قطر.. تنظيم دخول وخروج الوافدين وإقامتهم الصادرة    منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفث: قتل عمال الإغاثة أمرا غير معقول    عثمان ميرغني يكتب: معركة خطرة وشيكة في السودان    وصف ب"الخطير"..معارضة في السودان للقرار المثير    والى الخرطوم ينعى نجل رئيس مجلس السيادة "محمد عبدالفتاح البرهان"    قبل قمة الأحد.. كلوب يتحدث عن تطورات مشكلته مع صلاح    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    وفاة "محمد" عبدالفتاح البرهان في تركيا    شاهد بالصورة والفيديو.. فنانة سودانية تحيي حفل غنائي ساهر ب(البجامة) وتعرض نفسها لسخرية الجمهور: (النوعية دي ثقتهم في نفسهم عالية جداً.. ياربي يكونوا هم الصاح ونحنا الغلط؟)    شاهد بالفيديو.. الفنانة شهد أزهري تعود لإشعال مواقع التواصل الاجتماعي بنيولوك جديد وتقدم وصلة رقص مثيرة خلال حفل خاص بالسعودية على أنغام (دقستي ليه يا بليدة)    شاهد بالصور والفيديو.. حسناء سودانية تسخر من الشباب الذين يتعاطون "التمباك" وأصحاب "الكيف" يردون عليها بسخرية أقوى بقطع صورتها وهي تحاول تقليدهم في طريقة وضع "السفة"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    شاهد بالصورة والفيديو.. (فضحتونا مع المصريين).. رجل سوداني يتعرض لسخرية واسعة داخل مواقع التواصل الاجتماعي بعد ظهوره داخل ركشة "توك توك" بمصر وهو يقلد نباح الكلاب    قائد السلام    واصل تحضيراته في الطائف..منتخبنا يؤدي حصة تدريبية مسائية ويرتاح اليوم    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    دعم القوات المسلحة عبر المقاومة الشعبية وزيادة معسكرات تدريب المستنفرين.. البرهان يلتقى والى سنار المكلف    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    في اليوم العالمي لكلمات المرور.. 5 نصائح لحماية بيانات شركتك    جبريل: ملاعبنا تحولت إلى مقابر ومعتقلات    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    موعد مباراة الهلال والنصر في نهائي كأس الملك !    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    السوداني هاني مختار يصل لمائة مساهمة تهديفية    ستغادر للمغرب من جدة والقاهرة وبورتسودان الخميس والجمع    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    الحراك الطلابي الأمريكي    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هذا زمان الديمقراطية الليبرالية

يشهد العالم في هذه الأيام حراكا شديدا نحو التحول الديمقراطي الليبرالي في العالم العربي، حيث اندلعت الثورات الشعبية لاسقاط النظم السياسية السائدة فيها، بغرض تأسيس نظم ديمقراطية ليبرالية كإطار سياسي واقتصادي واجتماعي لمعالجة كل المشاكل التي أفرزتها النظم السياسية الشمولية أو الديمقراطية الاستبدادية (Autocratic) المزيفة السائدة في تلك الدول، وأعني مشاكل الفقر والبطالة والفساد والقهر والاستبداد والاستعلاء، وهدر كل طاقات الموارد البشرية القومية ماعدا بعض النخب الموالية للنظم القائمة. والمتابع لمجريات الأحداث في العالم العربي يدرك أهمية أن توفق كل الدول العربية أوضاعها وتؤسس نظما ديمقراطية ليبرالية قويمة قبل أن يقتلعها تسونامي (Tsunami ) الديمقراطية الهادر. ومن الحكمة أن تستفيد الدولة و كل الأحزاب في السودان من هذه التجارب الإنسانية في تعزيز التحول الديمقراطي وتداول السلطة سلميا قبل فوات الأوآن. وسوف استعرض في شيء من الايجاز هذه التجارب والدروس المستفادة مع التركيز على ماسمي بثورة الشباب في مصر وتلك في ليبيا.
الثورات العربية
فالشعب المصري العظيم كان يرزح تحت نير الفقر والبطالة والفساد وتسلط وقهر نظام حسني مبارك المؤسس على منطق القوة وليس الحق وصلف الشرطة واستبداد الأمن القومي. وبالرغم من وجود ديمقراطية إلا إنها معطوبة فهي قهرية و استبدادية مزيفة. كما توجد تعددية حزبية إلا أن القوانين لتي يصدرها مجلس الشعب، الذي يتمتع فيه الحزب الوطني الحاكم بالأغلبية المزورة، من حين لآخر فضلا على الممارسة المخلة للديمقراطية جردتها شيئا فشيئا من مقوماتها الأساسية و جعلتها مظهرا فارغا من أي محتوى سوى تحسين صورة الحكم. فمثلا أصبح تزويرالانتخابات ممارسة عادية وقانونا عاما يدعمه تداخل السلطات التشريعية والتنفيذية التي يترأسها رجال الحزب الحاكم. ولعله من المفيد للدولة والأحزاب في السودان ذكر السمات الرئيسية الآتية لانتخابات مصر في عام 2010م:
1- كانت منظمات رقابة الانتخابات المحلية متواطئة مع الحزب الحاكم.
2- أشرفت أجهزة أمن الدولة المنحازة للحزب الحاكم على الانتخابات.
3- أوضحت أحد الاستطلاعات أن ثلثي الشعب المصري يرغب في وجود رقابة دولية للانتخابات، ولكن رفضت الحكومة الفكرة من أساسها.
4- لا توجد صلاحيات حقيقية للجنة العليا للانتخابات.
5- تم التضييق على مرشحي الأخوان المسلمين من قبل أمن الدولة.
6- تم حجب بعض أسماء المرشحين بحجة عدم اكتمال طلباتهم. وبعد أن رفعوا اعتراضهم للقضاء، أمر القضاء بتسجيلهم، ولكن تم رفع الحجب من بعضهم ولم يرفع من البعض الآخر بحجة اعتراض مرشح آخر في نفس الدائرة على هذا الحكم، ولهذا السبب كان لابد من النظر في الاعتراض من قبل محكمة أخرى في الدائرة متواطئة مع الحزب الحاكم. وهذا يعني عدم احترام أحكام القضاء وسيادة القانون. تحت الظروف العادية يعتبر هدر أحكام القضاء هدرا لسيادة القانون ويترتب على ذلك بطلان الانتخابات وبالتالي بطلان النتيجة. ولكن في ظل نظام حسني مبارك يحق الباطل.
7- تم اعتقال العشرات من الأخوان المسلمين وبمرور الزمن ارتفع عدد المعتقلين للألف.
8- تم اختطاف بعض الأخوان الناشطين في الانتخابات.
9- تم منع مؤتمرات بعض المرشحين.
10- أجريت بعض التعديلات في قانون الانتخابات لضمان سيطرة الحزب الحاكم. كمثال اجازة قانون القائمة الحزبية منعا لتحالف الأحزاب.
11- احتكار وسائل الاعلام بواسطة الحكومة وعدم منح الأحزاب المعارضة مساحة اعلامية تتناسب وحجم الحزب.
12- تصاعدت أعمال العنف بمرور الزمن منذ بداية العملية الانتخابية. وفي برنامج الطبعة الأولى قدم أحمد المسلماني قائمة باسعار قيام البلطجية ببعض الأعمال المتعلقة بالانتخابات مثل فض مؤتمر لمرشح، ضرب مرشح، فض المظاهرات ..وهلم جرا.
13- منع بعض مندوبي ووكلاء مرشحي الأخوان المسملين من دخول لجان الانتخابات بالرغم من حصولهم على تصاريح من اللجنة العليا للانتخابات.
14- تم ايقاف عملية الانتخابات في 16 لجنة انتخابات بحجة وقوع حوادث شغب فيها.
15- سقوط أسماء بعض الناخبين من كشف الانتخابات في بعض دوائر الانتخابات مع وجود أسماء بعض المتوفيين.
16- في أحد مراكز الانتخابات بدمياط اقتحم بعض الموالون لمرشح الحزب الوطني الحاكم وأضافوا بطاقات مزورة لصناديق الانتخابات في تواطؤ واضح مع رجال الأمن. عندها اقتحم الأخوان المسلمين المركز وحرقوا الصناديق.
17- لقد ذكر الأستاذ وائل الأبراشي (برنامج الحقيقة في Dream 2) في استضافة له في برنامج منى الشاذلي «العاشرة مساء» أن هنالك عداء سافرا للاعلام حيث لا يسمح للاعلام بعرض اي وقائع تثبت استخدام البلطجية وقفل الصناديق قبل الميعاد وتزوير الانتخابات ولذلك قرر أخذ اجازة من التلفزيون حتى لايضطر لتقديم الحقيقة ناقصة. وفي أحد الأيام الأخيرة تم الاعتداء على صحفية صورت مشهدا لأحد مرشحي الحزب الوطني الحاكم وهو يقدم رشوة مالية لأحد الناخبين.
18- وفي استضافة لأحد أعضاء حزب الجبهة الديمقراطية أوضح مقاطعة حزبه للانتخابات لعدم وجود ضمانات حقيقية لنزاهة وشفافية الانتخابات. حيث أن نظام ثورة يوليو نظام سلطوي يعتمد على الحزب الواحد والزعيم الواحد الذي امتدت رئاسته لثلاثة دورات. وان هذا النظام السياسي يسمح باستمرار رئاسة مبارك مدى الحياة. ولذلك فإن حزبهم يقاطع الانتخابات لانه متأكد من عدم نزاهتها. وأن الدخول في الانتخابات تعطي شرعية لنظام غير شرعي. وعندما سئل عن الضمانات التي يريدها قال:
* اشراف قضائي للانتخابات وليس اشراف أمن الدولة.
* السماح لرقابة منظمات المجتمع المدني المحلي والعالمي.
* عدم التضييق على أعضاء الحزب. ولقد ذكر أن أمن الدولة استدعى بعض أعضاء الحزب وسألهم لماذا انضموا للحزب لارهابهم.
* اعطاء فرص متكافئة للمرشحين.
* ضمان عدم التزوير و حصر الاصوات الموجودة في صندوق الانتخابات فقط.
زد على ذلك كانت السياسة الخارجية لمصر متناقضة تماما مع رأي وكرامة وعزة الشعب المصري فالدولة في واد و الشعب في واد آخر. فقد كان حسني مبارك رجل أمريكا الأول في الوطن العربي، فهو المروج الأول لسياساتها في الشرق الأوسط خاصة تلك التي تتطلب الخضوع والاستسلام لسياسات اسرائيل،
إلى ذلك اصبحت مصر عبد الناصر في عهد حسني مبارك والعياذ بالله تروج وتمهد الطريق لقبول السياسات والاملاآت الاسرائيلية.
ولأن كل الشعوب العربية تعاني من واحدة أو أكثر من المشاكل آنفة الذكر قد وجدت هذه الإنتفاضات ترحيبا ودعما معنويا من كل الشعوب المحبة للحرية والديمقراطية عامة والشعوب العربية خاصة التي تتطلع للحرية والديمقراطية والتقدم في بلدانها. إيمانا بأن النظام الديمقراطي هو سر تقدم دول الغرب. كما أن معظم الحكومات العربية ايدتها لاسباب مختلفة، فقد يكون السبب خوفا من شعوبها، أو لأن لها مشاكل وخلافات سياسية مع الدول التي انعدلت فيها هذه الانتفاضات أو لأنها لابد أن تظهر مساندتها لدول الغرب التي تدعي دعمها للديمقراطية في بلدان العالم الثالث.
نهج النضال السلمي
لقد اختارت كل الشعوب الثائرة نهج النضال السلمي ولكن وللأسف تصدت لها أجهزة أمن الدول الاستبدادية بالقمع المسلح الدموي. وفي كل الحالات بدأت الثورة في العاصمة وكانت مطالب الجماهير بعض الاصلاحات في النظام، ولكن نتيجة لمماطلة النظام ومحاولته لقمعها أولا بالعصى والهراوات والغاز المسيل للدموع وخراطيش المياه والبلطجية ثم بالطلقات البلاستيكية و أخيرا بالرصاص الحي كما هو الحال في مصر، توسعت الثورة وعمت بقية المدن وارتفع سقف المطالب لسقوط النظام. وفي مصر بدأ تنازل النظام تدريجيا وله نية مبيتة للالتفاف على الثورة أولا بإعلان أن الحزب الحاكم لا ينوي تقديم ابن الرئيس في انتخابات الرئاسة القادمة، ثم عدم نية الرئيس للنزول في الانتخابات بعد إنتهاء فترته الحالية، واخيرا أعلن النظام قبول فكرة تنحي الرئيس عن السلطة وتسليمها لأحد رجال الرئيس. عندها ارتفع سقف المطالب ليشمل فوق هذا وذاك رحول الرئيس ثم محاكمته مع رموز النظام. حدث هذا السيناريو في مصر وفي اليمن. وأخيرا قبلت ثورة الشباب في مصر بالحكومة التي شاركت في تشكيلها، ولكن مازالت الثورة مستمرة لتحقيق كل مطالبها. وبالأمس القريب بدأ التحقيق مع حسني مبارك كما دخل نجلاه جمال وعلاء ليمان طرة. كما تم ولأول مرة في تاريخ مصر الحديث تغيير عشرين محافظا. والثورة مستمرة فالمشوار بلا شك صعب وطويل لتقويض كل المؤسسات الرسمية والاقتصادية والاجتماعية لنظام استمر ما يقارب نصف قرن. والدرس المستفاد أنه كلما استمر النظام الاستبدادي في الحكم ترسخت أقدامه وتغلقل في كل مؤسسات الدولة. لذلك فإن اقتلاعه لا ينتهي بسقوط الحكومة والرموز فقط.
و في تونس شكلت إهانة شرطية نظام زين العابدين بن علي للشاب التونسي خريج الدراسات العليا الذي ارتضى بيع الخضار ليكسب قوت يومه، القصبة التي قسمت ظهر البعير، حيث أشعل النار في نفسه وما كان يدري أنه أشعلها في النظام الاستبدادي الخرب. وعامة في ظل النظم التعسفية سواء كانت شمولية أو ديمقراطية مزيفة تتحول الشرطة والأمن لأجهزة قمع واستبداد وتعسف لحماية النظم الفاسدة، وبذلك تكون سببا لتقويضه كما اتضح من تجربتي ثورة تونس و مصر رغم الفارق في السبب المباشر. والدرس يجب أن لا تسيس القوات النظامية عامة وتعمل لحفظ سلامة وأمن البلاد والشعب. و عموما كانت التجربة في تونس أسهل بكثير من تلك في مصر، حيث رحل الرئيس أسرع مما كان متوقعا، غير أن رجاله حاولوا البقاء على سدة الحكم، ولكن استمرت الثورة وشاركت في تغير الحكومة الأولى التي كان على رأسها أحد رجال بن على، وأصرت على حل الحزب الحاكم وتقديم أمينه العام للمحاكمة بتهمة الفساد. والثورة مستمرة لتحقيق أهدافها.
والثورة مشتعلة في كل مدن اليمن. وحاول نظام على عبد الله صالح الالتفاف عليها، ولكن هيهات فمازالت الثورة مستمرة بعد إن ارتفع سقف مطالبها لرحول النظام ومحاكمة رموزه، وبالطبع تعلمت كثيرا من ثورة شباب مصر.
وبالرغم من أن الشعب الليبي لا يعاني من الفقر الا أنه ربما عانى من الاستبداد و الإستعلاء والقهر من نظام القذافي وأبنائه. لذلك تتطلع المعارضة للحرية والديمقراطية الليبرالية كأساس للتقدم، حيث أن قدرات ليبيا أكثر بكثير مما تم تحقيقه. غير أن سيناريو ثورة ليبيا كان مختلفا عن ذلك في مصر. فالبرغم من أن البداية كانت سلمية، إلا أن انحياز بعض القوات النظامية إلى الثورة حولتها لثورة مسلحة بأسلحة ثقيلة. إن الحكومات العربية المعادية للرئيس معمر القذافي كثر، كما أن بعض دول الغرب لديها بعض الحسابات الكثيرة التي حان وقت تصفيتها مع القذافي، وذاد الطين بلة «ملاسنة» القذافي مع بعض رؤساء دول الخليج في بعض المؤتمرات العربية. ولم تساعد ما سمي بكتائب القذافي التي بدأت بقذف المدن التي تركزت فيها الثورة بالطائرات فقتلت الكثير من المدنيين الأبرياء. كل ذلك ضاعف من مساندة الشعوب للثورة الليبية. وتداعى أعداء القذافي وأجازوا أول قرار مزل ومخز في تاريخ الجامعة العربية وهي دعوة منظمة حلف شمال الأطلسي (NATO) لنشر غطاء جوي على سماء ليبيا بدعوى حماية المدنيين الأبرياء، وضرب قدرات معمر القذافي العسكرية، ويقال أن بعض الدول العربية التزمت بدفع فاتورة ضرب ليبيا. كما شاركت دولة قطر بارسال بعض الطائرات. فقط نسيت الجامعة العربية أن طائرات حلف شمال الاطلسي سوف تبيد بالضرورة بعض الليبين الأبرياء وتدمر البنيات التحتية لليبيا وقدرات ليبيا العسكرية. وبينما نجد الجيش الليبي مدربا ويستطيع حماية نفسه وعتاده، نجد أن السكان الأبرياء الذين يناصرون الرئيس القذافي لن يعرفوا حماية انفسهم وثانيا نسيت الجامعة العربية أن الغطاء الجوي لن يستطيع القضاء على نظام القذافي إلا باللجو للحل السياسي كما أوضح أمين منظمة حلف شمال الأطلسي. وبالأمس القريب اختتمت مجموعة الاتصال الدولية اجتماعها في الدوحة ومن ضمنها الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ودول الخليج، وأجمعت على ضرورة تنحية الرئيس القذافي كوسيلة لأي حل سياسي لأنه ونظامه فقدا الشرعية، بالضبط نفس الكلام الذي صرحت به كلينتون وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية في المؤتمر الصحفي بالبيت الأبيض. كما أجمعت على الاعتراف بالمجلس الانتقالي ممثلا شرعيا للتحاور، وتكليف حلف شمال الأطلسي بعمل كل مايلزم لمساعدته!!.وفي اجتماع وزراء خارجية حلف «الناتو» طالبت روسيا بايقاف الضربات الجوية على ليبيا لأنها تجاوزت التفويض الذي يمنحه القرار 1973 للناتو. وطالب باللجو للحل السلمي.
وبدأ تسونامي الديمقراطية الليبرالية يجتاح سوريا بدءً بمظاهرات درعا التي صرح النظام البعثي بشرعية مطالبها والسعي لحلها وفعلا تم تعديل الحكومة وخاطب الرئيس بشار الشعب السوري وقدم الكثير من الوعود ولكن يظهر إنها جاءت متأخرة. لأنه في يوم الجمعة 15 أبريل النتظت المظاهرات درعا وحمص وحلب وسويدا وغيرها وبدأت المطالبة باسقاط النظام. وتصدت لهم الشرطة ورجال الأمن بالغاز المسيل للدموع والهراوات والاعتقال ذات الوسائل التي لم تجد في الدول العربية الأخرى. ووصل التسونامي بدرجة أخف في العراق وبدأت المظاهرات والاعتصام في الموصل وطالبت الجماهير بسقوط النظام و رحيل القوات الأمريكية.
الاستقواء بمنظمة حلف شمال الأطلسي
إن الليبرالية لا تعني الاستعانة بالأجنبي، ولكن آلية النظام العالمي الجديد أو «الحكومة الخفية» التي نصبت نفسها راعية لشعوب العالم، تمكنت، عبر السنين، من إجازة بعض القرارات عبر الجمعية العمومية للامم المتحدة، التي تمنحها حق التدخل في شئون دول العالم الثالث الضعيفة بحجة حماية العالم من النظم السياسية التي تحدد هي عدم صلاحيتها لتمتلك أسلحة الدمار الشامل مثل ايران وكوريا الشمالية، أو الدفاع عن حقوق الإنسان أو حماية المدنيين الذين لا يحملون السلاح في حالة نشوب قتال بين الحكومة والمعارضة كما هو الحال في ليبيا حاليا. وأحيانا تتم فبركة الأسباب للتدخل في شئون الدول لتقويض النظام كما حدث في العراق. وكان قرار الجامعة العربية الفضيحة دعوة «الناتو» لضرب الشعب الليبي المناصر لرئيسه. كان الأجدر والأوفق أن تسعى الجامعة العربية بالشراكة مع مؤتمر العالم الإسلامي لخلق آلية لفض النزاع بالتفاوض والطرق الدبلوماسية أولا فإن لم تنجح هذه الطريقة بالقتال عملا بقوله تعالى في سورة الحجرات : «وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فإصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفىء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين* إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون*». ولكن ماذا فعلت الجامعة العربية؟ لجأت وبدون خجلة للأبناء الذين احتلوا واستعمروا أفريقيا والشرق الأوسط حلفاء اسرائيل، ما أسماه معمر «بالاستعمار الصليبي». عيب وعار كدة يا أمة الإسلام، هل مازلتم تأملون أن ينصركم اليهود والنصارى. قال عزّ من قائل:» ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي و لا نصير». نعم لابد من اتباع نهج الحكمة و الدبلوماسية للتعامل مع الغير، ولكن لدرجة دعوتهم لضرب المسلمين؟ قال تعالى:»أفتؤمنون ببعض الكتاب و تكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى اشد العذاب وما الله بغافل عما تفعلون». وهنا لابد من أن أحي الاتحاد الأفريقي الذي حاول على الأقل تقديم مبادرة صلح بعد مقابلة الطائفتين. أما كان من الأجدر أن تقوم بذلك أمة العرب وأمة الإسلام.
ثم ماذا عن السودان؟
كل المشاكل التي أدت لإندلاع الثورات موجودة في السودان وربما بعضها أشد. فنسبة الفقر حسب الإحصاء الرسمي الذي أعلنه مدير الإحصاء 46% وقد يكون أكثر. والبطالة حدث ولا حرج. وملف قضايا الفساد يحتوي على 300 (ثلثمائة) صفحة، وإلى الآن لم نسمع عن عرض ملف واحد في محكمة. وحجة فقه السترة ضحك على الدقون، وهي في قاموس الشعب السوداني عامة تعني جريمة التستر على الفساد. وهذا مما أكده حديث الأستاذ/ محمد الحسن الأمين القيادي النافذ بالمجلس الوطني للصحف حيث قال ما معناه يجب منح أجهزة الدولة المناط بها مهمة مكافحة الفساد صلاحية حسم ملفات الفساد، ويجب الإعلان عن قضايا الفساد وعدم التعتيم عليها. كما قال ان أجهزة الدولة التشريعية والتنفيذية تتبع في معالجة القضايا سياسة «الحلحلة بتحت تحت» (باب إليكم، السوداني 12 أبريل 2011). وكلنا يعلم أن الفساد شكل أحد الأسباب الرئيسية لتفجير الثورات الشعبية العربية. لذلك اقترحت في مقال سابق (الصحافة 26 فبراير 2011م) أن تؤول رئاسة مفوضية الفساد التي أعلنها الرئيس، ولم يعلن تكوينها إلى الآن، لرجل لا يخشى في الحق لومة لائم محايد و غير منحاز للحزب الحاكم.
أما هدر المال العام ففي كل فجر جديد نسمع بآلية مبتكرة لهدر المال العام. آخرها تلك التي فجرها الرئيس بنفسه وأطلق عليها مسمى «النهب المصلح باللوائح» في جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت في يوم 24 مارس عند مناقشة مقترح الدكتورة/ آمنة ضرار، وزيرة الدولة بالعمل، لتغيير سلطة منح الحوافز لتتم بموافقة وزير المالية. والأمر المدهش أن يبلغ حافز وكيل وزارة التعليم العام د. معتصم لتجهيزه امتحانات مرحلتي الأساس والثانوي 165000 (مائة خمسة وستون ألف) جنيه والذي لم ينفيه لصحيفة التيار (السوداني 13 أبريل 2011م) فهو مالم يخطر على بالي عندما كتبت مقالي «مهدرات المال العام» (الصحافة 26 فبراير 2011م). وهل سيادته جهز هذه الامتحانات لوحده أم جهزها المعلمون المغلوب على أمرهم. و للمقارنة والمفارقة ولعلم مجلس الوزراء مثلا تمنح جامعة الخرطوم حافزا وقدره 5000 (خمسة ألف) جنيه للأستاذ الذي يؤلف كتابا أو مرجعا باللغة العربية دعما لمسيرة التعريب التي انتظمت الجامعات القومية في التسعينيات لتؤول حقوق الطبع لجامعة الخرطوم مدى الحياة. و ميزانية كرسي اليونسكو لدراسات التصحر المجازة لشراء كل بنود فصل شراء السلع لهذا العام 2011م كله بلغت 180000(مائة وثمانون ألف) جنيه والتنفيذ الشهري بدأ ب 75% وقد يقل بمرور الزمن أو لايغطى في الشهور الأخيرة من العام. ولعلم الذين لايعرفون محتوى فصول الميزانيات يتضمن فصل شراء السلع الآتي: المطبوعات، الكيماويات والمواد المتشابهة، ومواد تدريب، ووقود العربات، و صيانة الأجهزة و المباني والعربات، والمؤتمرات، وتذاكر سفر الخطوط الجوية السودانية والمكافآت، والضيافة، ، والتأمين والترخيص وغيرها). وسؤالي لسعادة الوكيل هل كل المعلمين المنتشرين في ربوع السودان استلموا لا أقول حوافزهم ولكن أقول رواتبهم غير منقوصة. علما بأن ستة وستين من المعلمين والمعلمات العاملين في كنترول امتحانات الشهادة السودانية قرروا عدم الاستمرار في العمل دون التزام وزارة المالية بتسديد ما عليها من التزامات تجاههم، مما سيؤدي إلى تأخير الامتحانات (الصحافة 14 أبريل 2011م).
على الدولة أن تعي الدرس جيدا. ويجب أن لا يقرها هذا الهدوء الحذر وهشاشة بعض أحزاب المعارضة وتردد قياداتها. فالثورات الشعبية في زماننا هذا تتجاوز الأحزاب. فمن الذي كان يتوقع ثورة شباب مصر التي تجاوزت الأحزاب ورموزها، وثورة ليبيا وفيها الشعب لا ينقصه من متع الحياة المادية شيء فهو يعيش حياة رغدة خالية من الفقر والعطالة، ومن كان يتوقع مظاهرات البحرين وسوريا؟
على الدولة أن تتصدى لقضايا الشعب بجدية وحسم وكفاية وعود ثم وعود وأقول لسيادة نائب الرئيس أن وعوده الخيرة وحدها لا تكف. جميل جدا أن يحس الرئيس بقضايا الفساد، و «النهب المصلح باللوائح»، ولكن لابد أن يتبع هذا القول بالعمل الجاد. وفي هذا المنحى لابد أن يستمع لمقترحات الأستاذ/ محمد الحسن الأمين. ولابد من إطلاق سراح المعتقلين السياسيين أو محاكمتهم إن كانت لهم قضايا، وإنهاء حالة الطواريء، وتكوين لجنة قومية لوضع دستور جديد ودائم للسودان، ومراجعة لوائح الانتخابات لسد كل الثغرات التي أدت لإعادة الانتخابات في بعض الدوائر والاستفادة من تجاوزات انتخابات 2010م والاستفادة من التجربة المصرية في هذا الإطار. وإعادة تشكيل مفوضية الانتخابات من قضاة محايدين لا ينحازون لأي حزب. ولابد من إعادة تثقيف عضوية المؤتمر الوطني وتدريبهم على قبول الآخر وابعاد الذين يروجون لسحق المعارضة. لأنهم بذلك يدفعون الشباب للبلطجة وارتكاب الكبائر «قتل النفس التي حرم الله بغير حق». والبلطجة تولد البلطجة. لكل فعل رد فعل (قانون نيوتن). وليتدبروا قوله تعالى في سورة فصّلت: « ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم». وقوله تعالى:» أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ان ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين» والقرآن الكريم مليء بالسور التي تدعو للسلوك الحضاري القويم. كما لابد من معالجة التضخم الوزاري غير المبرر على المستوى الاتحادي والولائي. وقد صرح الرئيس ونائب الرئيس بعمل ذلك بعد الانفصال في 9 يوليو 2011م، ولكن سيواجه هذا الرأي بالمعارضة لأنه سيؤثر على مصالح المنتفعين من هذا التضخم الإداري. ومن الأفضل تقليص الوزارات والولايات وإعفاء وزراء الدولة وجيش المستشارين غير المبرر. كما اعجبني تصريح الرئيس ونائب الرئيس حول آلية التعين المؤسس على الكفاءة والمؤهل والخبرة وليس على الواسطة والمحسوبية والجهوية، ولكن العبرة بالعمل. وبالأمس سمعت أن ولاية كسلا اتبعت هذا النهج القويم في التعيين. ومنى عيني أن أعرف الخريجين الذين تمت دعوتهم للقاء والي الخرطوم قبل فترة قليلة، هل كل الخريجين من ابناء الشعب السوداني كله أو من المؤتمر الوطني فقط؟. أما هجرة الفين طبيب و نصفهم إخصائيون فهي أولا خسارة كبيرة للسودان وثانيا مؤشر لوجود خلل في علاقة وزارة الصحة مع الأطباء الأمر الذي لابد من معالجته لإيقاف هذه الهجرة.
وختاما من الأفضل أن تبدأ الدولة باصلاح النظام بوضع المعالجات الحاسمة للمشاكل التي ذكرتها وغيرها قبل أن يصل تسونامي الديمقراطية العاتي للسودان......


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.