لا يوجد في السودان قاطبة شارع يماثل هذا الشارع من ناحية الجدوى الاقتصادية، وتزداد أهمية هذا الشارع وجدواه باكتمال عمليات تعلية خزان الروصيرص، هذه التعلية لها مردود اقتصادي هائل، يفوق المردود الاقتصادي والتنموي لسد مروي بالنظر للاهتمام الرسمي والشعبي والاعلامي الذي وجده هذا الأخير، الذي فاقت تكلفة تمويله اضعاف تكلفة تمويل تعلية خزان الروصيرص التي ستسهم في الخزينة العامة بنسبة مقدرة، وستؤدي لاحداث نقلة نوعية في المنطقة والسودان عامة، وسيترتب عليها شق ترعتي كنانة والرهد، هذا المشروع الذي عولت عليه الانقاذ كثيراً في بداية عهدها، وشمرت الأيدي والسواعد المجردة لحفر هاتين الترعتين، في ملحمة تراجيدية تكشف عن قصر النظر وسوء التخطيط واستسهال الصعاب وتماهيها وتجسيدها في اطروحات سازجة، وبالرغم من فشل التجربة الذريع، إلا أنها أعطت مؤشراً لأهمية هذا المشروع الحيوي في المساهمة الفاعلة في الاقتصاد السوداني وقدرته على توسيع الرقعة الزراعية المروية، وصناعة السكر خاصة وما يتبع ذلك من حركة اقتصادية نشطة، وخلق فرص العمل لآلاف العمال والموظفين والمزارعين والكوادر الادارية المؤهلة، اضافة لذلك فان تعلية خزان الروصيرص ستؤدي لتنمية الثروة الحيوانية والسمكية الهائلة في المنطقة المحيطة بالخزان، والتي يمر هذا الشارع بالجزء الشمالي منها، وتمثل الطاقة الكهربائية الهدف الرئيسي من مشروع التعلية نظراً للاضافة الكبيرة التي ستدخل الشبكة القومية وستؤدي كذلك لانعاش حديقة الدندر وعودة الحيوانات التي هربت للدول المجاورة. هذه التعلية وبالمقارنة البسيطة بين جدوى تعلية خزان الروصيرص وتشييد سد مروي فان ربع الأموال التي صرفت في تشييد سد مروي كانت ستؤدي لانجاز مشروع التعلية، والفارق شاسع بين مردود الأولى ومردود الثانية حيث يقتصر مردود الأول على توليد الطاقة الكهربائية دون أن تتوافر له الاسهامات الكبيرة التي تترتب من الثاني، فسد مروي يقع في قلب الصحراء وتحيط به الجبال من جميع جوانبه ولا تسقط حوله الأمطار الأمر الذي يجعل المياه المخزنة في بحيرته عرضة للتبخر. وهذا ما لا يتوافر في بحيرة خزان الروصيرص التي يحيط بها الغطاء النباتي الكثيف وتتساقط حولها الأمطار الغزيرة مما يقلل نسبة الفاقد. فالمياه المتبخرة من بحيرة سد مروي كمية معتبرة كان أولى أن يتم تخزينها في بحيرة خزان الروصيرص، فالمشاريع في السودان لا تقوم على الجدوى الاقتصادية فقط وانما تحكمها عوامل الانتماء والقرب من صناع القرار، ويمثل البعد السياسي العامل الحاسم في تنفيذها، والأولويات الاقتصادية تأتي في مرحلة متأخرة من مراحل تقييم الجدوى الاقتصادية. وارتباط شارع سنجةالحواتةالقضارف بمشروع تعلية خزان الروصيرص ارتباطاً وثيقاً وباقترانه به سيؤدي للنهوض بهذه المنطقة التي تعتبر من أهم مناطق السودان. ويمر هذا الشارع بالجزء الجنوبي لمشروع السوكي الزراعي ويربط منطقة كساب وشرق سنار بالطريق القومي، هذه المنطقة التي توجد بها محالج الأقطان والتي كانت أول محالج يتم تشييدها في السودان والمنطقة نفسها توجد بها مؤشرات جيدة تؤكد وجود البترول والغاز الطبيعي، ويمر الشارع بمنطقة الدندر وتحديداً بالجزء الشمالي من حديقة الدندر، ويقطع الشارع منطقة الحواتة الغنية بالزراعة الآلية والخضر والفاكهة على ضفتي نهر الرهد والثروة الحيوانية والصمغ العربي ومناحل استخراج عسل النحل الأصلي والمنقة يوجد بها أكبر منتجع سياحي في ولاية القضارف (منتجع أم زبل) الذي يرتبط بالمثل الشعبي «كان الله قبل المبيت في ام زبل» كناية عن سحر وجمال هذه البقعة. ويعاني مواطنو الولاية كثيراً في الوصول لهذا المنتجع الساحر الذي يحيط به نهر الرهد من جميع جوانبه عدا عشرة أمتار تمر من خلالها وسائل النقل المختلفة، هذا المنتجع توجد به أشجار المهوقني الضخمة وأشجار السنط العملاقة واشجار الطلح والمانجو والباباي والليمون والجوافة والقشطة وغابات وأشجار اللبخ العملاقة التي تغطي مساحته تماماً، وعندما تدخله نهاراً تحسب ان الوقت ليلاً، ويعج بالقرود والأرانب والأوز والنعام والثعالب، وإلى وقت قريب ترتاده الغزلان والفهود، هذه البقعة الساحرة يمر بها هذا الشارع ويعاني مواطنو الولاية كثيراً في الوصول إليها في العطلات والاجازات الرسمية، كما ان منطقة قلع النحل تتوسط مسافة الشارع وهذه المنطقة تكتسب أهميتها من الاكتشافات الأخيرة التي أثبتت وجود الذهب في جبالها وأوديتها، وتنتج هذه المنطقة حالياً وبالوسائل البدائية والتعدين العشوائي حوالي 10 كيلو ذهباً يومياً. ولعل الذهب يمثل العامل الحاسم في تعويض الفاقد من بترول الجنوب، كما ان المنطقة غنية بالكروم والحديد والجير والجبص والنحاس والعناصر المعدنية التي تدخل في تصنيع البوهيات والأصباغ، ويسير هذا الشارع بمحازاة الخط الكهربائي القومي الناقل للكهرباء للجارة اثيوبيا، وأي عطل على هذا الخط في أيام الخريف سيؤدي لترتيب خسائر كبيرة وبداهة فان مثل هذا الخط يجب ان يتبعه طريق مسفلت لمعالجة الاعطال التي قد تحدث فيه حيث ان المنطقة التي يعبرها منطقة طينية لزجة تعتبر جزء من الحزام الطيني الافريقي العظيم، الذي يمتاز بجودة التربة وخصوبتها العالية، هذا الشارع ووفقاً لهذه العوامل التي تحيط به وتقريبه للمسافة بين غرب السودان ودولة الجنوب الوليدة ومدينة بورتسودان منفذ السودان الوحيد، لا يوجد على الاطلاق ما يوازيه أهمية وجدوى اقتصادية. فالشوارع تمر بالصحارى والمناطق التي لا تساهم في دعم الاقتصاد السوداني بأي مردود اقتصادي معتبر تنعم بالشوارع مثنى وثلاثة ورباع، وتتقاطع فيها وحولها. مثل هذا الشارع لا يجد إلا الاهمال والتجاهل فهل هناك ظلم أكثر من ذلك؟ هذا الشارع تم تضمينه ميزانية العام 2010م وتم طرحه في عطاءات عامة ورسا العطاء لإحدى الشركات، إلا ان هذه الشركة فوجئت بعدم وجود ميزانية للشارع من وزارة المالية. وللبحث عن الحقيقة ذهبت للهيئة القومية للطرق والجسور وقابلت المدير العام السيد/ علي آدم مستفسراً عن الخطوات التي تمت بشأن تنفيذه، فاحضر لي أحد المهندسين الذي علمت لاحقاً عدم تمتعه بأية صفة ادارية وأفادني هذا المهندس بأن دورهم ينحصر في طرح الطريق للعطاءات وتلقيها وتحديد الجهة التي يرسو عليها العطاء ولا سلطة لهم على وزارة المالية التي تحدد أولويات تشييد الطرق وفقاً لرؤاها الخاصة، وقد كانت هذه الاجابة تثير من التساؤلات أكثر مما تقدم من الاجابات، وأول هذه التساؤلات لماذا تم طرح الطريق لتلقي العطاءات ابتداء قبل أن تتوفر الميزانية اللازمة للشروع فيه؟ ولماذا يكون لزاماً على الجهة التي يرسو عليها العطاء الاتصال بوزارة المالية والبحث عن التمويل وهذا دور أصيل للهيئة القومية للطرق والجسور باعتبارها الجهة المالكة، فهي الجهة المنوط بها تنفيذ الطريق وازالة جميع العقبات التي تحول دون ذلك. وعند مواجهتي للسيد المدير العام بهذه الاسئلة نصحني باللجوء للجهد الشعبي للضغط على وزارة المالية لاتخاذ الخطوات العملية لتنفيذ واستعمل هذا التعبير باللغة الانجليزية «puplic hearing» واعتقد بأن هذه النصيحة غير مقنعة، فالأمر قد حسم بادراج الشارع في الميزانية العامة ولا معنى لاستعمال وسائل الضغط لاستيفاء الحقوق، وعلى وزارة المالية البحث عن تمويل لهذا الطريق الحيوي الهام اليوم قبل غدٍ.