بهذه الكلمة الوارفة تستقبلك تونس الخضراء لتذهب عن نفسك بعض ما قد يعتريها من وعثاء السفر وطول الطريق ووحشة المطارات ، وبكلمة واحدة ( يعيشك ) مصحوبة بالالفة التونسية القريبة من الوجدان ترحب بك المدينة التي احتفظت لنفسها في كتاب التاريخ بآلاف الصفحات التي تحكي عظمة الحضارة العربية والاسلامية بدعوة من اتحاد الكتاب التونسيين الذي تترأسه الشاعرة الجميلة جميلة الماجري صاحبة (لغة الطير ) (وديوان النساء ) وقبل هذا وذاك صاحبة الذوق الرفيع والادب العالي – بدعوة من هذا الاتحاد الذي احتل موقعا قريبا من شارع بورقيبة في قلب تونس العاصمة دخلت الى المدينة لاول مرة رفقة الكاتبة الروائية بثينة خضر مكي ( صورة المرأة العربية في كتاباتها ) عنوان كان كافيا لتحفيزي للمشاركة في هذه الندوة في الفترة من 6-8 مارس الجاري بمشاركة معظم الدول العربية ليطرح ذلك السؤال الصعب كيف صورت المرأة العربية نفسها شاعرة أو ساردة ؟ هل هي صورة نمطية واحدة تتردد أصداؤها وتتمايز تلاوينها في المدونة الابداعية العربية ام انها بانوراما من صور قدت من خامات شتى وادوات تختلف ؟ كيف كانت هذه الصورة حيزا دالا معبرا عن حضورها في الحياة الاجتماعية والثقافية والادبية والسياسية؟؟ وجاء الافتتاح الجميل ليضع اولى محاولات الاجابة عبر كلمة السيدة رئيسة الاتحاد والسيد عبد الرؤوف الباسطي وزير الثقافة والمحافظة على التراث والذى ألقى كلمة اعتبرها الجميع ورقة مهمة من أوراق عمل المؤتمر لفرط ملامستها لموضوع الندوة ولتسليطها ضؤا موضوعيا على قضية المرأة والكتابة في المجتمعات العربية برؤية بصيرة تونس تمطر ..شوارعها المبللة بالطل واشجارها المسرفة في الخضرة وازهارها المتفتحة في كل مكان المظلات السوداء التي تملا طرقات المدينة بدت لي غير مناسبة لعرس الطبيعة العجيب هذا .. وخيل إلي للحظة ان لو كان الامر بيدي لاستبدلت كل مظلة سوداء باخرى اكثر بياضا ليكتمل الزفاف !! مفاجئ بالنسبة لي كان التشابه الذي يقترب من التطابق في عرض مناخات الكتابة النسوية في الوطن العربي مع فرادة بدت لي واضحة وأشرت اليها في ورقتي عند التطبيق على الحالة السودانية . وأنا هنا أزعم ان غياب شخصية (الحكواتي ) الموجودة في كل البلدان العربية عن المشهد الحكائي السوداني قد ضاعف اهمية دور الجدة او العمة او الخالة تلك التي شكلت اولى عتبات التخيل والتأمل في وجدانات معظم الاجيال التي ترسم ملامح المشهد الثقافي السوداني الآن عبر الاحاجي الجميلة الموغلة في اسطوريتها وغرائبيتها وفضاءاتها الغامضة وان وجود المرأة الشاعرة في الثقافة السودانية عبر ليالي الحناء ( البنينة ) وعبر أغاني( السيرة ) و(المناحات ) حتى عهد قريب وأغاني البنات كابداع نسوي خالص كانت له قراءاته المتعددة التآويل قد هيأ الذائقة السودانية للتعاطي بتصالح اكبر مع المنتج الابداعي النسوي اضافة الى ان اول الانغام الشعرية التي يسمعها الطفل تأتي عبر صوت امه وهي تهدهده با لامنيات وترى فيه صورة الرحل المثال وتبدو قدرة النساء واضحة على اضافة ما شئن الى تلك المنظومات المتوارثة والمجهولة القائلة في كثير من الاحوال ولا انس الدور الكبير الذي تلعبه شخصية الحكامة في مجتمع عريق وكبير مثل المجتمع الدارفوري. الشهادات الابداعية كانت غاية في الصدق وقد علقت بذاكرتي بعض تلك الاوجاع النسوية الابداعية الدكتورة الشاعرة ابتسام المتوكل من اليمن جاءت لتسلط الضؤ على تجربة احدى اهم الاصوات الشعرية اليمنية الشاعرة فاطمة العشبي وبدت لي مذهلة تلك الرحلة الممتدة من اعماق التقاليد الرافضة لتعليم المراة ابتداءا ناهيك عن كتابتها هناك في عمق الريف اليمني الصارم وكيف واصلت هذه الشاعرة ابنة زعيم العشيرة الحفر على صخر الواقع المتآمر على حلمها وكيف كان ايمانها بشاعريتها أوسع من القبر الذي حفره ابوها لها في دارهم توعدا بأن النهاية ستكون اقرب من عنادها لتبدأ رحلة الهروب الحقيقي والمجازي لتكون احدى اهم شاعرات اليمن !! الشيخة الشاعرة الرقيقة ميسون صقر القاسمي من الامارات روت شهادتها حالة خاصة لأميرة شاعرة ابنة حاكم شاعر هو ايضا وكيف كانت التقاليد احيانا أقوى من شاعرية كليهما لتبدأ رحلة الاصرار الجميل والنبيل والتي لم تكن سهلة حتى وصلت الشاعرة الى ما وصلت اليه وشقت المرأة الاماراتية طريقها في الحياة العامة وفي الابداع الادبي والثقافي بكثير من الثقة بالذات والمقدرة على إحداث النقلة المطلوبة وعلى ذات النهج جاءت تجربة الشاعرة والروائية صالحة غابش والتي تؤمن تماما بان المراة الآن تعيش عصرها الذهبي الشاعرة نجاة العدواني من تونس شكلت تجربتها ملمحا مهما ذلك ان المتابع لمنجزات المرأة التونسية والتي يغبطها عليها الكثيرات في الوطن العربي لا يستطيع ان يتصور ان شاعرة تونسية قد خاضت هكذا تجربة حبست فيها بالدار ومنعت من الخروج ولما كانت تتسلل لحضور الامسيات الشعرية أقدم والدها عى حلق شعرها لابقائها في الدر فما كان منها الا ان ارتدت زيا رجاليا وذهبت لحضور الامسية الشعرية في مشهد شديد الطرافة والايلام في آن واحد كأنها ارادت ان تقول اذا كان شرط كتابتي ومشاركتي ان اكون رجلا فها انا ذي!! من الاردن جاءت الكاتبة الروائية سميحة خريس المتزوجة من سوداني والملمة بتفاصيل المسميات والاغنيات والثقافة السودانية البحرين حضرت عبر الدكتور علوي الهاشمي الشاعر والاستاذ الجامعي المتحمس لقصيدة النثر دون ان يكتبها وقد اسعدني لعب دور اشعال المزيد من نيران الاسئلة في الجدال الذي دار بينه وبين الاعلامية والشاعرة الموريتانية مغلاها بنت الليلي ( ما اغلاها) حول قصيدة النثر !! ايضا كانت من البحرين الروائية والقاصة فوزية رشيد برؤاها الواضحة وملاحظاتها الصريحة حول ما تجنب معظم المتحدثين الخوض فيه الجزائر كانت حاضرة عبر صوت الدكتورة شادية شقروش بشخصيتها المريحة وصوتها الجميل الذي سعدنا به محاضرا حول تجربة الروائية زهور ونيسي وسعدنا به مرددا (جادك الغيث اذا الغيث همى) في رحلتنا عبر الباص من مكان الى آخر احدى الليالى التى احسست بها تغوص عميقا في فضاء ذاكرتي كانت تلك الليلة التي غنت فيها الفنانة التونسية سونيا مبارك بصوتها الذي يقترب تارة من صوت اسمهان كما علق الدكتور الناقد المصري احمد درويش ومن صوت سعاد محمد تارة اخرى كما علقت الشاعرة المصرية المميزة ايمان بكري في تلك الليلة غنت سونيا مبارك بالعربية وبالايطالية وبالاسبانية وبالتركية !! غنت لأبي القاسم الشابي ولنزار قباني ولجميلة الماجري ولخالد الوغلاني وللوركا ولناظم حكمت ولكبار الشعراء التونسيين كأبدع ما يكون الغناء حضور آسر وثقافة عالية وجمال ارستقراطي وقصر منيف هل هي احدى ليالي الف ليلة أم انها امسية عائدة من امسيات الاندلس او البلاط العباسي!! من السعودية كان الدكتور عالي القرشي والدكتورة فاطمة الياس دارسة الطب التي هربت الى الانجليزية والادب سوريا دكتور غسان غنيم و القاصة سناء عون و الشاعرة الدكتورة ابتسام الصمادي التي ظلت تذكرني بايامها الجميلة في الخرطوم عندما صدحت في مهرجان الابداع النسوي الذي اقامه اتحاد عام المرأة السودانية 2002 ( انا لا احبذ ان اكون النهر كي لا احتوى في ضفتين واود لو اغدو التدفق عينه كي لا اكرر مرتين !!) الشاعرة العراقية الكبيرة ساجدة الموسوي الصامدة ككل العراقيات همست في اذني (لماذا لا تنظمون في السودان امسيات عربية شعرية تدعون اليها من يحبونكم من الشعراء وما اكثرهم !! ) فأخبرتها بحلم (شاعرات على النيل ) المهرجان الذي أنوي تنظيمه ضمن مبادرات الامانة الثقافية بالاتحاد العام للمرأة السودانية وليتني أفي .ِِ من سلطنة عمان الجميلة وفلسطين الحبيبة وليبيا الجارة والكويت الصديقة ولبنان الساحر والمغرب العريق ومصر الشقيقة جاؤوا يضيفون رؤاهم وافكارهم ويعرضون تجاربهم وتجارب بلدانهم الى جانب المشاركة التونسية القيمة عبر ادباء واديبات تونس والذين احتفوا بنا ايما احتفاء يتقدمهم الشاعر المميز محمد الهادي الجزيري والذي تكرم باهدائي آخر دواوينه ( لا شئ في مكانه ) والذي سأعود الى قراءة نقدية له لاحقا آخر الأكف التي صافحتها وأنا اهم بمغادرة المدينة الخضراء كان كف السيدة ليلى بن علي حرم رئيس الجمهورية التونسية رئيسة منظمة المرأة العربية وذلك في الاحتفال الكبير الذي اقيم في قصر قرطاج الفخم وقصة مؤسسته الملكة عليسة أو اليسار أو اليسا كما يطلق عليها تضيف الى بهاء الاحتفاء بهاءا والى جلال اللقاء جلالا نسويا خاصا دخلتها وهي تمطر وغادرتها وهي تمطر وبين ( لا باس ) و ( برشا ) و (يعيشك) يعلق بالقلب غصن محبة اخضر يظل مرفرفا على بوابة الحنين