آدم طاهر حمدون، مرشح المؤتمر الشعبي لمنصب والي الخرطوم؛ يمتاز بأنه واحد من سلاطين دارفور الذين أرادوا لكثيرٍ من القيم والحكم التي يتميز بها أهل دارفور؛ أن تسود في حياة إنسان العاصمة الذي هيأ لنفسه واقعاً يختلف عن طابع الحياة الدارفورية المعروفة برقة الحال والتي دفعت أهل الإقليم لأن يطلقوا على أنفسهم صفة المهمشين في السودان. وحديثي عن السيد حمدون لا يأتي في إطار الدعاية الانتخابية له، بقدر ما هو معرفة بالنشاط الذي يتميز به على كثير من القادة السياسيين، فهو يجعل من داره قبلة لحل المشكلات وتبادل الآراء حول القضايا الملحة في الساحة لا سيما قضية دارفور التي يعدها حمدون مشكلة تواجه أهله هناك أكثر من أي شيء آخر، وهذا ما ذكرته في مداخلتي في اللقاء الأخير بمنزل حمدون. وقلت إنني وقبل عدة سنوات وفي هذا المنزل شهدت عدداً من المداولات والأحاديث الخاصة بدارفور،أبطالها هم نظَّار القبائل بدافور، والذين أتوا ممثلين لكافة القبائل من فور وزغاوة ورزيقات وبني هلبة ومثقفين وأفندية وغيرهم، وقد أمضوا الساعات الطوال في تقليب القضية وبحث المشكلة وتحدياتها وكيفية الخروج من أوارها مع تقليل الخسائر، أو على الأقل حقن ما تبقى للناس من دماء وإيقاف ما يحدث من إراقة لماء الوجه. أما هذا اللقاء الصحفي؛ فقد كان أهل الحرفة من الصحفيين هم زينته وحداته، وكأن حمدون يؤكد ذات الفهم عندما قال مخاطباً الحضور: أهل مكة أدرى بشعابها. وترك الكلام لمن أراده من الحاضرين وظل مستمعاً أكثر منه متكلماً. الدكتور عبد الله علي إبراهيم، الأستاذ بجامعة الخرطوم والكاتب الذي يحلو له أن يكون صحفياً وأن يعامله الناس على هذا الأساس، أرسى قيمة أساسية من قيم الوفاء بالوعد عندما اعتذر للسيد ياسر سعيد عرمان مرشح رئاسة الجمهورية عن الحركة الشعبية لتحرير السودان، عن مرافقته إياه لمنطقة البجراوية بنهر النيل لأنه على موعد مسبق مع حمدون الذي يبدو أنه قدَّم الدعوة للدكتور قبل وقت كافٍ مكنه من الالتزام أولاً ثم الحضور والمشاركة ثانياً. ولما كانت المشكلة التي تمت إثارتها من قبل المرشح لولاية الخرطوم آدم طاهر حمدون تتلخص في رفع القيود عن الصحافة ومساحة الحريات الصحفية الموجودة الآن وكيفية التصدي لمعوقات النشاط الصحفي وخلق البيئة المناسبة للعمل الصحفي في ولاية الخرطوم؛ فإن الفكرة قد راقت للدكتور حينما دعا لأن تكون الصحافة سلطة رابعة بحق وحقيقة، وأن ترفع عنها كافة القيود القانوية والإدارية. وأن تسمح السلطات بتدفق المعلومات. ولعمري فإن الصحافة تعاني من مشكلات حقيقية وهذه المشكلات هي التي تحول دون قيامها بالدور المناط بها في هذا البلد المترامي الأطراف والذي يعاني إنسانه من ضعف الوعي السياسي والتخلف والأمية وهي بحاجة ماسة - أي الصحافة - لأكثر من جهد سياسي واقتصادي واجتماعي كي تتجاوز ما تعانيه من مشكلات وعلى رأسها الحرية التي طال انتظارها طويلاً حتى تم رفع القيود عن الصحافة. ولكننا الآن نسمع الأحاديث والأقوال التي تنادي بحماية الصحافة من نفسها وحماية المجتمع من الأضرار التي يمكن أن يسببها النشر وهي قضايا قديمة متجددة ولكنها لا تحد من حرية الصحافة في مجتمع ديمقراطي اختار هذا الطريق مثل المجتمع الأمريكي الذي تنهض فيه الجمعيات والروابط الخاصة بحماية المجتمع الذي يتعاطى وسائل الإعلام في أشكالها وصورها المتعددة من إذاعة وتلفزون وصحافة مقروءة، وهي منظمات تتولى مهة الرصد لإخراج المضامين التي تضر بالمجتمعات وتتولى معالجة ذلك من خلال الضغط على وسائل الإعلام لمراعاة القيم الاجتماعية في ما هو منشور ومتداول، وبالإضافة إلى هذه الروابط تتولى الاتحادات المهنية مثل اتحادات الأدباء والكتاب والصحفيين والحقوقيين كثيراً من الأدوار تجاه حماية المجتمع من الانحراف الذي يمكن أن ينجم عن الصحافة وهي تتعاطى الأخبار والتقارير المتصلة بالمجتمع بغير قصد أحياناً وبقصد أحياناً أخرى. وهذه الحماية ليست هي التي نطالب بها حمدون إذا صار والياً للخرطوم وإنما الذي نطلبه منه هو تهيئة السبل التي تجعل الصحافة قادرة على القيام بدورها والتصدي لقضايا إنسان الولاية من غير عوائق أو عراقيل أو حتى محاكم كما كنا نسمع ونقرأ من خلافات بين الصحافة وولاية الخرطوم في ساحات المحاكم والقضاء. وحل مشكلات التوزيع وإخراج الصحافة من وهدتها المكانية المتمثلة في كونها صحافة خرطومية لا تخرج من العاصمة ولا تعرف طريقها إلى الولايات الأخرى، إذ أن ما يربو على السبعين في المائة من مبيعات الصحف هي بالخرطوم حسب الإحصائية التي قدمها الصديق النور أحمد النور رئيس تحرير جريدة الصحافة في ذلك اللقاء. ومما ذكره النور من مشكلات تواجه صناعة الصحافة أن التوزيع داخل العاصمة صار يعاني من مشكلات بعد أن قامت السلطات في الولاية بإزالة العديد من أكشاك بيع الصحف بالعاصمة وصارت أحياء بكاملها لا توجد بها مثل هذه الأكشاك ولا يمتلك السودان أياً من مدخلات صناعة الصحافة بخلاف البشر حيث لا توجد مصانع للورق ولا أحبار ولا يتلقى الصحفيون أي نوع من التدريب بخلاف التدريب الذي يجدونه أثناء الخدمة وهو تدريب لا يراعي عنصر الزمن في امتلاك الصحفيين ناصية الخبرة في وقت وجيز. وإذا تم شحن الصحف بالطائرات إلى أقاليم السودان فهي تعامل معاملة البصل والسلع الأخرى ولا تجد المعاملة الكريمة والنظر إليها على أنها مادة للتثقيف والتعليم تتطلب قدراً من المعاملة المغايرة للسلع المستهلكة في غذاء البطن. ولما كان الأمر جليلاً بهذا القدر فإن المرشح لوالي الخرطوم لا يملك إلا أن يطلب جهد المجتمع كله في حل هذه المشكلة التي تواجه الصحافة والتي احتلت موقعها المتقدم في الاستثمار من القطاعين العام والخاص مع تحقيق العدالة في الفرص أمام الصحافة لا سيما فرص الإعلان. وهذا يحتاج لتغيير المفاهيم المتصلة بالإعلان ليصبح تقديم الإعلان للصحف بناءً على معدلات التوزيع وليس لأي معيار آخر وهذا البعد يستفيد منه المعلنون ويستفيد منه السوق في ولاية الخرطوم وغيرها من الولايات. لقد تميّز حضور اللقاء بالتنوع إذ ضم صالون حمدون الرجال والنساء من أهل المهنة كما ضم إعلاميين من كافة مشارب الإعلام وبالذات الإذاعة والتلفزيون فهو لم يستثن أحداً من الدعوة حسب علمي وكان التداول قد تميز بالحيوية والانفعال بالقضية التي هي قضية المدعوين أكثر منها قضية صاحب الدعوة. وقد تناول جل من حضر هذا اللقاء الأمر من زاويته الخاصة أو صحيفته سواء أكان ذلك في الأخبار أم التقارير، ومنهم الأستاذة والأخت منى أبو العزائم التي كتبت في زاويتها اليومية المقروءة بصحيفة الوفاق وغطت اللقاء بالكلمات وأثنت على الفكرة ووصفت الحضور بأنه نوعي وكتبت صحيفة التيار والأهرام اليوم والانتباهة وكتب الصحفي النشط خالد سعد بالصحافة تحت عنوان «قضايا الصحافة ضمن أجندة انتخابية» قال خالد: أخيراً انخرطت قضايا الصحافة والصحفيين في أجندة الانتخابات حامية الوطيس هذه الأيام، حيث طرحت مجموعة من الصحفيين والمثقفين والسياسيين حزمة من القضايا المتعلقة بالمهنة على طاولة المرشح. وقال مقتبساً مما أوردته الأستاذة منى أبو العزائم وهي ترأس تحرير مجلة أيام وليالي؛ لا بد من توفير المناخ الملائم للصحافة من أجل الانطلاق نحو الأمام مع الالتزام بحرية مسؤولة في العمل الصحفي فضلاً عن العدالة والمساواة في توزيع الإعلانات الحكومية. كما أورد رأي الكاتب والمحامي بارود صندل رجب: إن الأساس في أي عمل صحفي هو إتاحة الحريات. والذي انتقد قانون الصحافة والمطبوعات لعام 2009 م واعتبره مقيداً للحريات ولا يساعد على تطوير المهنة وانتشار الصحف. أما الدكتور عبد الله علي إبراهيم فقد كتب في عموده «ومع ذلك» بالأحداث: ميزة لقاء حمدون أنه بادر به بفضل مستشاره الصحفي والإعلامي المفوه السيد الطيب إبراهيم عيسى ولم يستغرق المرشح سوى دقائق ليفتح الباب للحضور للإدلاء بدلوهم ويصمت صمتاً جميلاً. وأنا إذ أضم صوتي إلى صوت الدكتور عبد الله وهو يتقدم بالشكر لحمدون وطاقمه على ذلك الإفطار الدارفوري العبق؛ حري بي أن أتقدم بالشكر للأستاذة هدى سكرتيرة مكتب الأستاذ حمدون وهي شابة نشطة ومضحية بوقتها وجهدها وهي صاحبة فكرة اللقاء وقد جمعت حولها من يعينها على تقديم الدعوة لذلك الحضور الأنيق.