يفجعنا الموت كل حين وحين، بما ينتقده وتختاره يد المنون من حبات عقد الأحبة والأعزاء والأصدقاء، ومن الأرحام الأقربين، ويأتيك بالأخبار «من لم تزود» كما تقول العرب في أشعارها، ويوماً بعد يوم يترجل فارس، أو تذبل وردة، أو يهوي نجم، كما هوى صديقنا وزميلنا، وشقيق ورفيق بدايات عملنا الإذاعي في الإذاعة السودانية، هذا البيت الكبير الواسع الذي جمع وعلم وربط كل من في داخله بالمودة والمحبة والإخاء النبيل.. هوى نجم الدين في بلاد بعيدة عن «سلنارتي وموسى نارتي ودنقلا» وبلاد السكوت والمحس وظلال النخيل وأمواج النيل، وعن الطابية المقابلة النيل والضريح الفاح طيبه عابق، وأم بدة بالسبيل، وصيدلية شكاك والخال محيي الدين «أبو زكريا» وبعيداً عن «الحوش» وذكريات الشباب مع الزبير أحمد، ومحمد الكبير الكتبي، وحمزة الشفيع، وعمر عبد المنعم، ومعتصم فضل وعبد العظيم عوض، هؤلاء الكرام الذين نصبوا خيمة العزاء بأنفسهم وتكفلوا بكل لوازم الفراش حتى الشطة والملح، ومعهم كمال عبيد الوزير المهيب أدبا وعلما واحتراما يجبر عليه الجميع. مات نجم الدين محمد أحمد المذيع ورئيس التحرير، ولكن سيبقى «نجمي» كما كانت تناديه أمه حاجة فاطمة، حيث كانت أم المذيعين اللذين زاملوا «ابنيها المهذبين» كامل ونجم الدين، فهي لا تنفك تسألني في الرياض أو في أم بدة عن عوض إبراهيم عوض وعثمان شلكاوي وعبد العظيم عوض، بلسانها المحسي الذي يحول العين همزة، وبحنان الأم الرؤوم. وعلاقتنا بنجمي ليست علاقة الاستوديو والمايكرفون وزمالة المهنة الشريفة، وإنما هي صلة قلوب تحابت في الله، مثلما هو الحال بين كل أفراد هذه الأسرة الكبيرة التي يخرج منها ومنذ أكثر من ستين عاماً، صوت مجلجلٌ يعم الدنيا يقول في فخار ووقار «هنا أم درمان»، بل هنا المودة والإخاء والوفاء والعرفان. ولا أجد كلمات، فكلها هربت في لحظة الشجن الأليم هذه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، و «إنا لله وإنا إليه راجعون». عوض الله محمد عوض الله