يبدو لمراقب الأوضاع أن هناك صحوة في البرلمان وبعض أجهزة الدولة لجهة التمسك بالقوانين واللوائح والمؤسسية والمحاسبة وطهارة اليد ومحاربة التجاوزات بكافة أشكالها،الأمر الذي منح البرلمان حيوية ومجالا للتحرك في «مساحة لها سقف محدود «، وساعده في ذلك اهتمام الصحف التي باتت تمنح مساحة واسعة لهذا النشاط على خلفية شعارات الثورات العربية ،ولم يقصر بعض مسؤولي البرلمان الذين صارت أسماؤهم مادة دسمة ومتكررة في بعض الصحف بصورة تدعو للتساؤل أكثر من كونها ملفتة للنظر لأنهم لم يعرفوا بأنهم دعاة إصلاح وحق ومناصحة. وبرزت على السطح خلال الفترة السابقة عدة ملفات مرتبطة بالتجاوزات والفساد منذ التقرير الذي طرحه المراجع العام ومتابعة اللجان المختصة له حتى سلكت بعض القضايا طريقها إلى النيابات والمحاكم ووزارة العدل للتحقيق،وان لم تعلن محاسبة أي شخص حتى الآن أمام القضاء ،ولكن بعض قادة المؤتمر الوطني رأوا أن الأفضل انتهاج «فقه السترة» في محاسبة منتسبيهم من المسؤولين في الدولة أمام لجنة حزبية ولا أدري هل اتجهت تلك اللجنة إلى التسويات والإقالة أم الزجر والعفو؟!. وآخر القضايا التي ثار جدل حولها وتبنتها لجنة برلمانية هي أداء الهيئة العامة للحج والعمرة عقب موسم الحج الماضي، إذ اتهمت الهيئة بالتقصير ثم بارتكاب تجاوزات، ومثل مدير الهيئة أمام اللجنة المعنية التي شهدت اشتباكا بين المدير وبعض رموز اللجنة، ولكن منذ ديسمبر الماضي لم يجر تحقيق مستقل وشفاف في القضية لتحديد المسؤولية في التقصير أو التجاوزات، وجرت مياه تحت الجسر فتحولت القضية إلى صراع مصالح بين رموز وشخصيات ومسؤولين ،واستخدم الملف لتصفية حسابات في داخل مؤسسات وضاعت الحقيقة مع الغبار والدخان الكثيف الذي أثير حولها. وقبل يومين سربت جهات مرتبطة بقضية هيئة الحج والعمرة معلومات إلى بعض الصحف عن قرار صدر من وزير الإرشاد والأوقاف بإيقاف مدير الهيئة عن العمل وإحالته للتحقيق، ولم ينف الوزير ذلك في اليوم التالي مما يشير إلى أن تلك المعلومات صحيحة، بل أن من كان وراء نشرها لم يكن بعيدا عنه ،ترافق ذلك من تصريحات نارية من مسؤول برلماني يحاكم فيها مديرالهيئة قبل أن تحقق معه لجنة الوزير،لكن مدير الهيئة الذي أمضى استراحة محارب في داره عاد وباشر عمله كالمعتاد بعد تدخل جهة نافذة على ما يبدو،ونفى في شدة أن يكون تسلم من وزير الإرشاد قرارا بإيقافه عن العمل وإحالته للتحقيق،وما لم يقله إنه عين بقرار رئاسي وأن الوزير لا يستطيع إيقافه أو إقالته إلا بموافقة الرئاسة. مثل ملفات عدة سبقته فإن الحقائق في ملف الحج والعمرة ستضيع وسط صراع النفوذ والمصالح ،وان كانت هناك فائدة من هذا الصراع فإنه دفع إلى السطح معلومات لم يكن من الميسور التعرف عليها في حال لم يتعارك أصحاب النفوذ والمصالح، وان اختلف «الاثنان بانت الحقيقة» على وزن إذا « اختلف اللصان «،ولكني لو كنت في موقع وزير الإرشاد لانتفضت من أجل كرامتي وتقدمت باستقالتي فورا ولكن...!!