ما يحدث في الهيئة العامة للحج والعمرة منذ منتصف الأسبوع الفائت، أمر مضحك جدا..هو ليس بحدث مفرح، بل هو نوع من شر البلية الذي يظهر حال المؤسسية في البلد كما حال فرقة ست الجيل.. وتلك كانت فرقة نسائية تشارك في جلسات الزار التي تنظمها ست الجيل لمكتئبات بعض القرى النوبية ومجنوناتها، وكل عازفة فيها كانت تعزف حسب هواها، وخلفهن تغني ست الجيل ليلاها، ولا رابط ما بين ألحانهن وغناء ست الجيل، أي محض فوضى لاتطرب غير (المجنونات).. وهكذا تقريبا لسان حال المؤسسية في بلادنا، وتأمل ما يحدث نموذجا فقط لاغير..وزير الإرشاد والأوقاف، بأمر مجلس الإدارة، أصدر قرارا بإيقاف مدير عام هيئة الحج والعمرة ثم أحاله إلى لجنة تحقيق، لتحقق معه حول قضايا إدارية وأخرى مالية، أوهكذا نص القرار الذي تصدر قائمة أخبار صحف الخميس .. ولكن، يبدو أن هذا اللحن الوزاري لم يرق مدير الهيئة، ولذلك رفض الاستماع إليه والتفاعل معه، وشرع يعزف في لحنه الخاص، أي رفض الانصياع لقرار الوزير ولايزال يباشر أعماله، ويبرر ذلك بقوله للوزير (إنت ماعينتني عشان توقفني وتحاسبني، عيني رئيس الجمهورية) ..!! ** هذا ما يحدث، بحيث لم تعد لوزارة الإرشاد سلطة على إحدى هيئاتها، أو كما يبرهن مدير الهيئة برفضه تنفيذ القرار الوزاري.. وهنا نسأل بكل براءة: ما قيمة هذه الوزارة طالما الهيئة بكل هذه القوة والنفوذ ؟ سؤال مشروع، ولكن الأمر ليس كذلك، فليست لهذه الهيئة أية قوة ولانفوذ، فقط الوزارة هي الضعيفة.. أي حالهما كما حال الزوجة التي حين تكتشف ضعف شخصية زوجها، تسيطر على مقاليد حياته (جوة وبرة).. فالهيئة اكتشفت - أخيرا - بأن وزارتها ضعيفة، فتمردت عليها حاليا، وربما تسيطر عليها لاحقا..هل أريكم من وكيف تم إضعاف هذه الوزارة، وغيرها أيضا ؟.. حسنا .. لهذه الهيئة مجلس إدارة من مهامه ترشيح بعض النفر لمنصب المدير، فتستلم الوزارة ترشيحاته ثم تقدم أحدهم لرئاسة الجمهورية، وتصدر الرئاسة قرارا بتعيين هذا المرشح من قبل المجلس والوزارة ..هكذا يتم التعيين، ومدير الهيئة يعرف ذلك، ولكنه (يتغابى العرفة)، ويتمسك ب (إنت ما عينتي، عيني الرئيس).. ثم بعد ذاك التعيين، لمجلس الإدارة سلطة مراقبته ومحاسبته، بل و(استبداله بآخر)، بذات التسلسل الهرمي الذي تم تعيينه به.. ولكن مجلس الإدارة لم يتجرأ لفعل ذلك بعد، وكذلك الوزارة لم تفكر في أمر كهذا بعد، ليس لأنهما - المجلس والوزارة - يجهلان النظم واللوائح، بل لأن نفوذ المدير صارت هي الأقوى من المؤسسية ونظمها ولوائحها، ولذلك يتحداهما بقوله (عيني الرئيس) ..!! **والتهم الموجهة للهيئة - حسب تقرير لجنة تقصي الحقائق التي شكلها البرلمان قبل نصف عام، هي: التلاعب في أموال الحجاج وتحويلها الى منافع شخصية، وتسريب آلاف التأشيرات إلى السوق خصما من حصة السودان الرسمية، وتمتع قيادات بالهيئة بامتيازات مالية بغير وجه حق، ثم انتهاج النهج الإحتكاري عند تأمين الحجاج وذلك بفرض شركة شيكان عليهم..تلك هي التجاوزات، وهي - فعلا - ترقى الى مستوى الفساد الإداري والمالي، أو كما يقول رئيس اللجنة الاجتماعية بالبرلمان للرأي العام منذ ثلاثة أشهر، ثم أعاد تذكير الناس بها حاليا .. وكل تلك التجاوزات موثقة في تقرير اللجنة البرلمانية منذ العام الفائت، ومع ذلك كما عجزت الوزارة ومجلس الإدارة عن مساءلة مدير عام الهيئة، فالبرلمان أيضا عاجز عن محاسبة وزير الوزارة ، ومرد العجز هذا هو (النفوذ أيضا)..أي يستقوي المدير بنفوذه على الوزير، فالوزير أيضا يستقوي بنفوذه على البرلمان ..وهكذا حال نموذج من نماذج المؤسسية ومافيها من مساءلة ومحاسبة ، بحيث كل ما أصبحت نافذا في هيئة ما أو وزارة ما ، تكون في (أمن وأمان)، مهما قالت تقارير التحقيق والمراجعة ومهما (نبحت الصحف).. !! إليكم - السوداني [email protected]