قبل بضع سنوات أجريت مقابلة صحفية مع الشاعر الراحل محمد جعفر عثمان الملقب بود الشريف، بداره العامرة بحى العباسية بامدرمان، ويومها حكى لى ود الشريف قصة ميلاد باقة من أروع الاغنيات التى نظمها شعرا ولحنها الموسيقار عمر الشاعر وتغنى بها العندليب الاسمر زيدان ابراهيم، ومن بين تلك الروائع «وسط الزهور متصور واخونك وحنين يا ليل»، وتلك الاعمال اعادت الى ذاكرتى ظاهرة الثنائيات والثلاثيات التى كانت تجمع بين بعض الشعراء والملحنين والفنانين، مثل ثنائية وردى بالشاعر اسماعيل حسن، والراحل ابراهيم عوض والطاهر ابراهيم، وعلى شبيكة وثنائى العاصمة، وقد اثمرت ميلاد اعمال كبيرة وخالدة لايزال صداها يتردد فى وجدان الشعب السودانى الذواق حتى يومنا هذا، وتلك الاعمال لم تر النور وتعانق آذان المستمعين الا بعد ان استوت على نار هادئة من التوقيع والتجويد والاستماع فى جلسات فنية. والمتأمل للساحة الفنية اليوم لا يلمح أثراً لتلك الظاهرة الايجابية، ومعظم المطربين اليوم يتعاملون مع عدد كبير من الشعراء، ويطرحون أعمالاً «فطيرة» على عجل عبر الأجهزة الاعلامية وشركات الانتاج الفنى، والنتيجة أغنيات مثل فقاقيع الصابون سريعاً ما تتلاشى دون أن تترك صدى فى الساحة الفنية. وميزة تلك الثنائيات التى كانت قمة فنية فى الماضى، تتجسد فى التجانس النفسى بين الشاعر والملحن والمؤدى والموسيقيين الذين كان لهم دور فى ميلاد العديد الأغنيات. ولا أحد يستطيع أن ينكر أن الأغنية السودانية الآن تعيش أزمة ألحان، على الرغم من الكم الكبير من الأعمال المنتجة، وهذا هو الذى يجعل الأغنيات القديمة أكثر حضوراً وألقاً فى ذاكرة الناس. [email protected]