(1) ٭ صدق حدسنا وتحليلنا بأن توجه (نداء السودان) للتوقيع على خارطة الطريق، بل كل مسار سياسي جديد يخالف توقعات بعض (الغلاة)، كما أسماهم الإمام الصادق المهدي، إنما يمثل اختبارا حقيقيا للإرادة السياسية وامتحانا للعزيمة واستقلالية القرار، وأكثر من ذلك الواقعية السياسية وحقائق المنطق. ٭ فقد بدأت تلك القوى السياسية ذات التوجه السياسي (النافر) من كل صيحة سلام أو دعوة للحوار في هجوم كاسح على حلفاء الأمس وأصدقاء الأمد الطويل واتهامات (مجلجلة) وإثارة (الزوابع) وزرع الألغام في طريق الحوار الوطني المعافي بشروط أو بدون شروط، وإنما من أجل إيقاف الحرب وانهاء معاناة المواطنين وبناء مسار سياسي جديد. (2) ٭ لقد ظلت بعض القوى السياسية ونخص منها هنا (الحزب الشيوعي السوداني وحزب البعث العربي الاشتراكي) تستظل تحت مآسي الحرب، وتتكسب سياسياً من معاناة المواطنين والنزوح والجراح والدمار، وتستدر العطف من بين صور تلك المعاناة والآلام، ولم يعد لها برنامج سياسي أو رؤية منهجية سوى دق طبول الحرب واشعال النيران وتفتيت النسيج الوطني والاجتماعي، ولذلك فإن أي توجه أو مسار يقود إلى تسوية سياسية وانهاء الحرب ومسبباتها، يصبح هدفا لرماحهم وسهامهم . (3) ٭ لقد استشعر قادة نداء السودان الآن ثقل خيار السلام، واضطروا لاستصدار بيانات فرادى وجماعات، ووصف الإمام الصادق دعاة رفض الحوار (بالغلاة) و(المتعنترون)، واضطر ياسر عرمان إلى دفاع طويل يحلل ويبرر، وتلقى جبريل ابراهيم هجوماً كاسحاً من داخل بيته وأسرته، وكل ذلك يكشف ان السلام يتطلب وعياً وقراءة موضوعية وصبراً، ويكشف مدى حالة الشحن السياسي والتعبئة ضد استقرار هذا الوطن وأمنه وسلامة أراضيه ومواطنيه، وكيف ان مجرد القبول بالتفاوض والحوار يمثل هاجساً للبعض وكل ذلك يستدعي مزيداً من الصبر على هذا الخيار دون النظر إلى المواقف (المتشنجة) والخيارات (الفطيرة). ٭ وفي المقابل فإن موقف نداء السودان جاء مضطرباً، وقدم كل قيادي تفسيرات لأسباب التوقيع تختلف عن الآخر، ونخص هنا (الصادق وعرمان وجبريل) ويمكن الرجوع لبياناتهم لنكتشف القدر من التناقض والذي ينم عن حالة من الالتباس والضبابية في المواقف. (4) ٭ إن القراءة السياسية الموضوعية تشير للآتي: – «إن الإمام الصادق المهدي تخوف من رد فعل المجتمع الدولي وخاصة أي إجراءات أو عقوبات تصدر ضده». – «وإن جبريل ابراهيم وياسر عرمان يعانيان من حساسية الوضع بدولة جنوب السودان، وانفراط عقد الأمن والتطورات السلبية على مواقفهما، بالإضافة إلى ثورة أبناء النوبة ضد عرمان وبيانات أصحاب المصلحة والأغلبية الصامتة، وضغوط قيادات من حركة العدل بعد استشعارهم الدخول في معركة بين أطراف جنوبية ودخولهم في معادلة سياسية خارجية. ٭ وأياً كانت الأسباب والمبررات، فإن الدخول إلى باحة السلام بروح تفاوضية واحساس عام بذلك أمر يستوجب الترحيب ويتطلب صبراً وعزيمة، بعيداً عن المناورات والمزايدات السياسية.