يعتبر نظام البوت «البناء والتشغيل والنقل» أي بناء المشاريع وتشغيلها بواسطة شركات القطاع الخاص المحلي أو الأجنبي ومن ثم نقل ملكيتها إلى الدولة، من أكثر الأنظمة التي تعضد الشراكة بين القطاع الخاص والحكومي بالبلدان لتبادل المنافع، حيث استفادت منه كثير من الدول. وأشار بعض مسؤولي الوزارة إلى ان نظام «البوت» يقلل من الضغط على الميزانية العامة للدولة فى مجال التنمية، ويفتح الباب أمام القطاع الخاص لتنفيذ مشروعات دون المطالبة بسداد من المالية وبينوا انه نظام عالمي يعمل على ادخال القطاع الخاص في مشروعات وتشغيلها ومن ثم استرداد رؤوس اموالها وارباحها، ومن بعد نقل ملكيتها الى الدولة، وأن الشراكة مع القطاع الخاص تعطي حماية لنظام «البوت» وتعزز من دوره فى تقديم خدمات مميزة للمواطنين، غير أن المتابع لمسيرة وزارة المالية في تنفيذ مشاريع قائمة على نظام «البوت»، يجد أنه لا أثر لها على أرض الواقع، الأمر الذي يدعو لطرح جملة من الأسئلة المشروعة عن أين الخلل؟ وهل هناك فعلا هناك مشاريع يتم تنفيذها وفق نظام «البوت» لم تجد حظها من الدعاية الإعلامية؟ أم أن ثمة معضلات تقف في طريق تنفيذه على أرض الواقع ؟ يقول الدكتور عبد العظيم المهل المحاضر بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا إن نظام البوت هو اختصار لنظام البناء والتشغيل والنقل، اي أن تقوم شركة قطاع خاص محلي أو عالمي ببناء أو تأسيس مشروع على حساب نفقاتها الخاصة ومن ثم تديره وتشغله لفترة معينة يتم الاتفاق عليها بينها والحكومة أو القطاع العام وبعد انتهاء أمده تسلم شركة القطاع الخاص المشروع برمته إلى الدولة وتخرج من إدارته نهائيا. ويواصل المهل قائلاً إن للبوت عدة أشكال وأنظمة، فهناك ما يقوم على البناء والتشغيل والتملك ومن ثم نقل الملكية، وهناك ما لا تسترد فيه ملكية المشروع ويصبح خاصا للشركة المنفذة، وآخر يقوم على إعادة التأهيل لمشاريع قائمة وتشغيلها ومن ثم إعادة مليكتها للدولة. ويضيف إن نوع «البوت» المتبع يحدده نوع العقد المبرم بين الطرفين. وأشار إلى أن نظام «البوت» ظهر بواسطة شركة أوزال في تركيا، وتم استخدامه وتفعيله في كثير من الدول في إنشاء مشاريع بنيات تحتية ضخمة أشهرها نفق المانش ومترو الأنفاق في القاهرة. ويواصل المهل ان «البوت» يعتبر وسيلة مناسبة لتمويل مشاريع البنيات التحية في دول العالم الثالث، غير أنه رغم انتشاره في دول العالم بكثرة إلا أننا في السودان لم نستفد منه حتى هذه اللحظة. وقال إن مترو الأنفاق في مصر آلت ملكيته إلى الحكومة المصرية دون أن تخسر من خزينتها العامة أي مبلغ، بل أصبح الآن مصدرا لتغذيتها بالموارد المالية، وبالتالي يقول المهل يمكن إقامة مشاريع على نظام «البوت» بالسودان بصورة واسعة، لا سيما أن شركات كبيرة هندية وصينية وعربية وغربية لديها رؤوس أمول فائضة عن حاجتها تمكنها من تمويل مشاريع البنيات التحتية بالسودان. واقترح المهل أن يوكل تأسيس مشروع الصرف الصحي بالعاصمة القومية الخرطوم إلى واحدة من الشركات أو مجموعة منها، على أن تشغله لفترة يتفق عليها بينها والولاية ومن ثم تؤول ملكيته إلى حكومة الولاية بعد إنقضائها. وأضاف أن المطلوب فقط تحرك أجهزة الولاية في هذا المنحى بالبحث عن الشركات التي لها الإمكانيات والرغبة في الدخول في شراكة معها على نظام «البوت» لتنفيذ مشروع الصرف الصحي. ويضيف يمكن أن يتم الاتفاق على تنفيذ مشاريع شبكة مواصلات عامة أو مترو أنفاق أو خط سكة حديد حديث يربط أصقاع السودان المختلفة، وكذا المشاريع في مجالي الصحة والتعليم وحتى الرياضة. وأشار إلى أن المدينة الرياضية التي بدأت مشروع تنفيذها الحكومة قبل عشرين عاما لو أنه تم تمويلها على نظام «البوت» لأمكن تنفيذها في سنتين وتم تشغيلها لمدة 18 عاماً ولعادت ملكيتها إلى الحكومة بانتهائها، ولكان الآن للدولة مدينة رياضية متكاملة دون أن تخسر جنيها واحدا على إنشائها. وأضاف المهل إن نظام «البوت» يمكن تفعليه في كل القطاعات الخدمية مثل المشاريع الصناعية والكهربائية والسدود وخلافها، عوضا عن النظر إلى الموارد وهي عاطلة في ظل عدم إسعاف إمكانياتنا وتشغيلها والاستفادة منها، لذا يرى المهل أنه من الأفضل استغلالها وتحريك طاقتها على نظام «البوت» بواسطة شركات أخرى. وقال المهل إن المشكلة الأساسية في نظام البوت تكمن في العقد المبرم، حيث أنه في الغالب الأعم يكون لصالح الشركات، نسبة لأن قوتها التفاوضية أكبر من الحكومات، لأجل هذا تكون العقود المبرمة في صالحها، وأنه في كثير من الأحيان يتم دس بعض المواد والعبارات في متن العقود لصالح الشركات المنفذة، بالإضافة إلى أن الشركات ربما تبيع الخدمات بأسعار أعلى من المتفق عليه، لأجل هذا يرى المهل ضرورة تضمين أسعار الخدمات في العقد بين الشركة والحكومة، غير أن ثمة مميزات أشار إليها المهل يمكن جنيها، على رأسها ضمان تنفيذ الشركة للمشاريع بكفاءة عالية، وبنص العقد يشترط تسليم المشروع للحكومة وهو يعمل بكفاءة عالية، كما أنه يساهم في استغلال الموارد العاطلة بالبلاد ويشغل عددا مقدرا من العاطلين، بجانب تحريك جمود الحركة الاقتصادية، علاوة على مردوده في رفع كفاءة الأداء في القطاع المعين، وجذب الاستثمارت الخارجية. وختم المهل إفاداته إلينا بأن نظام «البوت» يمكن التعامل به حتى على مستوى الأفراد إذا ما وجدوا شركة تشغل ما يملكون من أملاك، لا سيما في مجال الأراضي واستصلاحها وتعميرها.