لم تمض سوى سويعات على تسلم اطراف منبر الدوحة التفاوضي نص وثيقة سلام دارفور من الوساطة المشتركة،حتى توالت التسريبات لنص الوثيقة التي ارتكزت في جوهرها على وضع مقترحات توافقية، لقضايا ظلت العقبة الرئيسة فى الوصول لتفاهمات بين الاطراف المشاركة في العملية السلمية. وكما كان متوقعا فقد نصت الوثيقة التي دفعت بها الوساطة على اجراء استفتاء يحدد وضع الاقليم الاداري الدائم على نحو متزامن فى ولايات دارفور الثلاث قبل عام من الانتخابات العامة «المقررة في 2014م»، ونصت كذلك على منح الاقليم منصب نائب الرئيس الذي تطالب به الحركات على ان يتمتع بصلاحيات واسعة، تسمح بانابته للرئيس ونائبه الاول حال غيابهما ، بالاضافة الى منصب كبير مساعدي الرئيس ومجموعة من المستشارين برئاسة الجمهورية ، ومنح الحركات حقيبتين وزاريتين اتحاديتين بالاضافة الى اربعة مقاعد لوزراء دولة، هذا مع الابقاء على الحقائب التسع التي يحملها ابناء الاقليم فى الحكومة الان. واقترحت الوساطة ايضا فى برتكول السلطة ان تخصص حصة لدارفور فى البرلمان القومي تتناسب مع عدد سكانه، مع الوضع بالاعتبار مستوى التمثيل الحالي له فى البرلمان، كما اقترحت الوثيقة المطروحة من قبل الوساطة على اطراف الدوحة ان يتم انشاء سلطة انتقالية فى الاقليم . ويحتوي النص الكامل للوثيقة على تفصيلات دقيقة لكل القضايا التى تضمنتها برتكولات التفاوض ،وتنتتظر الوساطة المشتركة ان تُبلغ ملاحظات الاطراف على مشروع وثيقة سلام دارفور بحلول السابع من مايو الجاري . وقد تعاملت الاطراف مع النصوص المقترحة لحل القضايا لاساسية مثل الوضع الاداري للاقليم ومستوى تمثيل دارفور فى الرئاسة وملف التعويضات المقررة كلا من موقعه ،فقد رفضت حركة العدل والمساواة الوثيقة جملة وتفصيلا فور تسلمها، وقالت انها مخيبة للامال ولا تعبر عن تطلعات اهل الاقليم . وقال المتحدث الرسمي باسم الحركة جبريل ادم ان الوثيقة المقدمة جاءت اقل من سقف الاتفاق الذي وقعت عليه الحكومة في أبوجا مع حركة مني اركو مناوي، مشيرا ان وثيقة الاتفاق لم تعالج قضية النازحين واللاجئين ولا قضية تعويضات اهالي دارفور المتأثرين بالحرب، كما انها لم تقدم حلا لقضية ملكية الارض في دارفور وتجاهلت الوضع الاداري للاقليم ولم تقدم حلا مقبولا لقضية تقاسم الثروة والسلطة. اذا بات من الواضح ان وثيقة الوسطاء لم ترض العدل والمساواة اللاعب الرئيس في الاقليم، فمن ارضت من الطرفين المتبقيين وهما حركة التجاني السيسي والحكومة فى الخرطوم؟. فيما يخص الحكومة فقد قالت مصادر في وفدها المفاوض بالدوحة انها تخضع نصوص الوثيقة للدراسة ، وابدت المصادر الحكومية عدم رغبتها الانية فى التعليق،فيما أعلنت حركة التحرير والعدالة انها شكلت لجانا لدراسة الوثيقة النهائية المطروحة من قبل الوساطة لاتخاذ قرار نهائي بشأنها،ونقلت الشروق نت عن كبير مفاوضي الحركة تاج الدين نيام، ان التحرير والعدالة تعكف ايضا على دراسة الوثيقة النهائية لاتخاذ قرار بشأنها. وقال نيام ان رئيس الحركة د. التيجاني السيسي ترأس اجتماعاً لقيادة الحركة فور تسلمها الوثيقة، مشيراً الى أن الاجتماع أقر تشكيل عدة لجان لدراسة الوثيقة، ووصف ما تم التوصل اليه الى الآن في مفاوضات الدوحة، بأنه خطوة متقدمة في سبيل حل مشكلة دارفور، وأوضح أن اللجان المعنية سترفع تقاريرها بشأن ما تتوصل اليه خلال دراسة الوثيقة الى قادة الحركة الذين سيجتمعون بعد ذلك لاتخاذ القرار النهائي. وبينما تنتظر الاوساط السودانية المختلفة بترقب بالغ ماتسفر عنه الضغوط الدولية والاقليمية، التي قالت مصادر امس بالدوحة، انها تمارس على المساواة من اجل الانخراط فى العملية السلمية،ينظر اخرون من الفاعلين فى الحركات والمراقبين المحايدين لمايدور فى الدوحة ومن قبل دارفور الى خطوة الوساطة وردود افعال الاطراف المشاركة بعيون مختلفة. اذ يرى المحلل السياسي والخبير فى الشأن الدارفوري عبدالله ادم خاطر ان الوثيقة تمثل عملية تطور للتفاوض بنفسه، ويعتبر ان قوتها تتأتى مما احتوته من اقرارها باهمية وجود اقليم واحد في دارفور، وحق ابناء الاقليم في تمثيل قوي فى رئاسة الجمهورية يمكن ان يصل على الاقل الى نائب رئيس في الفترة الانتقالية. ويشير خاطر الى ان قبول الحكومة لمثل هذا الأمر يمكن ان يرجع الى معرفتها برأي اهل الاقليم فى الاستفتاء الذى كانت تزمع اجراؤه،لافتا في هذا الصدد الى امتلاكها مستشارين يتمتعون بقدرة على تقديم المشورة الصائبة،ووجود حالة من التواصل بينها و قيادات الاقليم تساعدها على تلمس رغبة اهل دارفور فى الاقليم الواحد . ورأى خاطر ان الاستفتاء فى الظروف الحالية لن يكون له قيمة حقيقية فى اي من مراحل العملية السلمية، واعتبر ان قبول الحكومة لمبدأ تأجيل الاستفتاء هو مجرد تمهيد لتجاوزه فى المراحل القادمة، طالما هى تسعى لاتفاق يحسم وضع الاقليم وقضية المشاركة في السلطة على المستويات المختلفة.وحول رفض العدل والمساواة المتسرع للوثيقة يعتقد خاطر ان مسوغاته قد تكون عدم كفاية التعديلات التي تمت من الوسطاء فى المراحل التي سبقت تقديمها بشكلها الحالي ، او عدم وضع اقرار الاقليم الواحد في الوثيقة بصيغة واضحة، وهو ما قد يؤدي بنظره الى وضع المفاوضين فى حالة من الاحتراز. ولفت خاطر الى ان منصب النائب ظل مقرونا فى اذهان الحركات بشخصية معينة في المؤتمر الوطني،وهو ما يمكن ان يبرر عدم تحمس المفاوضين من الحركات فى الدوحة لاقرار المنصب بالصيغة التى كانت تطرحها الحكومة ووفدها المفاوض. ويلفت خاطر الى نقطة مهمة يرى انها قد تعقد من تجاوز الخلافات بين الطرفين حول قضية التعويضات، وهي الاعتقاد الذي تحمله الحكومة بان اقرار اي تعويضات مجزية للمتضررين من الصراع، سينتج عن بناء قاعدة لعمل سياسي من قبل الحركات لدى المستفيدين ،ويقول :« لذلك الحكومة ترفض التعويض الكبير وتحاول حتى ان تسيطر على موارد التعويض لتكون تحت امرتها وادارتها» . يرجع المحلل السياسي هذه المخاوف المتبادلة بين الطرفين والتي قد تعيق الوصول الى اتفاق في الدوحة ، الى عدم توافر الثقة بين المتفاوضين. ويؤكد ادم علي شوقار رئيس حركة تحرير السودان القيادة العامة، ان حركته مع اي وثيقة سلام شاملة لكل ملفات دارفور، الا ان شوقار اشار الى انهم كحركة يملكون وثيقة سلام خاصة قد وقعوها مع الحكومة، وقال انهم ملتزمون بها. ورغم ان شوقار اكد انه لم يطلع على وثيقة السلام المطروحة من الوسطاء فى الدوحة فانه يصر على انها نسخة مكررة مما وقعوه ومما تم اقراره من قبل في ابوجا وغيرها من المنابر في الداخل والخارج،وقال صراحة:« كل الملفات مكرره»،مضيفا انه يعتقد جازما انها لن تأتي بجديد الوثيقة ولن تخرج من المطروح سابقا، مشددا على ان حركته فور اطلاعها على الوثيقة لن تسكت عنها اذا ما وجدت فيها ما تعتبره تقصيرا او انتقاصا من حقوق اهل الاقليم. وتوقع شوقار ان تستقبل الدوحة وفدا من حركته للوقوف على هذه الوثيقة. وتقول حركة تحرير السودان القيادة العامة انها مع تعدد الولايات فى دارفور، لان الحركة تعتقد انها تقصر الظل الاداري وتساعد على تنمية المنطقة، وتقرب المواطن من السلطة وتشركه ايضا فى ادارة شئونه كجزء من الدولة نفسها. وحول النقطة الاخرى الاكثر سخونة فى وثيقة الوساطة المطروحة، وهى مقعد نائب الرئيس يقول شوقار ان سقف مشاركة اهل دارفور فى السلطة يجب ان يكون اكبر من ذلك ، ويتساءل عن مغزى تحجيم زملائه فى الثورة والسلاح بالدوحة لاهل الاقليم في اصرارهم فقط على منصب نائب الرئيس. موضحا ان حركته تطالب فى مقابل ذلك بدستور« شفاف» بحيث تصبح المواطنة هى السبيل الى المشاركة فى ادارة هذه البلاد. وهو ما يجب ان يتم بنظر شوقار فى ظل اصلاح دستوري شامل، يمكن اهل دارفور واهل كل بقاع السودان من المشاركة فى ادارة البلاد .