إن لم يسجل لها سوى قدرتها على جعل النيل يمضي في اتجاه العاكس ويعود في رحلة الهجرة جنوبا فان ثورة 25 يناير المصرية مثلت تحدٍ وانتقالاً لكثير من المفاهيم السابقة في مصر وعلى رأسها طبيعة ادارة شؤون مصر الخارجية وعلاقتها باقليمها الافريقي والعربي وعلاقتها بشكل اكثر خصوصية في الجزء الجنوبي من الوادي السودان. علاقات السودان ومصر الملف الاكثر اهمية لعلاقته بمستقبل الاوضاع في البلدين او مدخل للاستقرار في ابعاده السياسية الاقتصادية والاجتماعية وعموم استقرار المنطقة كان هيو الموضوع الذي ناقشه مركز دراسات المستقبل وهو يستضيف وفد الاحزاب المصرية المتواجد الآن في السودان ، نهار الامس كان وفد الاحزاب المصرية داخل مباني مركز الشهيد الزبير محمد صالح وكأن التاريخ يعيد نفسه فمن يحمل المركز اسمه نائب الرئيس السابق والمستشهد بحثا عن السلام كان من اوائل الذين فتحوا الابواب من اجل اعادة العلاقات لمسارها الطبيعي بعد القطيعة التي دامت سنوات في اعقاب محاولة اغتيال من اغتالته حركة 25 يناير المصرية الرئيس السابق محمد حسني مبارك، الا ان الندوة التي كانت تبحث عن رؤى استشراق المستقبل طاردها التاريخ بالرغم من علاقات الشعبين دوما ما يسبقها الحديث عن التاريخ المشترك والمصير الواحد دون ان يقطع هذا الامر حبل تقديم افكار جديدة لتجاوز ما اسموه اخفاقات العهد البائد في مصر دون ان تبعد عوامل اخرى تتعلق هذه المرة بالزائر والمستقبل له وهو الحزب الحاكم في السودان الذي عاصر 22 عاما من اعوام مبارك الثلاثي.ن ابتدر اللقاء الذي تأخر عن موعده المضروب بحوالي النصف ساعة الدكتور علي السلمي مساعد رئيس حزب الوفد الذي اوضح اسباب التأخير التي تتعلق بالاوضاع السائدة الآن في مصر والتي تتعلق بالاحتقانات و الصراع الطائفي بعدها تناول مستقبل العلاقات ما بعد ثورة 25 يناير والتي وصفها بانها زلزلت اركان النظام ككل ولم تقف عند حد تنحي الرئيس مبارك. ومن ضمن ايجابيات هذه الثورة انها اعادت مصر للسودان والسودان لمصر كتأكيد على الذي يجب ان يكون وقال ان الثورة اتاحت للجميع حق الحياة الذي سلبه الطاغية ومثلت انتقال التأثير للشعب باعتباره صاحبه الحقيقي ووصف السلمي علاقات مصر والسودان ما قبل الثورة بالسيئة مرجعا الامر لسياسات حسني مبارك الذي ربط الرئاسة بمصر حيث ساهم هذا الخلط في تراجع دور مصر الافريقي والعربي، مشيرا الى تداعيات محاولة اغتياله والتي جعلت كل مصر تتخذ موقفا سلبيا من كل افريقيا ومن السودان على وجه الخصوص وقال ان مستقبل علاقات سوية بين البلدين رهينة بشكل اساسي بوضع الامور في نصابها وترك الشعب ليقرر مناديا بان تقوم آلية لتعاون شعبي السودان ومصر بعيدا عن تاثيرات النظم الحاكمة وتقلباتها مضيفا ان الالتقاء تفرضه المصلحة وليس حديث العواطف. وقال ان قيام مشروع للتكامل المصري السوداني سيكون معالجة لكل اخفاقات الماضي واضاف ان الذي يجمعنا الآن مصر مجتمع ديمقراطي وانتم كذلك وقال يجب نقل النوايا الحسنة لفعل حقيقي يقود للوحدة بين الشعبين فهي الاكثر جدوى والاقل تكلفة بل هي طريق الخلاص من اجل تحقيق تطلعات الشعبين ،بينما قال رئيس حزب التجمع حسين عبد الرازق ان ثورة 25 يناير وتغيراتها اول ما تفترضه هو استعادة دور مصر الاقليمي والدولي وان العلاقات السودانية المصرية تتخذ اهمية خاصة في هذا الجانب وتناول عبد الرازق نقطتين قال انهما تمثلان مفتاح المستقبل وهما مناقشة دور مصر والسودان في اطارهم الاقليمي وخصوصا افريقيا حيث قال ان مصر في عهد ما بعد ناصر فقدت دورها تماما بل صارت اداة تستخدمها امريكا واسرائيل لتحقيق تطلعاتها خصوصا في عهد مبارك، وان السياسات الامريكية كانت تنفذ بشكل مباشر او غير مباشر وتناول في القضية الاخرى قضية مياه النيل باعتبارها الاكثر تاثيرا على علاقات البلدين في ظل الاعتماد الكلي لمصر عليها ولكن هذا الامر يجب ان يتم التعاطي معه وفقا لما يحقق مصلحة البلدين ومراعاة مصالح البلاد الاخرى في الحوض. ويجب ان يتم الامر في ظل تنسيق سوداني مصري مع عدم اهمال حقوق الآخرين فيما ركز ممثل منظمات المجتمع المدني بمصر سمير عليش مداخلته في ضرورة تبني الاتجاه الشعبي من اجل تطوير العلاقات بين البلدين والعمل على عدم تأثرها بما يحدث من طوارئ الاختلاف بين النظم الحاكمة فهي ستمضي وتبقى الشعوب. من جانبه اثنى القيادي بالمؤتمر الوطني ووزير الخارجية السابق الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل على خطوة تواجد الاحزاب المصرية بالسودان وقال انها خطوة في الطريق الصحيح ومستقبل التعاون بين البلدين وفي تحليله لمستقبل علاقات البلدين ركز اسماعيل على ثلاث دوائر اسماها الدوائر المتحكمة وهي الدائرة الدولية التي لا نستطيع عزل انفسنا عنها مشيرا الى ان سيطرة الآحادية القطبية قد بدت في الانهيار في اعقاب الازمة الاقتصادية العالمية والتي وصفها بانها سادت فيها غياب المعايير المتساوية في التعامل مع القضايا الدولية والدائرة الثانية هي الدائرة الاقليمية ببعديها العربي والافريقي المتحدين من زمن بينما تمثلت الدائرة الثالثة في دائرة وحدة وادي النيل والتي لو قامت على اساس متين فان من شانها الاستمرار ودون توقف. واضاف ان مصر في عهد مبارك فقدت ريادتها العربية والافريقية وقال اسماعيل انه ليس من مناصري كنس آثار الماضي بل اخذ الصالح منه وترك الطالح وتناول كذلك تجربة الحريات الاربعة التي قال انها تمثل امتدادا لفلسفة نميري للعلاقة وفي بدايتها قال المصريون انهم غير جاهزين لها واعلن استعدادنا للمضي فيها على ان تلحق مصر بنا واضاف الآن مصر اصبحت جاهزة ونادى بضرورة ان يتجاوز البلدان السياسة الفوقية للسياسة النابعة من الشعوب وطالب بتكوين آلية لتنفيذ هذه الخطوات وضرورة ايجاد ميثاق يساهم فيه الجميع هنا وهناك وبعدها تحدث رئيس حزب الوفد المصري سيد البدوي الذي اعتذر عن تأخره ولكنه بث بشرى قال فيها ان الاوضاع في مصر الآن مستقرة قبل ان يضيف ان الحل في تجاوز الحديث عن شمال وجنوب الوادي من اجل الحديث عن دولة الوادي الموحدة التي تسعى لتحقيق تطلعات اهلها وهو امر يمكن تحقيقه باستخدام الآليات المتوفرة عند كل طرف، فالسودان يمتلك الاراضي والمصريون يمتلكون خبرة ادارة هذه الاراضي كما ان علاقات التواصل بين الشعبين هي المدخل للنجاح بالرغم من الهنات التي واجهتها ومحاولة تشويهها واضاف ان النجاح يعبر من خلال التكامل المصلحي الاقتصادي واعلن عن استدامة هذا النوع من التواصل بين حزب الوفد والسودان بكل مكوناته السياسية والحزبية. وختم حديثه بان الهدف واحد وكذلك المصير الا انه في المقابل فان مداخلات الحاضرين وتناولهم لمستقبل علاقات البلدين انطلقت من المسكوت عنه في الندوة وفي بالهم عبارة احد مواطني الوادي في منطقة مختلف عليها بعد الانفصال ابيي وهو فرانسيس دينق وهو يقول ان ما يفرقنا هو المسكوت عنه والمسكوت عنه عبر به الدكتور اللواء عبد الرحمن ارباب والذي اشار بشكل واضح للاختلاف بين مصر والسودان حول تبعية منطقة حلايب وعبر بشكل واضح ليقول ان الذي يحدث في حلايب يجعلنا ننظر لمصر باعتبارها دولة محتلة وانتم مطالبون باصلاح هذا المسار مع مسار آخر وهو سيطرة عقلية ان السودان تابع لمصر وهي حواجز نفسية يجب ازالتها وفي نفس الاتجاه مضى الدكتور ابو الحسن فرح الذي قال ان الاحزاب المصرية ليست في اجندتها السودان وان الحزب الوحيد الذي وضع السودان في اجندته كان هو حزب العمل لعلاقته مع الانقاذ، واضاف ان المستقبل الحقيقي لعلاقة قائمة على اساس المساواة وتبادل المصالح هو توفر قيمة الديمقراطية التي يفقدها النظام السوداني الآن ووصفه بانه اشبه بنظام مبارك قبل الاسقاط وهو ما يمثل العقبة الاساسية نحو علاقات المستقبل. وفي ردودهم حاول اعضاء الوفد توضيح مدى اهتمامهم بقضايا السودان وضرورة سعيهم لتحسين العلاقات معه من اجل حلم دولة وادي النيل ذات التكامل المصلحي دون ان يخوضوا في المسكوت عنه الذي يفرق واكتفى سيد البدوي بان علاج مشكلة حلايب يتم بجعلها نقطة تكامل بين البلدين كخطوة اولى لتحقيق التكامل بين الدولتين في المستقبل الذي لم تتضح معالمه بعد ..