وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تقارير: القوات المتمردة تتأهب لهجوم في السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    د. مزمل أبو القاسم يكتب: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    مصر تنفي وجود تفاهمات مع إسرائيل حول اجتياح رفح    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    منتخبنا يواصل تحضيراته بقوة..تحدي مثير بين اللاعبين واكرم يكسب الرهان    حدد يوم الثامن من مايو المقبل آخر موعد…الإتحاد السوداني لكرة القدم يخاطب الإتحادات المحلية وأندية الممتاز لتحديد المشاركة في البطولة المختلطة للفئات السنية    المدير الإداري للمنتخب الأولمبي في إفادات مهمة… عبد الله جحا: معسكر جدة يمضي بصورة طيبة    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حمى البحث عن الذهب هل تقضي على المعايير البيئية في السودان (22)

تصاعدت فى السودان خلال العامين المنصرمين حمى التنقيب عن الذهب أو حمى البحث عن الذهب هوما اطلق عليها سابقا التهافت على الذهب. ويوصف او يعرف التهافت على الذهب بأنه إندفاع بشري إلى مكان وجود الذهب؛ حيث يجذب إكتشاف حقول الذهب عددًا كبيرا من المنقبين وأناسًا آخرين بسبب إرتفاع قيمته النقدية. وما يحدث الآن بالسودان ليس بجديد على العالم ولكن وأن كانت هذه الظاهرة قد حدثت في كثير من دول العالم، إلا أنها أخيراً نجحت في إحكام السيطرة عليها وأفلحت في تنظيمها وأدركت ما لها من محاسن وتجاوزت ما بها من مساوئ حتى إرتقت إلى مشارف الحضارة. وقديمًا كان لهجرات البحث عن ذلك المعدن الثمين تأثير كبير على كثير من دول العالم وتقدمها، فكان أول تهافت على الذهب شهده العالم في الولايات المتحدة حين تم اكتشافه في ولاية كاليفورنيا عام 1848م والتي تجمع فيها آنذاك سكان من جميع أنحاء العالم، وفي استراليا، وحين تم العثور على كمية كبيرة من الذهب في بالارات بفكتوريا تتضاعف عدد سكانها ثلاث مرات خلال تسع سنوات فقط؛ أما نيوزيلاندا فقد تضاعف عدد سكانها مرتين خلال ست سنوات حين تم اكتشاف الذهب في عام 1886م..عليه يطرح سؤال نفسه إلى ماذا ستقود تلك الظاهرة في السودان؟ والتى في رأيي سيكون لها عواقب جد وخيمة على البيئة إن لم نراعي المنهجية العلمية في التعامل معها.
الاثر البيئى لتعدين الذهب.. بين العشوائية والنظامية
إذا ما ألقينا نظرة على واقع الحال بالسودان نجد هؤلاء المنقبون بصورة عشوائية يتعرضون لظروف قاسية وللموت أحياناً. ولتلافي ذلك فإن المنجم السليم يعتمد قيامه على استشارة الجيولوجيين ومجموعة اخرى من المهندسين حول التنظيم واختيار المعدات والمرافق، وامداد التيار الكهربي والماء، والتهوية الصحيحة لازالة الغبار والغازات، وتحسين الكفاءة والأمان في المنجم، وانشاء وسائل السلامة وخدمات الطوارئ والاسعافات الأولية. إذن فمن البديهي ألا تترك هذه العملية تتم عشوائياً، لانها عملية تحتاج الى خبراء بالتقنية المنجمية وميكانيكا الصخور وعلوم طبقات الارض وعلوم المعادن والسلامة المهنية والمبادئ البيئية.
وللتعريف بالتعدين المنظم للذهب سأتناول بشئ من الايجاز الطرق المعروفة لاستخراج وتنقيته وأثرها على البيئة وكيفية الحد منها،حاضراً ومستقبلاً. وقبل الدخول في شرح ذلك أشير الى معلومة مبدئية وهي أن طريقة تعدين الذهب تختلف باختلاف طبيعة نوع المواد المترسبة اي التمعدن وكذلك حسب تموضع جسم الخام في الصخور الحاوية له. ومن أول الطرق المستخدمة في انتاج الذهب هي طريقة التعدين المكشوف او المناجم المكشوفة وفيها يتم الحصول على خام الذهب من الكتل الضخمة الكثيفة التي تقع بالقرب من سطح الارض ولذا يجب ان يرفع الغطاء الصخري اولاً وهي طبقة الصخور والمواد الاخرى التي تغطي الراسب ثم تستخدم المتفجرات لتكسير الكتل الضخمة من الصخورالصلبة الحاوية للخام وبعدها يتم استخراجه عبرسلسلة من الطبقات الافقية تسمى المصاطب. وهي الطريقة المعمول بها في مناجم ارياب بشرق السودان. اما الطريقة الثانية فهي التعدين تحت الارض او المناجم التحت ارضية وهذه الطريقة وان لم تستخدم حتى الان بصورة مكتملة لاستخراج الذهب، فلابد من ذكرها لانها قد تستخدم في المستقبل لاستخراج بعض خامات الذهب، وتتمثل هذه الطريقة بعمل بئررأسي عميق والذي يسمى فتحة المنجم، وممرر افقي او مائل والذي يسمى الدهليز ويحفر من هذين الممرين شبكة من الممرات الافقية التي تسمى مناسيب التشغيل يتم عبرها استخراج ونقل الخام.
وعلى الرغم من ان صناعة تعدين الذهب هي احد المرتكزات الهامة المعول عليها لدفع عجلة التنمية بالبلاد بل والمؤثرة في اقتصاد كثير من الدول، الا انها تشكل احد مصادرالنفايات الخطرة على البيئة ولهذا نجد ان هناك العديد من العوامل والتحديات والقوانين المحلية والدولية التي تحكمها وتنظمها. فلأي مشروع او منجم لاستخراج الذهب فإن العامل الاقتصادي للاثر البيئي هو في غاية الاهمية ذلك لان معالجة المشاكل البيئية الناجمة قد تكون باهظة التكاليف اضافة الى الاثار المباشرة والغير مباشرة على صحة الانسان التي قد تستدعي علاج العاملين والمواطنين المتأثرين بالتلوث مثلاً.وعليه فإن تلك الهجمة للحصول على المعدن الاصفر في السودان ستعرض حتماً البيئة إلى تغيرات وضغوط كثيرة، ويشمل ذلك كل الكائنات الحية والتربة والماء والهواء والذي نطلق عليه النظام البيئي أو الأيكولوجي، فالتأثير المباشر على الكائنات الحية حال استخدام طريقة المناجم المكشوفة، والتي تتطلب مساحات شاسعة، يتمثل في إزالة الطبقة السطحية للارض وبالتالي الازالة الكاملة لكل الغطاء النباتي واحيانا يتطلب الامر تغيير نظام مجاري المياه الطبيعية والتأثير على النبات يقود بدوره الى التأثير على كل الكائنات الحية او التنوع الاحيائي مما قد يدفع بتلك الكائنات إلى بيئات اخرى قد لا تكون ملائمة وانقراضها، ويزداد التنافس من اجل البقاء في مناطق اخرى مجاورة. كما أن هناك عوامل اخرى فمثلا استخدام الآليات الضخمة والتفجير في بعض المناجم والمحاجر في السودان ادى الى هروب مجموعة من الحيوانات البرية الى بيئات اخرى. وفي كلتا طريقتي التعدين، مكشوفة وتحت ارضية بالاضافة الى اعمال الطرق يتم ردم نفايات الصخور في اماكن اخرى الامر الذي يزيد من مساحة الارض المستغلة للتعدين وإتلاف بيئة اخري غير التي تتم فيها اعمال الحفر. وإذا كانت المنطقة المصرح بها للتعدين بها بعض القبائل القاطنة فإن الاثر السلبي على الانسان يكمن في التأثير على النشاط الزراعي والرعوي لانسان تلك المناطق واحيانا الإخلال بالنسيج الاجتماعي اضافة الى صدامات قد تنشب مابين السكان الاصليين وشركات التعدين وهذا يشكل احد تحديات صناعة التعدين والذي يطلق عليه العامل الاجتماعي السياسي وهو حق المجتمع المحلي في رفض اي انشطة تنقيبية او صناعية تقع داخل نطاقه العمراني ومحيطه القروي او المدني مما يستوجب ايجاد حلول مجزية للاهالي تشمل ايجاد مناطق بديلة وتوفيرالخدمات والانشطة اللازمة وغيره.
ومن العوامل الاخرى والمهمة التي ستشكل عبئاً على البيئة، التلوث بأنواعه فتلوث الهواء ينتج عموما من اعمال الحفر والتحميل والنقل وأعمال الطرق والكسارات والطواحين وغيرها من العمليات المصاحبة وهذا النوع منا لتلوث قد يكون مباشرا كالتأثير على الانسان والنبات والحيوان او غير مباشر كالتأثير على المناخ. ويحدث تلوث المياه عند التخلص الغير سليم من نفايات الضخور والمياه خصوصا في المناجم تحت الارضية. أما تلوث التربة فيكون دائما بسبب تلوث الهواء والمياه والذان يقومان بتغيير خصائص التربة الى الحمضية او القلوية والذي بدوره يؤثر على النبات والانتاج الزراعي. وتزيد عمليات التعدين من التلوث السمعي أو الضوضائي الذي يؤثر على قوة السمع للانسان خصوصا العاملين داخل المناجم والمواقع القريبة لان معظم المناجم تستخدم الماكينات والمعدات الثقيلة والعملاقة في بعض المواقع وكذلك المولدات وماكينات الهواء المضغوط.
أما وسائل التعدين التقليدي أو العشوائي ورغم انها موجودة كظاهرة قديمة وفي دول متعددة منذ وقت مبكر وحديثاً بالسودان فهي لا يندرج تحت طرق التعدين المعروفة لان استخراج الذهب هنا يتم بطرق كيفما كانت، وبمعدات تقليدية ولا تستند على دراسات علمية وهندسية ولا تتقيد بالقوانين الدولية والمحلية ولا تلتزم بالمعايير البيئية والصحية ولا السلامة المهنية. وهذا النشاط له الكثير من المخاطر والسلبيات تمتد إلى عدة قطاعات سياسية واجتماعية واقتصادية وقانونية وغيرها، ولكن فقط اريد التحدث عن خطورة التعدين العشوائي على صناعة التعدين نفسها؛ فتأثيرها على صناعة التعدين او ما نسميه التعدين القانوني او المنظم يتمثل في عدة نقاط ابرزها تشويه طبيعة المنطقة وافساد معالمها وتضاريسها والذي بدوره تصعب عمليات وضع الخرائط الكنتورية للمنطقة. وكذلك حفر الابار للتعدين وتركها وبمرور الوقت قد تمتلئ بنوع آخر من الضخور كالتربة الرملية او تنهار فيؤثر هذا على عملية وضع الخرائط الجيولوجية الامر الذي سيعقد عمليات الاستكشاف والتحليل المعملي فيما بعد؛ ومن اكبر اخطار هذه الظاهرة على التعدين العلمي هو الاهتمام فقط بالذهب واهدار المعادن المصاحبة او الصخور الاقتصادية الحاوية له، وهذا من الاهمية بمكان وكمثال على ذلك نجد ان 40% من الذهب المنتج بالولايات المتحدة يكون كناتج ثانوي لمعادن اخرى. وكتأثير اخر عدم استقرار عمل شركات التعدين التي تشكو من تعدي المنقبون على مواقع الامتياز الخاصة بها مما يعرقل عمليات الاستكشاف والاستخراج هذا فضلا عن سعر الذهب الذي قد يشهد فارقا كبيرا داخل المنطقة نفسها. وعليه فعندما نقلل من تلك الاخطار على صناعة التعدين نكون قد قللنا من الاثار البيئية بصورة غير مباشرة ذلك لان مناجم التعدين المنظم من قبل الشركات يمكن حصرها ومراقبتها والزامها بالقوانين. والاثار البيئية المباشرة للتعدين العشوائي للذهب نلخصها فى الاتى.. اولها اهدار للموارد البشرية، فالظروف القاسية التى يعيشها المنقبون وتعرضهم للبرد الشديد احيانا ولدرجات الحرارة العالية وقلة مياه الشرب والطعام ،اضافة للقلق والخوف وغيرها تنهك العنصر البشري، اضافة الى الحوادث التي تنجم من انهيار الابار والانفاق والتعرض للكائنات السامة التي تفقد البعض حياتهم. وهذه الظاهرة ايضا هي اهدار لاحد الموارد الغير متجددة ويحدث هذا من التقييم الغير سليم للخامات والكميات المستخرجة. كما ان هناك الكثير من الاضرار المباشرة على البيئة والصحة والتي تتداخل مع بعضها فمثلا ساعدت تلك الظاهرة على هجرة اعداد كبيرة من الناس مما ادى الى تكوين تجمعات تفتقد الى المياه الصحية والخدمات الضرورية وتجمع المخلفات الامر الذي ادى الى ظهوربعض الامراض والاوبئة في تلك التجمعات ومن الممكن ان تصل الى المناطق المجاورة، وقد تسهم تلك الهجرات في صدامات قد تنشأ بين المنقبين او مع اهالي المناطقة الاصليين واحيانا يمتد الصدام الى الجهات الحكومية الرسمية. ويساهم التعدين العشوائي بدرجة كبيرة في الاخلال بالبيئة المحلية من خلال تدمير وتعرية التربة وإتلاف الغطاء النباتي والصرف الطبيعي مما يؤثرسلبا على الحيوانات الاليفة والبرية على حد سواء. كما يسهم التنقيب العشوائي في توقف الانشطة البشرية الاخرى نتيجة هجر المواطنين لتلك الانشطة مثل الزراعة والرعي بل وحتى التعليم.. واخيرا ومن اكبر مساوئ التعدين العشوائى هو عدم اتباع المعايير البيئية والسلامة وانعدام مراكز الطوارئ والاسعافات.
يتفاوت معدل الاضرار البيئية الناتجة من التعدين من بيئة الى اخرى فهي ذات معدلات اقل في البيئات الصحراوية الجافة الغير مأهولة بالسكان مثل شمال السودان وبعض مناطق الشرق ويرتفع معدل خطورته في البيئات الرطبة ذات الانشطة البشرية المتعددة مثل المناطق المنتشرة على طول نهر النيل وغرب السودان ومناطق النيل الازرق والتي بدأ وسيبدأ فيها نشاط تعديني كبير للذهب.
معالجة خام الذهب ..اثار مثبتة بيئيا
ومن الاثار والاضرار المباشرة على البيئة وصحة الانسان هي تلك التي تنجم عن معالجة خامات الذهب واستخلاصه، وكان بروز بعض الاضرار الواضحة بمثابة المهماز الذي ايقظ عقول كثير من المهتمين بالبيئة وصحة الانسان في السودان في الشهور الماضية، وهو ما جعل بعض الاهالي يجأرون بالشكوى جراء عمليات تعدين الذهب منظم كان ام عشوائي. وساتناول هنا بشئ من التبسيط اهم طريقتين لاستخلاص ومعالجة خامات الذهب.
الطريقة الاولى هي معالجة خام الذهب بسيانيد الصوديوم، وتبدأ عملية المعالجة بتكسير الخام الى احجام صغيرة ثم تطحن وبعدها يصب الخام المطحون في خلاط ويضاف اليه الاسمنت ومحلول السيانيد ليتشكل الخام على هيئة كرات صغيرة وتسمى هذه مرحلة التكوير، ثم يكوم الخام على مشمعات بلاستيكية سميكة غيرنافذة للماء وترش تلك الاكوام بمحلول السيانيد الذي يتغلغل بين حبيبات الخام حيث يذوب الذهب في المحلول، ويتم جمع هذا المحلول عبر انابيب تصمم اسفل الاكوام. يمرر بعدها المحلول الحاوي على الذهب المذاب عبر اعمدة كهربائية فيشكل انابيب تحتوي على الكربون المنشط الذي يترسب عليه الذهب وعن طريق وبواسطة خليط من محلول الصودا والسيانيد يمكن اذابتها مرة ثانية، وأخيرا يتم استخلاص الذهب عن طريق التحليل الكهربي.
هذه الطريقة من اكثر الطرق شيوعا نظرا لكلفتها المنخفضة وارتفاع فعاليتها حيث يتم استخلاص اكثر من %95 من الذهب الموجود في الخام. وكانت شركة ارياب في شرق السودان هي الوحيدة التي تستخدم هذه الطريقة ثم بدأت شركات اخرى بالعمل بهذه التقنية في الشمال. وتكمن خطوره هذه العملية في استخدام مركب سيانيد الصوديوم، وهو مادة سامة والمركب في شكله الصلب يكون على هيئة حبيبات صغيرة بيضاء حيث يؤدي ابتلاع حبة صغيرة اصغر من حبة الارز الى الموت الفوري لاي كائن، والحد الاقصى المسموح به في مياه الشرب هو 0.05 ملجرام/لتر.وهو سام جدا للكائنات المائية. وعليه يجب ان تتم هذه الطريقة بإحكام واحتراز مع الاخذ بكل اجراءات السلامة واشخاص ذوي خبرة وكفاءة عاليتين.
يحدث تأثير هذه الطريقة على البيئة عندما تتسرب كميات من المحلول عبر الثقوب التي قد تنشأ اسفل الخامات المعالجة والتى تتسرب بدورها إلى المياه الجوفية، وللحد من هذا التسرب لابد أن تنشأ أرضية الاكوام المعالجة بواسطة مهندسي المساحة ويتم تسوية الارض جيداً. وكذلك تؤثر هذه الطريقة على البيئة عندما تترك ملايين الاطنان من التراب الملوث بهذا المحلول في اماكن الاستخراج وقد تظل لمئات السنين وتقوم الرياح بنقل حبيبات الحصى الملوثة الى مئات الكيلومترات وتتسبب في تلوث المياه السطحية والجوفية والتربة. لذا يجب مراعاة التخلص السليم لهذا التراب الملوث أثناء وبعد قفل المنجم والاهتمام بالمركبات الكيميائية الاخرى المصاحبة لهذه العملية والمعدات المهجورة والاوساخ. أما تأثيره على الصحة العامة فإن التعرض المطول لهذا المحلول ولو بتركيز منخفض يؤدي الى الام حادة ودائمة في الرأس ونمو غير عادي في الغدة الدرقية وتهيج في الاعين والجهاز التنفسي والدوخة وفقدان الشهية.
أما الطريقة الثانية والتي تشكل الآن تحدي كبير ومهدد حقيقي لصحة الانسان والبيئة نسبة لانتشار استخدامها عن طريق الاهالي في مناطق التنقيب العشوائى وبدأت اثارها واضحة للعيان. وتبدأ هذه الطريقة كسابقتها بتكسير الخام ثم طحنه ويحمل هذا المسحوق بمحلول ويمرر على ألواح مغطاة بالزئبق وأثناء مرور السائل يتحد الزئبق مع فلز الذهب مكوناً ما يسمى بالملغم ويسخن هذا الاخير حيث تتسبب حرارة التسخين في تفكك الزئبق وانفصاله عن الملغم في صورة غازية ثم يجمع ويكثف لاعادة استخدامه مرات عديدة، وبعد انفصال الزئبق يتخلف فلز الذهب في شكل اسفنجي. وتوجد بعض الاجهزة الصغيرة التي يستخدمها المعدنون منذ زمن طويل ولكن الخطورة تكون عادة في تسرب كمية من ابخرة الزئبق في الهواء او حين يسخن الخليط في اوعية مفتوحة، وقد ثبت أنه عند إنتاج 1 جرام من الذهب بهذه الكيفية فإن 1.5 جرام من الزئبق يتبخر في الهواء. وهذا الطريقة قليلة الاستخدام لعدم كفاءتها حيث تمر كمية كبيرة من الخام دون استخلاص الذهب منها. وفى السنوات الثلاث الاخيرة انتشر استخدام الزئبق في مناطق التعدين العشوائي مما تسبب في مخاطر عديدة على البيئة وصحة الانسان سواء داخل منطقة التنقيب او خارجها. ومن المعروف ان الزئبق من المواد عالية السمية للثدييات، ونظرا لانه يتبخر في الهواء عند درجة الحرارة العادية كما يتبخر الماء فان اقصى نسبة تسمح بها الهيئات الصحية لتركيز الزئبق في الهواء 0.05 ملجرام/متر مكعب من الهواء وفي الماء لايتعدى 0.03 ملجرام/لتر. والاكثر عرضة للمخاطر المباشرة للزئبق هم الذين يعملون في استخلاص الذهب والناطق القريبة، فالتعرض لابخرة الزئبق لفترات وجيزة وبتركيز بسيط يؤدي الى حدوث التهابات الفم واللثة وفقدان الاسنان اما التعرض لفترات طويلة فيؤدي إلى حدوث اضطرابات وعقلية وحالة اشبه بالارتجاج في المخ وذلك لان الزئبق يتراكم في الدماغ ويتسبب في تدمير الجهاز العصبي. ويمثل الزئبق اكبر ملوث لمياه الانهار والمحيطات لان الزئبق المتبخر يمكن ان يحمله الهواء الى مسافات بعيدة جدا وفي النهاية يترسب في البحار والبحيرات حيث تمتص اجسام الاسماك هذا المعدن ويتخزن في جسمها. وعادة ما يصل الزئبق للانسان البعيد من مواقع استخلاص الذهب عن طريق الابخرة والطعام الملوث سواء كان اسماكاً او خضروات او فاكهة. وعليه فإن الحد من استخدام الزئبق يتطلب بعض التدابير العاجلة من قبل الجهات السياسية والصناعية والافراد، ويمكن الإستفادة من بعض الخيارات الطوعية التي تبناها برنامج الأمم المتحدة للبيئة في هذا الشأن، وتتمثل في إيجاد حلول تكنولوجية كأن يتم إستخلاص بخار الزئبق في دكاكين الذهب، أن تستخدم الأنابيق في التعدين وأن تستخدم أحواض الغسيل الخالية من الزئبق وتشمل الحلول أيضاً آليات السوق كارتفاع أسعار الزئبق وانخفاض اسعار الذهب، إضافة إلى بعض الحلول الاخرى كتفديم إئتمانات صغيرة للتكنولوجيا النظيفة والتعليم أو التوعية بمخاطر الزئبق والمساعدة في التحول إلى سبل عيش أخرى بدلا عن التعدين العشوائي.
التعدين يجب ان لايغفل حماية البيئة
بالرغم من كل ذلك وكما سبق وذكرت فإن التنمية لا تتعارض مع الحفاظ على البيئة، وبما أن صناعة التعدين عموما أضحت من الصناعات التي لا غنى عنها لأى دولة تنشد التقدم والتطور والتطلع الى مصاف الدول الصناعية الكبرى لأنه الدعامة التي تقوم عليها كل الصناعات الاخرى، وفيما يخص معدن الذهب ونظرا الى تشجيع الدولة للاستثمار في هذا المجال والارتفاع الملحوظ لاسعاره عالميا في الاعوام القليلة الماضية فهذا قد يكون له مؤشرات ايجابية لمستقبل التعدين عامة والذهب خاصة، وتتمثل النظرة الايجابية في عدة محاور؛ فجذب الاستثمار الاجنبي يساعد في مسح وتطوير الموارد المعدنية وادخال التكنولوجيا الحديثة والكفاءة والخبرات التي ستضيف الى الخبرات المحلية المزيد، وقد يقود الى التعاون أوالاستثمار المشترك وخروج شركات تعدين محلية للاستثمار بدول اخرى بعد اكتساب الخبرة الكافية طبقا للمعايير الدولية. وقيام مشاريع التعدين يساهم في إنعاش كثير من المجالات الاخرى مثل قيام مراكز الاستشارات الفنية والهندسية والبيئية، وقيام شركات البحث والحفر وأعمال الطرق والانشاءات، وقيام شركات بيع وايجار المعدات والاليات المستخدمة في ااتعدين والنقل، وقيام الشركات المتخصصة في معدات الامن والسلامة، وشركات تصميم المواقع الالكترونية وغيرها من المجالات الخدمية الاخرى مثل المتخصصة في تصميم شبكات الكهرباء والماء الداخلية وشبكات تبادل المعلومات. وقد يسهم التعدين المنظم في قيام ما يسمى بمدن المناجم والتي تنشأ بالقرب من مواقع المناجم الكبيرة وتزود الشركة العاملة بالعمالة المطلوبة وتسهم الشركة العاملة والدولة في بناء وتخطيط تلك المدن وتزويدها بكل الخدمات والمنشآت الصحية والتعليمية والمراكز البحثية، ويحدث فيها انتعاش اجتماعي يساعد خطط الدولة التنموية.
ولكن... لا يتسنى ذلك إلا بالعمل المشترك والمتواصل والتبادل الدقيق للمعلومات بين كل الجهات ذات الصلة، وترك العمل للشركات الكبرى ذات المعايير والمواصفات المتعارف عليها دوليا واقليميا ومحليا، والتعامل مع تلك الشركات بحزم فيما يخص التقيد بكل القوانين واحترامها، ولنعلم أن للتعدين قوانينه التي يجب متابعتها وللبيئة معاييرها التي تسمح لنا بالتنمية. وإذا ألقينا نظرة على بعض القوانين وبعض النقاط التي تهمنا في هذا الشأن نجد مثلاً في الفصل الرابع من قانون تنمية الثروة المعدنية والتعدين لسنة 2007م وفي المادة 21 الفقرة 1- ز أن من اختصاصات لجنة المعادن التي نص عليها القانون هي (متابعة تقيد اصحاب التراخيص بالضوابط الخاصة باستخدام ومتابعة التدريب والتقيد بتأمين المعدات والاليات والعاملين والاخذ بإجراءات السلامة بالمناجم ضد المخاطر المختلفة بمثل ما هو معهود في اعمال التعدين وبالحفاظ على البيئة طبقاً للمقاييس والاحكام المنصوص عليها في التشريع الخاص بذلك). وقانون حماية البيئة لسنة 2001م في المادة 17 البند الاول ينص على ( على الرغم من احكام اي قانون آخر بشأن تصديق السلطة المختصة على المشاريع او البرامج، يجب على كل شخص يرغب في الدخول في اي مشروع من المرجح ان يؤثرسلباً على البيئة والموارد الطبيعية أن يتقدم بدراسة جدوى بيئية موقعا عليها من قبل لجنة التقويم والمتابعة التي يشكلها المجلس). والبند الثاني ينص على ( يجب ان توضح دراسة الجدوى البيئية للمشروع مايلي: (أ) الاثر المتوقع للمشروع المقترح على البيئة، (ب) الاثار السالبة للمشروع التي يمكن تفاديها عند تنفيذ المشروع (ج)البدائل المتاحة للمشروع المقترح (د) ايضاح كاف بان استغلال الموارد الطبيعية والبيئية على المدى القصير لا يؤثر على عطاء تلك الموارد على المدى البعيد (ه) اذا ارتبط الموضوع باستغلال الموارد الطبيعية غير المتجددة فيجب ان تضمن الدراسة المذكورة استمرار استغلال تلك الموارد (و) التحوطات المتخذة لاحتواء الاثار السالبة للمشروع والحد منها. وهو تقريبا نفس المضمون الذي ينص عليه قانون صحة البيئة لسنة 2009م في المادة 13.
وبناء على ذلك وفي حالة استخراج واستخلاص الذهب فإن تقييم الاثر البيئي يجب ان يهتم بمحورين اساسين هما مرحلة الاستخراج ومرحلة المعالجة او الاستخلاص، وفي كلتا المرحلتين ينبغي مراعاة جملة من النقاط اهمها عدم تأثرالنظام البيئي في منطقة استخراج الذهب في المنطقة او المناطق المحيطة، وألا يؤدي قيام منجم الذهب الى اي تهديد لنبات وحيوان المنطقة، وعدم حدوث اي تغيير قد يؤدي الى تغيير في نوعية البيئة سواء قريب او بعيد المدى، وتجنب المساس بالاستخدامات النافعة للبيئة. كما يجب ان يتضمن التقييم البيئى تفصيل دقيق للمشاكل المحتملة للتلوث نتيجة اعمال الحفر ومعالجة الخام نظرا للمواد المستخدمة في تنقية الذهب. كما انه يجب وضع بعض النقاط الاخرى في الحسبان كألا يقوم اي منجم في منطقة بها مبان اثرية او تاريخية او اجتماعية او ثقافية تخص الحاضر والمستقبل. ويجب ان تخضع تلك الدراسة الى الرقابة الدورية ويتم تعديلها حسب خطوات قيام المنجم لتلافي اي اثر بيئي قد ينجم لاحقا. واخيرا يجب ارجاع الارض الى طبيعتها بعد انتهاء عمر المنجم.
أحيانا يمكن الاستفادة من مواقع مناجم الذهب خصوصا المكشوفة واحالة بعض السلبيات الى ايجابيات مثل الاستفادة من مخلفات التعدين وتحيلها الى اغراض اقتصادية واستثمارية بعد اجراء الدراسات والتحاليل المعملية، كما يمكن الاستفادة من مخلفات الرمل والصخور في بناء الطرق والجسور والسدود. كما يمكن الاستفادة من مواقع التعدين بتحويلها الى خزانات مياه بعد اجراء التعديل اللازم او منتجعات سياحية او متاحف أو في مجال الخزن الاستراتيجي، كما انه يمكن ردم وتسوية المنجم بالتربة الصالحة للزراعة.
إذن فالمسألة اكبر بكثير مما نتوقع وإذا استمر ذلك النشاط بصورته الحالية، فحتما لن تغطي قيمة الذهب تكلفة معالجة الاثار البيئة والصحية، والتحدي الاكبر يتمثل في ضرورة وجود معايير واضحة لتعدين الذهب والتعامل بشفافية مع تلك المعايير والقوانين، واتباع الاساليب العلمية في استخراج واستغلال الذهب بدءا من اعمال المسح والذي يحتاج الى قاعدة بيانات جيولوجية متكاملة، ثم التعدين وتسويق الذهب على نحو مقبول بيئيا تلعب فيه مؤسسات الحفاظ على البيئة دورها الحقيقي، وتتضمن وزارة البيئة والغابات والمؤسسات الاخرى ذات الصلة مثل المجلس الاعلى للبيئة والمؤسسات التعليمية والفنية التي يمكن ان تساهم في اعمال البحوث كمعهد ابحاث البيئة والموارد الطبيعية ومعهد الدراسات البيئية والمنظمات والجمعيات المحلية مثل الجمعية السودانية لحماية البيئة وغيرها والتي تسهم في تقديم الدراسات العلمية ورفع مستوى الوعي البيئي. وسواء الذهب او غيره من المعادن، هي من ثروات البلاد التي يجب استغلالها وبما انه يعول على الذهب خصوصاً في دفع الاقتصاد فيجب ان يتم بأسس علمية سليمة.
* مهندس تعدين وناشط فى مجال البيئة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.