لست أدرى ما هو المُثير والجديد بل ماهو العائد الذي ستجنيه المعارضة السياسية من وراء إقالة الفريق صلاح عبدالله قوش من منصبه كمستشار لشؤون الأمن القومى ؟ بل ما الجديد أصلاً فى موضوع الخلافات داخل المؤتمر الوطني ؟ فالكل يدرك جيداً ، ومنذ سنوات عديدة ، أن هناك خلافاً يحتدم داخل المؤتمر الوطني بين فريقين ، وكان كلٌ من الدكتور نافع والفريق صلاح يقفان كل منهما نقيضاً للآخر في هذا الخلاف ...هل ستستفيد المعارضة من القول بأن هناك خلافاً حاد داخل أروقة المؤتمر الوطني ؟ لقد حاولت المعارضة إستغلال هذا الحدث وتفسيره بأن المؤتمر على وشك الإنهيار وأنها يجب أن تستعد لوراثته ، فرقصت طرباً للقرار .. في الوقت الذي يدلل فيه القرار وبوضوح على ضعف المعارضة وخوارها وعدم قدرتها على مقارعة المؤتمر الوطني .. ودليلنا على ما نقول إن المؤتمر الوطني لولا أنه يدرك هذا الضعف والوهن اللذان ينخران فى جسد المعارضة لما أقدم على هذه الإقالة الدراماتيكية ، خاصةً وإنها استهدفت كاتم صندوق أسراره والممسك بأخطر الملفات الأمنية سخونة فى تاريخ حكم الجبهة الإسلامية ولأكثر من عقد من الزمان ، وكان لاكتفى باحتواء الأمر داخله حتى لايهدد بقاءه ومن ثم تقديم عنقه طواعية لمعارضة قوية تتحين الفرص للإنقضاض عليه في أي لحظة . المؤتمر الوطنى يُدرك جيداً ضعف المعارضة ، فهو لم يدرك وحسب ، بل ظل يقذف بقفاز التحدي في وجهها المرة تلو الأخرى ، إن كانت تستطيع الإطاحة به ، ويُعلن على الملأ وفوق رؤوس الأشهاد أنه لايخشى هذه المعارضة التي لاتستطيع حتى قلب ( تربيزة ) وقد أعلن الدكتور نافع أكثر من مرة هذه الحقيقة فقد أسهب ووفى وهو يصفها بالضعف ويصف قياداتها بالشيخوخة، ويتهمها بالتهافت على المال، إذاً ففرح المعارضة بالخلاف القديم الجديد بين قيادات المؤتمر الوطني لا يعدو سوى فرح غلابة لا يقدم ولا يؤخر حلمها بتداعي جسد المؤتمر الوطني من داخله ومن ثم يُفسح لها الطريق نحو العشق الأبدي - السلطة - فهي تعلل نفسها بالأماني ولكن أمانيها هي أضغاث أحلام. إذاً فالمعارضة السياسية تريد أن يُسقط المؤتمر الوطني نفسه عن طريق التدمير الذاتي ، وهذه حقيقة لا جدال فيها ولذا إذا إنتظر الشعب أن تسقط قوى المعارضة حكومة الإنقاذ الوطني فإن إنتظاره سيطول ، ولأن الدكتور نافع يعلم ذلك جيداً لذا ظل يقول ما يقول عنها ، والمؤتمر الوطني يدرك أيضاً ذلك جيداً ولذا اتخذ قرار الإقالة و لم يأبه إلى تداعياته الخطيرة في ظل الأجواء الإقليمية المحيطة بالسودان خاصةً ما يدور فى الدول العربية من ثورات وإنتفاضات ، ولا إلى أشواق المعارضة وأحلامها ورومانسيتها . أيضاً مما لم يفطن له الكثيرون ، وهم يحللون تداعيات إعفاء الفريق قوش وبأنه إنفجر بسبب الحوار المزعوم ، أى أنه خلافٌ حديث ، أن أحد أهم أسباب الإنتكاسة التى مُنيت بها إتفاقية سلام دارفور الموقعة في العاصمة النيجيرية « أبوجا « يعود إلى الخلافات التى كانت تمور في الداخل بين قيادات المؤتمر الوطني وتحديداً بين مجموعة نافع وتيار على عثمان طه ، وقد بدا هذا الخلاف جلياً بعد وفاة الدكتور مجذوب الخليفة عرّاب إتفاق سلام دارفور الموقع فى أبوجا والممسك بالملف وقتذاك ، فقبل أن يُشيّع الرجل إلى مثواه الأخير ، احتدم الخلاف في مدينة كبوشية حول من يخلفه فى الملف وهو لم يزل مسجياً ينتظر أن يُوارى الثرى ، الأمر الذي حدا بأحد المحلليين السياسيين إلى التعليق بأنه لم يدر أن ملف أزمة دارفور بهذه « الدسامة « ، إلا أن الواقعة تميط اللثام عن درجة الخلاف وحدّته بين قيادات الصف الأول في المؤتمر الوطني أكثر من دسامة الملف المفترى عليه ، كيف يمكن لتسمية من يخلف الدكتور الراحل في الملف أن يصرف نظر القوم عن أهمية وقداسة مواراة رفيق دربهم الثرى ومن ثم التفرغ لأمور الدنيا وتسمية من يخلفه ولكنه ذات الخلاف الذي تحدثنا بأنه قديم ... قديم ، وليس كما يزعم أصحاب نظرية «حوار مستشارية الأمن مع أحزاب المعارضة « والذي هو ليس أكثر من مجرد القشة التي قصمت ظهر البعير ، وبعد خروج السيد منى أركو واعتكافه في دارفور في عام 2008م تم تكوين لجنة للحوار و النظر فى أسباب خروجه من الخرطوم مغاضباً ، وهى اللجنة التي انبثقت منها فيما بعد لجنة إتفاق المصفوفة وقد كانت برئاسة المهندس الحاج عطا المنان والذي ترأس الجانب السياسي فيما بعد ، أما الجانب العسكري الأمني فقد ترأسه الفريق صلاح قوش واللجنة كلها كانت تحت رعاية السيد نائب رئيس الجمهورية على عثمان محمد طه وهؤلاء جميعاً محسوبون على الجناح الذي يناوئه الدكتور نافع وجناحه بقيادة رئيس الجمهورية ، و لذا لم يُبد الدكتور نافع حماساً للمصفوفة التى خرجت بها اللجنة وبموجبها عاد السيد منى أركو مرة أخرى إلى الخرطوم ، وقد أثار برود الدكتور نافع تجاه إتفاق مصفوفة الفاشر إستغراب ودهشة المتابعين والمراقبين للوضع آنذاك لجهة كون الدكتور هو الذى يمسك بملف دارفور ، فقد كان زاهداً في المصفوفة التي لم يتجاوز التطبيق فيها نسبة الواحد فى المائة وسبب الزهد كما أثبتت الأيام أن الذين اضطلعوا بعبئها داخل المؤتمر الوطني هم غرماء الرجل ومجموعته التي آلت على نفسها أن تقف دوماً فى المكان المعاكس للذى تقف فيه مجموعة نائب الرئيس ومناصروه ، الأمر الذي أدى إلى إنهيار إتفاق المصفوفة وخروج حركة تحرير السودان من الإتفاقية الأم الموقعة فى أبوجا وهى تداعيات تدلل على قوة نفوذ مجموعة الدكتور نافع والذي أكدته أحداث إقالة الفريق قوش فيما بعد ، وهذه الأحداث تؤكد أيضاً أن الخلاف قديم وأن ما ظهر منه حتى الآن يُعد بمثابة ما يظهر من قمة جبل الجليد ، رغم محاولة أصحابه أن « يُغطغطونه « من فضول خصومهم فى المعارضة بكل أشكالها ، المسلحة منها والعسكرية ، ولذا فلننتظر لنرى ما ستُسفر عنه هذه الأحداث فى مُقبل الأيام القادمة ، إلا أننا نؤكد أن ما ستُسفر عنه لن يخدم المعارضة الراهنة للنظام في شئ .