الابن/ عبد الباقي خالد عبيد تحياتي ومودتي هذه كلمات.. دون الحدث.. وددت أن أذكر فيها أخاً عزيزاً فقدناه فجأة.. تعرفه وأعرفه ويعرفه الكثيرون.. وأرى أن صفحتك تفتح قلبها لهذه الكلمات كما فتحته لكل من يقدم عطاءً في هذا البلد الأمين بإذن الله.. فهلاَّ سمحت لي ولها.. (النجم الثاقب) الذي أقسم به الله تعالى في سورة الطارق يعني النجم المضيء المتوهج، والمرتفع، وأصل الثاقب من ثقبت النار تثقب ثقوباً إذا اتقدت، ويعني هنا الثُّريا إذ كانت العرب كثيراً ما تُطلق لفظ النجم على الثُّريا. وهكذا كان الراحل العزيز نجم محمد أحمد نجماً ثاقباً فينا، جاء من جزيرة (سلنارتي) بدنقلا في الولاية الشمالية في طُهر وبراءة وصفاء إنسان استهل صارخاً بين أمواج النيل العذب وخضرة الجروف في تلك الجزيرة الهادئة الوادعة. جاء ونظراته تتطلع إلى المعرفة والعلم لإشباع رغبة طفل يسمع بالبذور ويسمع «الرادي» ويتمنى أن يكون يوماً «نجماً» مثل أولئك المذيعين الذين يقولون «هنا أم درمان» وكان الله تعالى في معيته فوهبه صوتاً أصبح «جسره» للإعلام والصوت المميَّز المعبِّر هو أول «مؤهلات» المذيع. ولكن الصوت ليس كل شيء فالموهبة هي الأساس ولكن صقلها بالعلم والثقافة يفتح الباب واسعاً لمن يريد أن يجلس «أمام» المايكرفون وليس «خلفه» كما يقول البعض! والثقافة العمومية مهمة وضرورية ولكن الدراسة المتخصصة في المجال المحدد ضرورية. وهكذا سافر نجم الدين إلى القاهرة والتحق بجامعتها «الأم» وعاد لبلاده محصناً ببكلاريوس من كلية الإعلام «تخصص صحافة ونشر» وبهذه المناسبة فإن كلمة «صحافة» ليس قاصرة على الإعلام المقروء ولكنها تعني- أيضاً- المسموع والمشاهد والله أعلم. وبهذا أصبح الأستاذ نجم مؤهلاً ليكون مذيعاً بالصوت المميّز والدراسة المتخصصة والرغبة «وهذه مهمة جداً فالذي يلتحق بالإعلام بسبب المجموع أو بسبب الواسطة ليس له من الإعلام إلا المرتب وتسبيب الأذى للمرسل إليهم!!» ومع الصوت المميّز والمعبِّر والدراسة والرغبة فإن نجم الدين لم يكتف بذلك بل أراد مزيداً من العلم والمعرفة والثقافة للمذيع ضرورة لأن المذيع «الجاهل» يكون كارثة. فالتحلق «النجم» بجامعة الخرطوم ونال درجة الدبلوم العالي في تعليم الكبار فملأ بذلك كنانته بتخصُّص جديد ولكن الإنسان المتطلِّع الطموح في نفس نجم الدين جعله يلتحق بالمعهد الإسلامي للترجمة فنال الدبلوم العالي في الترجمة. كل ذلك جعله نجماً ثاقباً في سماء الإذاعة السودانية «أم درمان» وبدأ مذيعاً وأشع نجمه خارج السودان في اتحاد إذاعات الدول العربية والإذاعة البريطانية. وأصيب نجم الدين وإن الله إذا أحب عبداً ابتلاه فسافر إلى الأردن مستشفياً ولكن صاحب الوديعة أخذ وديعته يوم الاثنين التاسع من هذا الشهر وفي صباح الثلاثاء وورى الثرى بمقابر شرفي بأم درمان. وهكذا كانت الصرخة الأولى منه في جزيرة (سلنارتي) وكانت الصرخة الأخيرة عليه في كل مكان يصل إليه أثير «هنا أم درمان» وشيعه عدد كبير من الناس شهادة له من الجميع، وبكاه الجميع وخاصة زملاء المايكروفون، بكوا إنساناً لطيفاً ظريفاً وأخاً عزيزاً وبكيته بطريقتي الخاصة وكانت بيننا مداعبات لا سيما حين أناديه بالنجم ويناديني «الفحيل». رحم الله أخانا نجم الدين وأمطر عليه شآبيب رحمته وألهم أسرته وأصدقاءه ومحبيه الصبر والسلوان «إنا لله وإنا إليه راجعون». د. عبد المطلب الفحل باحث وخبير إعلامي