يرى الكاتب الإنجليزي، جون فريدمان، في كتابه الذي صدر في العام 1991، تحت عنوان (التمكين.. سياسة التنمية البديلة)، يرى فريدمان أن الفقير ليس هو من يبدو مظهره رثاً، وعمله كسولاً، ولا يجد مصدر رزق كافٍ، ولكنه شخص فقد عوامل (التمكين) التي تؤهله ليكون طاقة إنتاجية كبيرة وركيزة للتغيير. وتشهد تجارب كثير من دول العالم اهتماماً متزايداً، بما يمكن تسميته بفكرة (الإنتاج اللارسمي)، مثل مبيعات الباعة الجائلين، و(التشاشة) والفارشين على الأرصفة، وبائعي الساندوتشات و(اللقيمات) والتسالي، ولعب الأطفال، والمنقوشات والمصنوعات اليدوية، وما إلى ذلك، مما يدخل في خانة الحرفيين والأعمال والصناعات الصغيرة. وبالأمس، وعلى مدى ساعات، كنت حضوراً مع آخرين، لجلسة مجلس وزراء ولاية الخرطوم رقم 61 للعام 1102، والتي انعقدت برئاسة والي الولاية الدكتور عبد الرحمن الخضر بمباني هيئة تنمية الأعمال والصناعات الصغيرة، بالخرطوم بحري. وعلى مدى ساعات، كان الحديث يدور حول تنمية الصناعات والأعمال الصغيرة من خلال أدوار أُجملت في تاءات عشر (Ten tees) : تحريض، تشجيع، تشبيك، تنسيق، تدريب، تدعيم، تطوير، تجميع، تمويل، تسويق. وزاد المشاركون من خلال النقاش تاءات أُخر. ومن خلال ورقتين قدمتهما (تاء التأنيث) المشاركة في الاجتماع، ممثلة في الأستاذتين عفاف أحمد عبد الرحمن، وإشراقة سيد محمود، بدت لي الخرطوم، وكأنها تفتح ذراعيها من جديد ل (الطبقة الوسطى).. من خلال الاهتمام ب (البروليتاريا الرثة)، وتمكين صغار الحرفيين والباعة الجائلين ، وتشغيل الخريجين، وتعزيز مواعين الإنتاج اللارسمي، وتوسيع مظلة التمويل الأصغر، بابتداع ضمانات جديدة، وأفكار جديدة للتسويق، وأحلام جديدة للحياة. أحلام جديدة، تسمح للفتاة التي تغنت زماناً: (الرسول يا ود عمتي .. إن درت راحتي وجمتي.. رسل التسريح ألّجي..) أن تغني من جديد عشماً في (الّْمي في الحنفية جاري.. وطبيخنا في الحلة أم غطايي) وتوقاً ل (رأس سكر وتمنة شاي وكسوة للبنوت المعاي). ساعات ممتدة، في جلسة مجلس وزراء ولاية الخرطوم، أنبأتنا حَسَناً، وأحاطتنا بما لم نُحط به علماً: عن بصات قادمات لترحيل التلاميذ، وأفران خبز بسعة عالية لإنتاج الخبز، وتحسن ملموس في إمداد المياه والكهرباء، ومسارح جديدة، ومواعين ثقافة جديدة، وأغنيات جديدة، وأمسيات جديدة، وشراكات جديدة، تعيد الرجاءَ للنساءِ اليائساتِ، والوجه الطلق للرجال العابسين. ساعات ممتدة في جلسة مجلس وزراء ولاية الخرطوم، أكدت أن العزم قد انعقد لمطاردة الغبار والتكلس والفجاجة والمخادعة: داراً داراً، وبيتاً بيتا، وحارة حارة، وزنقة زنقة. خرطوم جديدة.. (تنقشع عنها الغيوم، وتعود فيها المياه إلى مجاريها، والرياح إلى مذاريها، والأصوات إلى حناجرها والضجيج إلى مناطقها الصناعية). خرطوم جديدة (ولو يذكر الزيتون غارسه لصار الزيت دمعاً).