طوال عقود مضت ظل المسرح من اهم ادوات تنوير الجماهير والمجتمعات من خلال الفرجة المسرحية التى تتناول هموم وقضايا الناس والظواهر الاجتماعية فى قوالب مختلفة، وظل المسرح السودانى منذ نشأته متقدما فى طرحه وتفاعله ومواكباً للحياة الاجتماعية والوطنية ،وكانت حقبة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى حافلة بنشاط مسرحى مكثف من حيث الكم والكيف من خلال المواسم المسرحية التى جعلت من أبي المسارح السودانية ( المسرح القومى بأم درمان ) واجهة مضيئة تضج خشبته بالعروض التى تجذب الجمهور الى مقاعده. وشهد الناس مسرحيات كبيرة ابدعتها كوكبة من الرواد والاجيال المتعاقبة وبعض تلك الاعمال المسرحية لايزال حاضراً فى ذاكرة الناس الى يومنا هذا، لكن ذلك الألق تراجع كثيراً فى السنوات التى خلت نتيجة لعوامل مختلفة بعضها متعلق بالجوانب الفنية المتعلقة بالانتاج المسرحى والتى القت بظلالها على تواصل نشاط الفرق والجماعات المسرحية التى تمارس هذا الفن فى اطار الهواية وليس الاحتراف فى ظل شح عائدات الشباك والتى لا تفى غالبا حتى بأجرة خشبة العرض ناهيك عن توفير مدخلات مادية للمبدعين الذين يقبضون على جمرة المسرح بدافع الحب والقناعة الذاتية بأهمية هذا الفن الجميل. وظل المسرح القومى هو المكان الوحيد للعرض فى ظل غياب رؤية استراتيجية لمؤسسات الدولة المعنية بأمر الثقافة والفنون والتى اكتفت بدور الرقيب ولم توفر الموارد اللازمة لانتاج مسرحى رسمى على مستوى المركز ناهيك عن الولايات، ثمة ضوء يلوح الآن فى نفق ازمة المسرح السودانى حيث بدأت الدولة فى الانتباه للعمل الثقافى والمسرحى على المستوى الاتحادى، وفى ولاية الخرطوم التى تتأهب الآن لتدشين الموسم الثقافى والذى نأمل ان يكون لنشاط مسرحى لا يتثاءب. والمفرح حقا فى فعاليات هذا الموسم هو تدشين مسرح خضر بشير وشرق النيل وامدرمان والطابية وتلك المسارح سوف تزيل اهم عقبة ظلت تواجه المسرحيين ألا وهي ايجار المسرح والذى نتوقع ان يكون مجانياً اورمزياً بالمسارح الثلاثة ،وبالطبع فان تلك المسارح سوف تحدث نقلة اجتماعية وثقافية بتلك المدن لو صاحبها تأسيس فرق مسرحية وانشطة فنية مختلفة تحظى باشراف ودعم الدولة ومنظمات المجتمع المدنى، وبدون ذلك سوف تستمر حالة الركود وتصبح تلك المسارح وغيرها مجرد واجهات معمارية ساكنة، لذا علينا الابتعاد عن فكرة المواسم والتظاهرات العابرة واعتماد أنشطة مستمرة ومتجددة طوال العام. [email protected]