و يحقق دور المؤسسات المدنية في صناعة المستقبل الديمقراطي أو التمهيد له، ولا بد من دعم الشباب لا قيادة الحملات الكبرى. الشباب أقدر على ممارسة سياسات التصالح، لأن المستقبل أمامهم، و في الاتحادي على الجميع الوقوف مع السياسات التنظيمية المعززة لدورهم، وليغتنموا صعود نجم القيادات الشابة، وليكن اختيارهم حسناً بالالتفاف الحسن حول قيادتهم . [email protected]