يعيش المواطنون الذين يقطنون على ضفا ف الأنهار وفى القرى والمدن العشوائية فى مثل هذه الأيام من كل عام، هاجس السيول والفيضانات، رغم أن هذا الفصل بشهوره وأيامه، بل وساعاته، معروف عند أهل العلم من اختصاصيى الإرصاد وأهل الخبرة من عامة المواطنين، خاصة الذين يمتهنون الزراعة. ولكن يظل هذا الهاجس يمر علينا عاماً بعد عام بكل تفاصيله وقلقه وكوارثه وخسائره. ويظل أهل كسلا يتوجسون من غضبة «القاش» وأهل الشمال من هيجان النيل وأهل الجزيرة والنيل الأبيض من جسارة نيليهما الأزرق والأبيض، بينما يرتعد سكان أطراف المدن خوفاً من السيول، ونعانى ونشكو ونولول من كثرة المياه وغزارتها فى فصل الخريف، ونعانى أكثر من شحها وندرتها فى شهور الصيف.يحدث كل ذلك والسودان يعج بكليات الهندسة التى تخرج الآلاف من اختصاصيي الري وهندسة المياه والجيولوجيا والإنشاءات والسدود والحفائر، وبجامعاته عدد من كليات الزراعة التى تفرخ أعداداً مقدرة من اختصاصيي الزراعة بكل مفرداتها، وبكل ولاية وزير للشؤون الهندسية ووزير للزراعة، ولكن لم يقم كل هؤلاء بإعداد البحوث والدراسات التى تعالج وتوجد الحلول لمعاناتنا المزمنة، وعن كيفية الإفادة من الكميات الهائلة من مياه الأمطار والأنهار. كيف يمكن تخزينها، وما هى وسائل وتقنيات هذا التخزين، وكيف يمكن الاستفادة منها عند شحها في أشهر الصيف، كيف يمكننا تحويل ونقل هذه المياه إلى كردفان، كيف يمكن إحياء موات صحارى الشمال وجلب الخضرة والنماء إلى سهول البطانة وبلدات النيل الأبيض، وما هى أنجع السبل لإرواء عطش أهلنا فى الشرق من هذه الثروة المهدرة؟ إن الأموال التى تخصص كل عام لدرء آثار السيول والفيضانات، يمكن أن تكفى بالتخطيط الاستراتيجي لتوفيرالتمويل اللازم لإقامة السدود والأنهار الاصطناعية والخزانات وحفر الأودية والإفادة من الأودية الطبيعية «وادى المقدم»، لتنفيس الأنهار فى مواسم الفيضانات. كما أن هذه الأموال تكفى لزيادة عمق نهر القاش الذى كان يسمح لأهلنا فى الشرق بالمرور تحت جسره على ظهور إبلهم في السبعينيات من القرن الماضى، وأصبح الآن لا يسمح للراجلين بالمرور إلا حبواً. وهى يمكن أن تغطى تكلفة كورنيش على امتداد ضفافه وشق ترع جانبية تستثمر فى ري سواقي كسلا وتوفير المياه العذبة للعطشى من أهل الشرق. ونتحدث هنا عن التفكير الإيجابى مقابل التفكير السلبي كالذى يكون لجنة عليا لحماية كسلا من غضبة القاش «الصحافة 5/8/2008م» تبدأ بتوفير المال اللازم لتسيير أعمالها، ويقوم برنامجها على توفير الإغاثة اللازمة تحوطاً لكوارث متوقعة. فبدلاً من تصويب التفكير نحو منع الكارثة، يكون تفكيرنا مصوباً لدرء آثار كارثة لم تقع بعد، لأنه أصبح يقيناً أن الكارثة واقعة لا محالة، ولا يمكن منعها لأننا عاجزون عن التفكير الإيجابى فى عصر إدارة الجودة الشاملة التى تمنع وقوع الخطأ وبالتالى توفر تكلفة تصحيحه. وكان أجدادنا يمنعون القاش من تخريب كسلا بتعميق مجراه باستخدام الأدوات البدائية من «الكاواريق والقلايب» وعجزنا نحن عن حذو حذوهم مع توفر الحفارات والقلابات التى يمكن بها أن نعمق مجراه من منبعه إلى دلتاه، وتحويل هذه الدلتا إلى إكسير حياة لرعاة الشرق ومزارعيه كما كان إبان عهد الاستعمار!! أليس هذا هو العجز بعينه أيها المسؤولون عن الري ودرء الكوارث فى بلد المليون ميل مربع «سابقاً» ؟ والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل. [email protected]