ثقة مفرطة أخذت تتسلل في دواخل غالبية المرضى تجاه التداوي بالاعشاب، ولعل ذلك يعود إلى كثرة تناولهم للعقاقير الطبية، الأمر الذي أضعف مفعولها تجاه المرض، أو قد يكون السبب بحثهم عن ملاذات آمنة بعيداً عن المضاعفات التي أخذت تظهر جراء تناول كميات كبيرة من تلك العقاقير في شكل امراض متعصية ما بين الفشل الكلوي والسرطانات. وبعيداً عن هذا وذاك نجد أن هنالك من بهرتهم أساليب الدعاية والإعلان التي تسوق بها عيادات التداوي بالأعشاب والعشابين عن مفعول سحري تحدثه تلك الأعشاب. ولواحد من تلك الأسباب يتجه العديد من المرضى إلى هذه العيادات، أو كما قال لي أحدهم: حتى اذا لم نجد فيها العلاج الشافي قد يكون ضررها أخف ويمكن تداركه.. ليستدرك قائلاً: ثم ان العلاج الطبيعي هو الذي كان يعمل به أجدادنا قديماً. وعلى امتداد الشوارع والطرقات وداخل الاحياء وفي قلب المدن وأسواقها، تنتشر عيادات العلاج بالاعشاب وعطارات التيمان، بل اتجه بعضهم إلى التجول خلال عربات تحمل تلك الخلطات العشبية يتحرك بها بين الأسواق والمحطات وداخل الاحياء منادياً عبر مكبرات الصوت، ويستعين آخرون بالمنشورات التي يعلنون فيها عن براءات اقتراعاتهم في علاجات لأمراض فشل الطب في أن يجد لها ترياقاً.. بينما على الطرقات يجلس من تقل امكانياتهم المادية عن توفير المكان وكميات الاعشاب، ليفترشوا الارض ويعرضوا بضاعتهم الموضوعة أرضاً على الجوالات. اشكال تختلف وانماط تتشابه، عرض وطلب واقبال وجد حقه لدى المرضى ولازال، ولكن من يحق له ورود هذا المجال ليتحمل مسؤولية مرضى يقطع الألم احشاءهم وهم يبحثون عمن يخمد نيران تلك الآلام، ومن يحاسب من ورد هذا المجال بحثاً عن منافع المادة بدون خبرة أو مسؤولية؟؟ وعلى ركن قصي في أحد الأسواق الشعبية بمناطق جنوبي الخرطوم، دخلنا إلى إحدى العطارات التي أخذت توحي إلينا بضيق رقعة المكان على اتساعه، وشيخ كسا رأسه الشيب بعد أن ناهز عمره السبعين يقف بهمة ونشاط وبلا كلل أو ملل، يعطي هذا ويصف لآخر ويحدد لتلك بأن تأتيه في موعد لاحق ليعد لها الخلطة التي وعدها بإعدادها، وبعد أكثر من نصف الساعة استطعت أن اتحدث إلى الحاج عمر الأمين الذي قال لي: اعمل في العطارة والعلاج بالاعشاب منذ أكثر من ثلاثة وثلاثين عاماً، وقد اكتسبت خبرتي في هذا المجال من خلال وجودي مع والدي والتصاقي به، فتعلمت منه ما يكفي لدخولي هذا العالم. ولكن دعمت ذلك بالتعلم من خلال قراءة الكتب الخاصة بالاعشاب والطب النبوي، وكيفية تحديد المقادير وخلطها، وكمية الجرعات، وفي زحمة ذلك المكان لم يكن بامكانه التحدث إلينا بأكثر من ذلك، حيث ان هناك من يقف في الانتظار. ولكن لم يقف الأمر عند تلك العطارات، بل تمدد عند من عملوا على ترقية المكان والمعروضات وتعديل التخزين والاستعانة ببعض الوسائل الحديثة، ليطلقوا عليها مسمى عيادات للتداوى بالاعشاب والحجامة وتركيب الوصفات العلاجية والوقائية عند البعض، ففي السوق العربي كان لنا حديث مع إحدى العاملات في هذا المجال، وداخل إحدى العيادات تحدثنا إلى أميرة حسن التي بدأت حديثها لنا بقولها: ان التداوي بالاعشاب معمول به منذ عهد النبوة، ولكن أخيراً اتسعت رقعة التعامل به، وهي فكرة قديمة أصبح معمولا بها في كل الدول العربية والغربية.. ومعظم الدول المصنعة للعقاقير الطبية وعلى رأسها الصين تتداوى بالاعشاب والابر الكهرومغنطيسية، واشتهرت الصين ببراعتها في الطب الطبيعي الأصيل، وربما يعود ذلك إلى أن الاعشاب فيها تنمو بطريقة طبيعية، ونحن في السودان لا نملك سوى أنواع بسيطة من الأعشاب الطبية، وحتى هذا القليل لا يجد العناية والاهتمام الكافيين، وأغلب الأعشاب التي نعمل بها مستوردة.. وقد دخلنا هذا المجال أخيراً بعد ان لمس الناس فوائدها باعتبارها طبيعية وآمنة ولا تسبب آثاراً جانبية سالبة، والآن ارتفعت نسبة الاقبال على العلاج بالاعشاب إلى قرابة «60-70%». وعن كيفية تشخيصها للمريض تقول أميرة: اعتمد على شكوى المريض في تحديد آلامه وأعراض المرض، وفي حالات قد اعتمد على الفحوصات والتشخيص اذا كان قد تم تشخيص المرض، أو أطالب المريض باجراء بعض الفحوصات والتشخيصات للتأكد من الحالة المرضية. واعتمد على تسجيل بيانات المريض والوصفة التي يتناولها وتركيبة الوصفة وطريقة استخدامها لمتابعة حالته الصحية. وفي مجال الاعشاب نجد ان العشبة الواحدة متعددة الفوائد، وقد تستخدم في علاج أكثر من مرض. وفي حديثها عن بعض الأعشاب المعمول بها في مجال التداوي ولكن يتم استيرادها من الخارج، تقول أميرة: تعتبر أوراق الزيتون وزيت ثماره من أهم وأكثر الاعشاب المعمول بها لفوائدها في أمراض السكر وتخفيض ارتفاع ضغط الدم، ويستخدم في علاج معظم أمراض التهابات المسالك البولية، ويؤتى به من الدول العربية في سوريا ولبنان، كما نستخدم عشبة البابونج المساعد في علاج تقلصات المعدة والانتفاخ وغيره، من خلال تناوله مشروبا ساخنا مثل الشاي. ومن دولة الصين نستورد الجينسنج المساعد على تكوين الهيموقلوبين في الدم وفتح الشهية. ومن شمال افريقيا وآسيا يتم استيراد حبة البركة دواء كل داء، وتستخدم الحبة وزيتها.. ولأن معظم هذه الاعشاب يؤتي بها من الخارج تقول أميرة: إن هنالك تجارا يعملون في مجال استيراد تلك الاعشاب من أماكن انتاجها وبكميات كبيرة، ومن ثم يتم بيعها وتوزيعها. وختمت حديثها لنا بالقول: إن خبرتها في هذا المجال حوالي ست سنوات اكتسبتها عن طريق التعلم على أيدي خبراء في هذا المجال، ولازالت تقرأ وتتابع الكتب والمؤلفات عن التداوي بالأعشاب. وفي المنتدى الدوري لجمعية حماية المستهلك الذي نظمته الجمعية تحت عنوان «الطب البديل ودوره في النظام الصحي وتطبيقاته»، دعا المختصون إلى ضرورة تشديد الرقابة على الأدوية في مجال الطب البديل، عبر سن القوانين والتشريعات واللوائح المنظمة لتداول العقاقير التقليدية، مع العمل على تثبيت العشبة الطبية ذات المفعول الآمن الفعال. وأكدوا على منع تداول أي عقار أو عشبة غير مسجلة، خاصة أن كثيرا من العشابين بعيدون عن معرفة ما يبيعون. وتحدث مدير معهد النباتات الطبيعية والعطرية البروفيسور حسن السبكي، قائلاً إنه لا بد من الاهتمام باحصاء النباتات الطبيعية بالبلاد، وتوعية العشابين، وتقنين الأدوية العشبية المحلية والمستوردة على حد سواء، وتحديد طرق البيع والمنافذ، مع تدريب الكوادر العاملة في الطب التقليدي من أجل انجاح الطب البديل بالسودان، حيث ثبت أن 80% من دول العالم الثالث تهتم بالطب البديل، وان السوق العالمية له تمثل «60» بليون بمعدل نحو 15% سنوياً. وتحدث السبكي عن أن عمل العطارات في السودان يفتقد التنظيم وتعليم العاملين بها كيفية طرق التخزين السليم، وكيفية بيع هذه النباتات والالمام بأنواعها. وقال إن توصيات لجنة مشروع تنظيم وضبط تداول النباتات الطبية والعطرية ومستحضرات النباتات العشبية بولاية الخرطوم، كان أهمها ضرورة عمل احصائيات عن الانماط المحلية للاعشاب، وتوعية وتدريب العشابين. وتحدث عن عدم وجود قوانين للطب الشعبي في السودان. الأمر الذي ذهب في التحدث عنه رئيس اتحاد العشابين شاكر ابراهيم جويلي بالقول، إنهم في الاتحاد حاولوا تقنين عمل العشابين من خلال وضع قوانين مع وزارة الصحة واخضاعهم لدورات تدريبية لرفع وترقية مستوى الفهم لديهم، في حين توقع مدير ادارة النباتات العشبية بادارة الصيدلة بوزارة الصحة ولاية الخرطوم نجم الدين المجذوب، توقع صدور لائحة خلال الأيام المقبلة لتنظيم التداوي بالأعشاب. وقال إن الوزارة شرعت في وضع تشريعات للطب البديل، بجانب نشر ثقافة التداوي بالطب البديل من خلال حملة توعية للاطباء لوصف الادوية الطبيعية، وانه قد تم تسجيل «60» دواءً من أصل نباتي، وقال ان رضاء المريض عن الخدمة التي يقدمها له العشاب هي التي تولد الرغبة في دواخل الناس للعلاج به، وهذا حقق جزئية في النظام الصحي تعد سلبية لدى الاطباء، وقال ليس من الصعوبة اصدار قرار بإيقاف أي عشاب عن بيع ومداولة أي دواء غير مسجل بالمجلس الطبي، ولكن نحن نخاطب عقول الناس. وقال دكتور صلاح سوار الذهب إنه يجب منع تداول أية عشبة غير مسجلة عبر سن التشريعات والقوانين، وقال إن التشريعات تمنع اعطاء أي دواء غير مسجل، وقال ان وزارة العدل أوقفت تسجيل براءة الاقتراع الخاصة بالطب البديل بناءً على طلب لجنة الصيدلة بالمجلس الطبي، لوجود معلومات مضللة. ووصف صرف أي دواء غير مسجل بالمجلس بأنه جريمة، وأن المجلس استصدر قراراً من وزارة العدل يوقف منح براءة الاقتراع للعشابين.