المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    بيان هام من السفارة السودانية في تركيا للسودانيين    "بناء الدولة وفق الأسس العلمية".. كامل إدريس يدعو أساتذة الجامعات للاسهام في نهضة البلاد وتنميتها    مونديال الأندية.. فرصة مبابي الأخيرة في سباق الكرة الذهبية    نبيل عبد الله: قواتنا بالفرقة 14 مشاة صدّت هجومًا من متمردي الحركة الشعبية بمحطة الدشول    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    بلاغ بوجود قنبلة..طائرة سعودية تغيّر مسارها..ما التفاصيل؟    أكثر من 8 الاف طالب وطالبة يجلسون لامتحانات الشهادة الابتدائية بسنار    كيف تغلغلت إسرائيل في الداخل الإيراني ؟!    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    أردوغان: الهجوم الإسرائيلي على إيران له أهداف خبيثة    "خطوة برقو" تفجّر الأوضاع في دارفور    الصادق الرزيقي يكتب: الدعم السريع وشهية الحروب التي فُتحت في الإقليم    أنباء عن اغتيال ناظر في السودان    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    الترجي يسقط أمام فلامنغو في مونديال الأندية    فيكم من يحفظ (السر)؟    افتتاح المرحلة النهائية للدوري التأهيلي للممتاز عصر اليوم باستاد الدامر.    في السودان :كيف تتم حماية بلادنا من اختراق المخابرات الإسرائيلية للوسط الصحفي    من الجزيرة إلى كرب التوم..هل دخل الجنجويد مدينة أو قرية واستمرت فيها الحياة طبيعية؟    هيمنة العليقي على ملفات الهلال    الحرب الايرانية – الاسرائيلية: بعيدا عن التكتيات العسكرية    نشاط مكثف لرئيس الوزراء قبل تشكيل الحكومة المرتقبة    نقل أسلحة إسرائيلية ومسيرات أوكرانية الى افريقيا بمساعدة دولة عربية    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    شاهد بالصور والفيديو.. الفنان حسين الصادق ينزع "الطاقية" من رأس زميله "ود راوة" ويرتديها أثناء تقديم الأخير وصلة غنائية في حفل حاشد بالسعودية وساخرون: (إنصاف مدني النسخة الرجالية)    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    من حق إيران وأي دولة أخري أن تحصل علي قنبلة نووية    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    فجرًا.. السلطات في السودان تلقيّ القبض على34 متّهمًا بينهم نظاميين    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حمى البحث عن الذهب هل تقضي على المعايير البيئية في السودان (12)

تصاعدت فى السودان خلال العامين المنصرمين حمى التنقيب عن الذهب أو حمى البحث عن الذهب هوما اطلق عليها سابقا التهافت على الذهب. ويوصف او يعرف التهافت على الذهب بأنه إندفاع بشري إلى مكان وجود الذهب؛ حيث يجذب إكتشاف حقول الذهب عددًا كبيرا من المنقبين وأناسًا آخرين بسبب إرتفاع قيمته النقدية. وما يحدث الآن بالسودان ليس بجديد على العالم ولكن وأن كانت هذه الظاهرة قد حدثت في كثير من دول العالم، إلا أنها أخيراً نجحت في إحكام السيطرة عليها وأفلحت في تنظيمها وأدركت ما لها من محاسن وتجاوزت ما بها من مساوئ حتى إرتقت إلى مشارف الحضارة. وقديمًا كان لهجرات البحث عن ذلك المعدن الثمين تأثير كبير على كثير من دول العالم وتقدمها، فكان أول تهافت على الذهب شهده العالم في الولايات المتحدة حين تم اكتشافه في ولاية كاليفورنيا عام 1848م والتي تجمع فيها آنذاك سكان من جميع أنحاء العالم، وفي استراليا، وحين تم العثور على كمية كبيرة من الذهب في بالارات بفكتوريا تتضاعف عدد سكانها ثلاث مرات خلال تسع سنوات فقط؛ أما نيوزيلاندا فقد تضاعف عدد سكانها مرتين خلال ست سنوات حين تم اكتشاف الذهب في عام 1886م..عليه يطرح سؤال نفسه إلى ماذا ستقود تلك الظاهرة في السودان؟ والتى في رأيي سيكون لها عواقب جد وخيمة على البيئة إن لم نراعي المنهجية العلمية في التعامل معها.
النظرة التاريخية :
منذ أقدم العصور وعلى مر الحقب التاريخية إلى يومنا هذا، ظل الذهب ذو قيمة مرتفعة ، فهو من أهم وأوائل المعادن التي عرفها الإنسان، على الرغم من أن كثيرا من الدراسات رجحت أن إكتشافه كان عن طريق الصدفة، وبعد أن أدرك الانسان خواصه الفريدة لم يزل يطلبه ولا يتوانى عن البحث عنه في شتى بقاع الأرض مستسهلا لكل الصعاب من أجل الحصول عليه.. أيضًا فقد حُظي الذهب بمكانة خاصة عبر تاريخ الحضارات حيث كان امتلاك الذهب بلونه البراق وجماله الفريد علامة تدل على ثراء تلك الحضارات والأمم. وتأريخيا يرجع أكتشاف الذهب إلى عصر ما قبل الميلاد، فقد عثر علماء الآثار في منطقة ما بين النهرين (العراق حاليًا) على مصنوعات ذهبية ومجوهرات يرجع تاريخها إلى 3500 ق.م ؛ وكذلك عثر عليه في مقابر الفراعنة المصريين. وتشير بعض الدراسات إلى أن الذهب كان في عصور قديمة موجودًا في الأراضي والمناطق المحيطة بالبحر الأبيض المتوسط ، وعرفه قدماء اليونان واكتشفه سكان الهند والصين واستخدمه الرومان في ضرب العملات والزينة.
وفي العصور الوسطى لم ينقطع الأهتمام بالذهب، فقد أشارت إليه إكتشافات وبحوث عديدة أشهرها ما وجد بمقبرة السفن الأنجلو سكسونية والتي يرجع تأريخها إلى العام 650م . ونشير هنا الى أن كثيرا من علماء المسلمين في تلك الحقبة إنصب اهتمامهم على دراسة المعادن بما فيها الذهب وكيفية معرفته واستخلاصه، وكان أشهر أولئك العلماء أحمد بن يوسف التيفاشي صاحب كتاب (أزهارالأفكار في جواهر الأحجار) والرازي الذى خط كتابي (الجواهر والخواص) و(علل المعادن) وكذلك العالم عطارد بن محمد مؤلف كتاب (منافع الاحجار) والعالم العربي البيروني الذي ذكر العديد من طرق إستخلاص الذهب في كتابه ( الجماهر في معرفة الجواهر) ومازال بعض تلك الطرق تستخدم حتى الآن.
تاريخ الذهب في السودان:
من المرجح أن إكتشاف واستغلال الذهب في السودان بدأ منذ عدة قرون، ويرجع الفضل في ذلك إلى قدماء المصريين الذين جابوا الصحراء الشرقية لمصر بحثًا عنه، حيث كانت المنطقة الممتدة من صحراء مصر الشرقية وحتى منطقة دنقلا وأبو حمد في شمال السودان أغنى المناطق بالذهب وهي من المناطق التي إمتد إليها بحث الفراعنة، وفي تلك الحقبة التاريخية وضع قدماء المصريون أول خارطة تعدين عن الذهب في العالم وهي بردية منجم الفواخير المكتوبة باللغة الهيراطيقية التي يرجع تأريخها الى 1300 ق.م والمحفوظة الآن بمتحف تورينو بإيطاليا. وتؤكد بعض الأبحاث الحديثة أن مجموعة كبيرة من خامات ورواسب الذهب المكتشفة الآن في شمال السودان لم يغفل عنها قدماء المنقبون الذين استخلصوا منها المعدن الثمين. ويذكر المؤرخون أنه في تلك الحقبة وما قبلها كان بين السودان وشبه الجزيرة العربية رحلات قديمة عبر البحر الأحمر إزدهرت فيها تجارة الذهب والعاج والبخور وغيرها.
واشتهر السودان بوجود الذهب إبان الحكم التركي حيث انتشرت الإشاعات بوجوده بكميات كبيرة خصوصًا في منطقة النيل الأزرق (جبال بنى شنقول) الأمر الذي دعا محمد علي باشا حاكم مصر آنذاك لادراج هذا الهدف ضمن أهداف حملته التي أرسلها للسودان، وهنا ينبغي القول أن تلك الحملة ما كان القصد منها أولاً الحصول على الذهب بل للقضاء على بقية المماليك الذين لجأوا إلى بلاد النوبة فضلاً عن توسيع الدولة المصرية والسيطرة على منابع النيل. ومع ذلك فبعد إحتلال تلك الحملة للسودان طلب محمد علي باشا من قياصرة روسيا المساعدة في استغلال ذهب السودان، وأوفد لذلك مهندس مناجم روسي تحت حماية الجيش المصري إلى النيل الأزرق، ولكن نسبة للظروف الطبيعية القاسية لم يفلح ذلك المهندس إلا في إقامة منجم صغير وغادر بعدها السودان زيادة على أن فترة تلك الاحتلال لم تدم طويلاً ولم تتحقق أهداف تلك الحملة بما فيها الحصول على الذهب الذي طالما حلم المصريون بوجوده في السودان آنذاك. أما ما بعد تلك الفترة فلم يذكر عن السودان سوى بعض النشاط المحدود للتعدين العشوائي في مناطق متباعدة ما بين شمال السودان وشرقه حتى دخول الجيش الإنجليزي.
ومما يجدر ذكره أن المستعمر الإنجليزي لم يبد أنه إهتم كثيرًا بالتنقيب عن الذهب في السودان، كما أنه لم يهمل دراسة السودان جيولوجيًا. ويرجع ذلك أولاً إلى أن أهداف المستعمر كانت تشمل جملة من العناصر السياسية والإقتصادية والدينية والثقافية والسكانية. ثانياً والأهم فإن الدول الأوروبية وسعياُ لسد حاجة مصانعها من المواد الخام كانت تبحث عنها في كل أرجاء العالم، ويعتقد أن المستعمر كان ينظر إلى الإنتاج الأمثل للأرض ولذا كانت الفكرة أن يؤخذ الذهب من جنوب إفريقيا والموارد الزراعية من الشمال الأفريقي. .ولكن تلك الفترة شهدت بداية العمل المنظم في الجيولوجيا والتعدين، حيث انشئ لأول مرة المكتب الجيولوجي الحكومي في العام 1905م والذي تم تطويره إلى وحدة المساحة الجيولوجية ثم إلى مصلحة المساحة الجيولوجية في العام 1953م. وفي منتصف الثمانينيات تم ترقية هذه المصلحة إلى الهيئة العامة للابحاث الجيولوجية الحالية ومنذ ذلك الحين بدأت عمليات البحث المنظم عن المعادن والثروات الاخرى كالبترول والمياه الجوفية، وتستند الدراسات التي تقوم بها هذه الهيئة على طرق البحث الجيولوجي المختلفة وما يليها من أبحاث جيوفيزيائة وجيوكيميائية وغيرها، حيث قامت الهيئة بعمل مسوحات لمناطق متعددة لخامات الذهب لعمل تقييم أولي.
أما قطاع التعدين ككيان منفصل فقد بدأت الفكرة في سبتمبر 1975م عندما أنشئت المؤسسة السودانية للتعدين وكانت تتبع للمؤسسة العامة للإنتاج الصناعي ثم آلت تبعيتها فيما بعد الى وزارة الطاقة والتعدين، ومن اختصاصات تلك المؤسسة آنذاك العمل في استخراج وتصديرالخامات المعدنية وتصنيعها بالقدر الذي تسمح به الامكانيات الفنية والاقتصادية، وإجراء دراسات التسويق الخاصة بمنتجات المؤسسة من الخامات المعدنية ومشتقاتها والدخول في اتفاقيات بين الجهات الخارجية والمحلية، ومن اختصاصاتها ايضا تقديم الاستشارات الخاصة بالدراسات الارضية ومساعدة الشركات الخاصة الصغيرة لتسويق انتاجها من المعادن بغرض تنشيط الجهد التعديني وكذلك ملكية اسهم الدولة في المؤسسات العاملة في التعدين سواء كانت محلية ام عالمية؛ وكانت تلك المؤسسة تمتلك بعض الوحدات الانتاجية مثل مؤسسة مناجم الانقسنا التي تعمل في استخراج الكروم، محاجر الجبص بخور أيت ومناجم المايكا بالشريك. وفي السنوات الأخيرة ومع تنامي الاهتمام بصناعة التعدين فقد أنشأت وزارة المعادن بعد أن كان قطاع التعدين ينتمي إلى وزارة الطاقة والتعدين لسنوات عديدة. أما التعدين كدراسة متخصصة فلم تبدأ الا في العام 1992م حين اجيز افتتاح قسم التعدين بكلية الهندسة بجامعة الخرطوم على الرغم من ان تلك الفكرة كانت موضع الدراسة منذ السبعينيات وبعدها بأعوام قليلة تم انشاء قسم للتعدين بجامعة امدرمان الاسلامية وكانت فكرته دراسة معالجة الخامات المعدنية ليكون مكملا لنظيره بجامعة الخرطوم.
وقد شهد مطلع التسعينيات توسعاً كبيراً في مجال التنقيب عن الذهب وصار ينظر إليه كأحد المصادر التي سوف تسهم في زيادة الدخل القومي ودخلت مجموعة من شركات التعدين في هذا المجال. وبحسب الإحصاءات فإن إنتاج السودان من الذهب شهد تأرجحاً كبيرا؛ حيث بدأ بانتاجبة 982 كيلوجرام في العام 1991م وظلت الانتاجية في زيادة متواصلة حتى بلغت 5774 كيلوجرام في العام 2000م، لتتناقص الانتاجية حتى العام 2009م، حيث تدنت الانتاجية الى 1922كيلوجرام فقط، تلتها زيادة مضطردة في العامين الأخيرين. ومن أهم الاسباب لهذه القفزة، الكميات الكبيرة من الذهب التي يستخرجها الأهالي عن طريق عمليات التعدين العشوائي أو التقليدي بالبلاد. وتنتشر تلك المناطق في ولاية نهر النيل في محليات بربر و ابوحمد وسيدون وفي مناطق العبيدية، وادي الحمار، وادي الصنقير، وادي العشار، ام طرابيش، الشريك، النجيم، الكرو ومناطق اخرى. وفي ولاية البحر الاحمر في كل من هيا، قنب، دورديب، الاوليب وفي مناطق بهورة، وادي امور، قبقابا، تجنة، وادي الدربكان، بركاتيب وغيرها. وفي ولاية النيل الازرق في منطقة جام، باو، الكرمك، بني شنقول، جبل كربة وبلقوة وقيسان. وكذلك في ولاية جنوب كردفان بمحلية ابي جبيهة في كل من جبال الترتر، وكرة والجديد ابونوارة. أما في ولاية شمال كردفان فتوجد بعض المناطق مثل سودري، ابو زعيمة و بمحلية جبرة الشيخ. بالاضافة إلى منطقة ابى دليق بولاية الجزيرة ومحلية قلع النحل بولاية القضارف. وذكرت احدى الاحصائيات أن كمية الذهب المنتج بهذه الطريقة بلغ 18 طناً. وأن عدد العاملين فيه بلغ 2000 عامل ينتشرون في مواقع متعددة في الشمال والشرق والغرب وما زال هذا العدد في ازدياد مستمر. وحسب ما ورد في الندوة التي أقامتها أكاديمية الدراسات المالية والاقتصادية حول بدائل البترول بعد الانفصال أن إنتاج الذهب سيرتفع إلى 74طناً في السنوات القليلة القادمة، وستسهم شركات التعدين ب 14طناً بينما التعدين العشوائي سوف يوفر 60طناً من الذهب.
انواع خامات الذهب
ولالقاء الضوء على خامات الذهب المكتشفة حتى الان، فعموماَ في الطبيعة يتواجد الذهب في بيئات مختلفة حسب عوامل التكوين، ويقول علماء الجيولوجيا ان الذهب في الكرة الارضية عموماً قد ترسب من الغازات والسوائل المتصاعدة من اسفل سطح الارض وهذه الغازات والسوائل تتصاعد خلال تشققات في القشرة الارضية حيث يتمعدن الذهب في الصخور المكونة لهذه القشرة، وغالباً ما يكون مختلطاً مع معادن أخرى مثل الفضة والنحاس والرصاص.
وفي السودان يتمعدن الذهب في ثلاثة انواع من الصخور، أولها في الصخور الناتجة من تحول الصخور البركانية والرسوبية في شكل عروق الكوارتز أو المرو وهي صخور ترجع الى العصر الجيولوجي البروتوزي، ويتواجد هذا النوع من الخامات في شرق وشمال السودان، ويمكن تعدينه بالطرق التقليدية احياناَ. ثانيا يتواجد الذهب في الترسبات الغرينية او الرملية او ما يسمى بالذهب الرسوبي، وهنا يتواجد الذهب على شكل جسيمات كبيرة تسمى حبيبات الذهب او الشذرات وهي عبارة عن جسيمات الذهب التي جرفتها مياه السطح وحملتها بعيدا عن العرق المعدني واحياناً نجد بعض الشذرات ذات الحجم الكبير نسبياً، وهذا النوع هو الذي يقوم الاهالي بجمعه وتصفيتة من الصخور مستخدمين بعض وسائل الطحن والطرق التقليدية في تنقيته. ويحدث هذا في شمال السودان وعلى امتداد نهر النيل والنيل الازرق وكذلك في بعض الوديان بولاية البحر الاحمر وجبال النوبة، والنوع الثالث حيث يتمعدن الذهب في الصخور المسماه بالقوسان والحاوية على طبقات لنوع من الصخور تسمى السيليكابارايت الحاوية على الذهب وهو ما يوجد الان بمنطقة أرياب بجبال البحر الاحمر، ولا يمكن الحصول على الذهب هنا بالطرق التقليدية حيث لا يمكن رؤية حبيبات الذهب بالعين المجردة وفي احسن الحالات يكون تركيز الذهب 100 جرام في كل طن من الخام. وتم اكتشاف هذا النوع مؤخرا بجبال النوبة.
هذه الأنواع المتعددة من خامات ورواسب الذهب هي احدى الثروات المعدنية القومية وأحد الموارد البيئية ونعني بها كل ما تؤمنه الطبيعة من مخزونات طبيعية يستلزمها بقاء الإنسان أو يستخدمها لبناء حضارته، وتتراجع الموارد الطبيعية نتيجة الاستغلال المفرط والإهمال.
تعدين الذهب والبيئة
وحيث شهد وسيشهد تعدين هذه الخامات نشاط كثيف منظم وغيرمنظم كان لابد لنا أن نلتفت إلى بعض المبادئ والمفاهيم البيئية ومعايير السلامة. فمثل هذا النشاط البشري المتسارع قد يؤدي إلى نشوء عواقب كارثية ستلحق بلا شك بالبيئة.
عالمياً، يجمع علماء البيئة على أن التنوع والتوازن البيئي قد بدأ في التناقص والاختلال بسرعة مذهلة وأن أهم الاسباب المؤدية إلى ذلك الاختلال هوالإستغلال المفرط لموارد البيئة مما حدا بكثير من الدول التفكير في الحفاظ على موارد الأرض الطبيعية بكل ضروبها والتي في مقدمتها الثروات المعدنية. ومن هذا المنطلق فعلينا أن نضع نصب أعيننا معايير السلامة البيئية لكل المشاريع والانشطة إذا أردنا الاستمرار في العيش على ظهر هذه البسيطة. ومن هنا نشأ مبدأ حماية البيئة أو الحفاظ على البيئة من التدهور وظهرت على السطح وفي جميع أقطاب العالم كثيرمن المصطلحات والمفاهيم التي تحث على حماية البيئة بل ووصل الأمر إلى حد الالزام بإدخال تلك المفاهيم في القوانين والتشريعات الدولية والمحلية إلى أن وصلت طور المؤتمرات والمعاهدات الدولية. فعلى سبيل المثال فإن مفهوم « الإستدامة البيئية « والذي سيفصل لاحقا كان جزءاً من الغاية السابعة لمؤتمر قمة الامم للألفية الذي بدأ أعماله بنيويورك عام 2000م وكذلك مفهوم» التنمية المستدامة» الذي وضعه مؤتمر قمة الأرض في صدر أولوياته.
والسودان كقطر مميز في خارطة العالم هو أولى الدول لتبني مثل هذه المبادئ، فوضعه الجغرافي أكسبه تباين كبير مابين البيئة الصحراوية إلى البيئة الاستوائية وهذا بدوره أدى إلى ذلك التنوع الإحيائي الكبير، كذلك فإن مساحته الشاسعة جعلته يحتوي على كثير من الموارد الطبيعية من مياه وبترول ومعادن،بالإضافة الى أنه من البلاد النامية التي لاتزال معظم أراضيه بكراً.
إذن فمن المنطقي أنه حينما نتحدث عن إستغلال وتعدين الذهب في السودان أن نناقش جملة من النقاط وعلى صدرها المحافظة على هذه الثروة المعدنية، وهو ما يندرج تحت مفهوم الحفاظ على موارد الأرض الطبيعية، فالاستدرار المتواصل لمعدن الذهب بصورة دائمة وسريعة هو مصدر القلق، وذلك لأن معدن الذهب من المصادر الغير متجددة في البيئة أي ما يؤخذ منه فلن يعود، وإن عاد فسيكون في زمان لا يمكن أن ندركه أونتخيله. ويلزم هنا التوضيح بأننا حين ننادي بالحفاظ على هذا المعدن الثمين لا نعني بأن يترك الذهب مطموراً في باطن الارض او على سطحها فهذا لاينفع أحدا ، ولكن نعني سوء الاستخدام والاستنزاف والاسراف. وهذا ما يقودنا إلى الرجوع إلى مفهوم الاستدامة البيئية الذي ذكرته مسبقاً، والاستدامة البيئية هي ضمان الاستخدام المستدام أو المثالي للأراضي والغابات والطاقة والموارد المعدنية أي الاستفادة من هذا المعدن لأطول فترة زمنية ممكنة وحسب نواميس الطبيعة مما قد يمكننا الاستفادة منه لاجيال وليس لسنوات معدودة مع الحفاظ على الارض من التلف، ولا يتثنى ذلك إلا بالعقل المدبر الواعي والتخطيط السليم بحيث يتم استخراجه والاستفادة منه قدر الحاجة وعبر الطرق العلمية والهندسية التي تراعي مبادئ المحافظة على البيئة. أما مفهوم التنمية المستدامة فهي العملية التي بواسطتها يتحقق تأمين تنمية اقتصادية تفي باحتياجات الحاضر دون الاخلال بمتطلبات المستقبل لتمكين الاجيال المقبلة من استيفاء احتياجاتهم. ولا تتم الادارة البيئية السليمة في صناعة التعدين الا بالعمل على الحد من التلوث والتقليل من الاثر البيئي والتحكم الجيد في العمليات المصاحبة وتاهيل واستصلاح المناجم بعد انتهاء التعدين.
لا أحد ينكر أن صناعة تعدين الذهب، وإن كانت بطريقة منظمة، لها ما تحمله من آثار وأضرار على البيئة، وهو ما يسميه علماء البيئة المردود البيئي السلبي الذي يشمل تلف وتلوث البيئة. ولكن ينبغي أن ندرك أن تلك الاثار السالبة يمكن تفاديها او الحد منها لدرجة كبيرة إذا ما تمت عملية التعدين بطريقة منظمة عبر التخطيط السليم للمنجم والمبادئ العلمية والهندسية التي تراعي الحفاظ على البيئة وتتقيد بقوانين التعدين والبيئة على حد سواء. وهنا نضيف أن تلك الصناعة تتميز ببعض الاشياء، فهي من الصناعات الفريدة وذلك نسبة لما بها من مخاطر احيانا كما انها مشاريع تتطلب رأس مال كبير وتتطلب فترة ما قبل الانتاج زمن طويل قد يمتد لسنوات في احيان كثيرة وأنها تتعامل مع ثروة طبيعية غير متجددة.
أما عن تنامي ظاهرة التعدين العشوائي، فأريد القول بأن عملية التعدين ليست بالعملية السهلة، وإن حصل المنقبون على قليل أو كثير من الذهب فما يفقد دائماً يكون أعظم مما يحصل عليه، سواء كان من المعدن أو من ناحية التكلفة البيئية. وهي عملية صعبة ومعقدة وتتطلب الصبر الكبير والوقت وراس المال الكافيين كما انها تتطلب إشراك مجموعة من المتخصصين، فمثلا التنقيب في منطقة ما يتطلب الاستعانة بعلماء الآثار والجيولوجيا والمساحة والمناخ و غيرهم بالاضافة الى دراسة ديموغرافية المنطقة واشراك الاهالي. كما أن عملية التعدين لابد أن تسير بمراحل معينة بدءاً بالبحث عن مكان الخام عن طريق الاقمار الاصطناعية، والمسح الجوي والارضي، ثم الاستكشاف بعدة اجهزة وطرق واخيرا التحليل المعملي. وهنا نتساءل لماذا تلك العمليات المطولة والمعقدة؟ نعم، الوصول للجدوى الاقتصادية للمشروع. ثم ماذا بعد؟ حتى يتثنى تحديد الخام وامتداده تحديدا جيدا وتقييمه بصورة دقيقة تمكننا من الانتاج المستقر والمنظم لاقصى فترة ممكنة وأهم من ذلك عدم المساس بأي مكان لا جدوى من التعدين فيه، وعدم البحث والحفر هنا وهناك مما يهدر الوقت والجهد والمال ويدمر كثيرا من مصادر البيئة الاخرى. اذن فهي عملية بها مجموعة من التداخلات الهندسية والفنية والمعلوماتية التي تتداخل مع بعضها البعض.
* مهندس تعدين وناشط فى مجال البيئة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.