أخيرا، انخرطت قضايا الصحافة والصحفيين في أجندة الانتخابات الحامية الوطيس هذه الأيام، حيث طرح مجموعة من الصحافيين والمثقفين والسياسيين حزمة من القضايا المتعلقة بالمهنة على طاولة المرشح لولاية الخرطوم المهندس ادم الطاهر حمدون بمنزل الأخير بحي يثرب جنوبالخرطوم امس. فقد خصص المرشح عن حزب المؤتمر الشعبي جزءا من حملته الانتخابية للاستماع الى اراء المعنيين بمهنة الصحافة، مؤكدا خلال مخاطبته لقاء تفاكريا بمنزله أنه حريص على التعرف عن قرب على قضايا الصحافة والصحفيين ورؤاهم حول كيفية معالجتها والتعهد بتنفيذ التوصيات التي تخرج عنها، سواء فاز في المعركة الانتخابية أو بالتبشير بهذه القضايا في برنامجه السياسي خلال حملته الانتخابية، كما شدد المرشح حمدون على تقديره البالغ لمهنة الصحافة وتوفير المناخ المناسب لممارستها في اطار الحريات، ودعا الى تشكيل لجنة من الصحافيين المشاركين في اللقاء والبروفسير عبد الله علي ابراهيم لصياغة توصيات اللقاء لتضمينها ضمن برنامج ترشحه الانتخابي. وادار اللقاء الذي بدأ بعد وجبة افطار ذات ملامح دارفورية، الصحافي المخضرم الطيب ابراهيم عيسى، مؤكدا ان الهدف من اللقاء ليس الاستماع لبرنامج المرشح الانتخابي ولكن للتداول حول هموم مهنة الصحافة ومشكلاتها، مشيدا بالدور الذي ظل يقوم به الباحث والكاتب والمثقف عبد الله علي ابراهيم في رفد المكتبة السودانية بالعديد من الكتب النادرة والمعلومات الغزيرة في الصحف، كما اكد على الدور الذي لعبته الصحافة السودانية والصحافيين في تطور الحياة السياسية السودانية، ونبه الى المشكلات العديدة التي تواجه المهنة وفي مقدمتها تحرش السلطة بحرية الصحافة ومهنيتها. من جهته، اشاد البروفسير عبد الله علي ابراهيم بالدعوة التي قدمها مرشح ولاية الخرطوم، ودعا الى ان تكون سنة يتبعها بقية المرشحين، موضحا أن اعتراف المرشح بأن الصحافة سلطة رابعة يمهد لطرح عديد من المقترحات للمرشح للعمل بها مستقبلا، ودعا الى اعادة النظر في كل القوانين التي صدرت بشأن الصحافة، والتي رأى أنها أبتدعت أصلا للتأثير على الصحافة وليس لمساعدتها، كما طالب باعادة النظر في كافة المؤسسات والمراكز الصحفية التابعة للحكومة أو للسلطة التي قامت في موازاة الصحف من اجل الرقابة على الصحافة، وقال: يجب ان تبعد هذه المؤسسات عن عمل الصحف وان تخضع للمراجعة للكشف عن اهدافها ودورها، موضحا أنه يجب أن تخلى الساحة بين الصحافة والصحفيين والقضاء وأن لا تكبل المهنة بالقيود القانونية، واتاحة الفرصة لخلق مناخ يسوده الضمير الصحفي وليس القوانين المقيدة للحريات. وقال البروفسير عبد الله علي ابراهيم ان الصحافة السودانية تواجه مشكلة مع القارئ تتمثل في العديد من النقاط من بينها اهتمامات الصحف بالمركز واهمال الاقاليم، فضلا عن الضغوط الاقتصادية المتمثلة في حجب الاعلان عن الصحف. وأوصى بانشاء هيئة تتولى الاشراف على الاعلان الحكومي والرقابة على توزيع الاعلان الحكومي، وتقديم مشروعات لدعم الصحافة من خلال البنوك والمصارف، والاستثمار بمقدار في توزيع الصحف في المناطق المجهولة واعادة النظر في سياسات توزيع «اكشاك» بيع الصحف، لكن بصورة لا تجعل الحكومة تتطفل على الاستثمار في الصحافة رغم أن السلطة الرابعة تعرضت لافقار شديد مؤخرا، كما دعا الى العمل باقتراح قديم لادارة الاذاعة والتفزيون من قبل لجنة قومية، وهو اقتراح مطروح منذ ثورة اكتوبر 1964م لكن لم يعمل به. وتحدث في اللقاء رئيس تحرير الصحافة النور احمد النور، مشيرا الى العقبات الاقتصادية والسياسية والمهنية الحرفية التي تواجه مهنة الصحافة، واشار الى التكاليف الباهظة لصناعة الصحافة، فضلا عن السياسات الحكومية التي تقيد حرية الصحافة والرقابة القبلية التي لم ترفع الا مؤخرا بعد ان تم التوقيع على ميثاق شرف من قبل رؤساء التحرير قدمه الاتحاد العام للصحفيين السودانيين، وقال النور ان الصحافيين لا يحصلون على فرص تدريب وتأهيل كافية، وان معظم الصحفيين يعيشون ظروفا اقتصادية صعبة تشكل واحدة من الضغوط التي تواجه المهنة. واقترح رئيس تحرير الصحافة، اصدار قانون ديموقراطي لحرية المعلومات، معتبرا ان الصحافة تواجه بعدم تدفق المعلومات واخفائها دون اي سند قانوني، كما دعا الى تشجيع المستثمرين في صناعة الورق ومدخلات الطباعة، وانشاء أكشاك صحف بطرق حديثة بعد ان تحولت اكشاك الصحف الى محلات «مرطبات» و»مأكولات» و»عماري»، ونادى بتسمية طريق في ولاية الخرطوم ب»شارع الصحافة» تملك فيه الصحف دورا واصولا خاصة بها ولا تتعرض لضغوطات السياسة والاقتصاد، واوصى بانشاء مركز قومي للتدريب الصحفي في الخرطوم يساعد في تأهيل الصحفيين من الاقاليم والعاصمة ويكون جسرا للتواصل بين الاجيال المختلفة. من ناحيته، حث مدير مكتب الاعلام بجامعة الخرطوم الاستاذ حسن محمد صالح، على تشجيع انتقاد الصحافة لأداء المسؤولين وأنشطة مؤسسات حكومات الولايات، ونادى بدعم وتنشيط التحقيق الصحفي باعتباره واحدا من الاشكال الصحفية المؤثرة والذي يؤدي الى نتائج مفيدة ويساعد في معالجة الاخطاء واتباع سياسات راشدة في ادارة السلطة والثروة واسس تنفيذ مناسبة ومرضية. واكدت رئيس تحرير مجلة «ايام وليالي» وكاتبة العمود الصحفي منى ابو العزائم، على أهمية توفير المناخ الملائم للصحافة من اجل الانطلاق نحو الامام، لكنها دعت الى ما اسمته «حرية مسؤولة» في العمل الصحفي، فضلا عن المساواة والعدالة في توزيع الاعلانات الحكومية. وفي ذات الصعيد، رأى الكاتب الصحفي والمحامي المعروف بارود صندل، ان الاساس في اي عمل صحافي متطور هو اتاحة الحريات، معتبرا ان تقديم معالجات في اطار غير الحريات يبقى امرا غير مفيد ولا ذا جدوى، وانتقد بشدة قانون الصحافة والمطبوعات لعام 2009م واعتبره مقيدا للحريات ولا يساعد على تطوير المهنة وانتشار الصحف التي رأى انها «صحف مركزية» ولا توجد صحف مماثلة بالولايات. وكان عدد من الصحافيين شاركوا بارائهم في اللقاء، وقدموا للمرشح عدة توصيات تتعلق بالمهنة وكيفية تطويرها اضافة الى الدور الذي يمكن ان تلعبه الدولة في حماية الصحافيين من الانتهاكات التي يتعرضون لها وتوفير مساكن تليق بالمهنة مثلها مثل بقية المهن مع تقدير الدور الذي لعبه اتحاد الصحافيين في توفير مساكن للصحفيين في ام درمانوالخرطوم بحري، لكنهم اشترطوا في الدور الذي تلعبه الدولة في قضايا الصحافيين عدم التأثير عليهم وان تظل الخدمات التي تقدمها الدولة في اطار مشروعات النهضة والتنمية والتأهيل التي تشمل كافة قطاعات الولاية.