يُروى عن الخليفة الراشد، عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه كان سائراً فى طرقات المدينة -كعادته ليلا- يتفقد الرعية فسمع صوت طفل صغير يبكى، فاقترب وسأل: ما بالُ الصغير؟ ثم قال لأمه بالله عليك أنمي الصبى، و ذهب يكمل جولته الليلية، و مر عليهم مرة أخرى فتكرر ذات الموقف، فقال لها: ما باله؟ فقالت: دعنى فإن ابن الخطاب لا يعطي إلا من فُطم وأنا أعلل الصبى أريد فطامه، فبكى عمر -وكان وقت صلاة الصبح- حتى أن المسلمين لم يفهموا ما كان يقرأه من كثرة بكائه. وبعد صلاته وقف و قال ويل لك يا عمر يوم القيامة، كم يا عمر قتلت من أبناء المسلمين. وقال أيها الناس بالله عليكم من اليوم لا تعجلوا على أولادكم بالفطام فإن العطاء لكل مولود يولد فى الإسلام من لحظة ميلاده حتى لا أسأل عنه يوم القيامة. هذه القصة الشهيرة تتحدث عن الرباط القوى و المباشر بين عمر أمير المؤمنين و بين الصبي، فقرار عمر كان له تأثير مباشر على حياة الصبي و غيره من الأطفال. لقد كان عمر في ذلك الوقت يمثل - كحاكم- ما يعرف في زماننا هذا باسم الدولة. فأي طفل و طفلة في زماننا هذا ينتميان سواء كان بحكم الميلاد أو بحكم الإقامة مثلاً إلى دولة ما، تعتبر هي المسؤولة عنهما، وأي قرار يصدر عنها، أي عن الدولة، سواءً كان قراراً سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً أو إدارياً أو غيره سيؤثر سلباً أو إيجاباً على طفل فرد أو على مجموع الأطفال الذين تعتبر الدولة مسؤولة عنهم. ولقد اصطحبت اتفاقية الأممالمتحدة لحقوق الطفل و غيرها من اتفاقيات حقوق الإنسان ذات الفكرة. وكنا قد تساءلنا في لقائنا الأول عن المسؤول عن تحقيق حقوق الطفل و حمايتها؟ فالاتفاقية تخاطب الدولة باعتبارها هي المسؤول الأول و الأخير عن تحقيق حقوق أطفالها، و لا يجب أن يُفهم بأية حال من الأحوال أنها تُلزم الأفراد بل هي تلزم الدولة. و بصيغة أخرى: إن اتفاقية الأممالمتحدة لحقوق الطفل تُلزم ال 193 دولة -عدد الدول الأعضاء- بتحقيق حقوق أطفالها. و بناءً على هذا فهي تلزم بريطانيا والصين و كندا -مثلاً- بذات القدر الذي تلزم به السودان و الأرجنتين و النيجر. فليس لأي دولة أن تنصب نفسها مسؤولاً عن تطبيق الاتفاقية و ليس لأية دولة أخرى أن تتذرع بأنها مغلوبة على أمرها في شأن تطبيق الاتفاقية. و تجدر الإشارة هنا الى أنها تلزم الدولة: ذلك الكيان القانوني والسياسي و الذي له بقعة جغرافية محددة على وجه الكرة الأرضية بغض النظرعن النظام الحاكم في هذه الدولة. فحتى إن زال النظام في دولة ما، تظل الدولة ملزمة بتطبيق الاتفاقية. وعليه فإن الاتفاقية تنظم علاقة الطفل -وهو المحكوم- بالدولة ونظامها الحاكم، الذي من مسؤوليته الالتزام بتحقيق حقوق الطفل أو الطفلة مهما كان نوعها و الأمر في ذلك سواء بين الدول الغنية و الدول الفقيرة . تلزم المادة 4 من اتفاقية حقوق الطفل الدول الأطراف في الاتفاقية بأن تتخذ كل التدابير الممكنة لتطبيق الحقوق المعترف بها في هذه الاتفاقية، كما يمكن للدول الأطراف طلب العون الدولي في بعض الأحيان. هذا يعني أن الدولة هي المسؤول الأول و الأخير عن تحقيق حقوق أطفالها مهما كلفها الأمر، وأنه عندما يتعلق الأمر ببعض المتطلبات المادية الضخمة و التي لا تستطيع الدولة توفيرها مثلاً فإن الدولة ملزمة بطلب العون الدولي وأن بقية الدول ملزمة بأن تتعاون معها. ولكن التعاون الدولي مع بعض و كالات الأممالمتحدة المتخصصة مثل منظمة الصحة العالمية لا يجب أن ينتهي بأن تقوم المنظمة بدور الدولة، وأن تعتمد الدولة الفقيرة كلياً على الجهة التي تقدم الدعم الدولي، فالدولة العضو في الاتفاقية ملزمة بتحقيق ما يُعرف بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية للطفل والطفلة اللذين هي مسؤولة عنهما مثل الحق في التعليم والحق في الصحة وغيرهما و هي ملزمة بإثبات صدق سعيها لتحقيق الاكتفاء الذاتي ومنح جميع أطفالها جميع حقوقهم، لا أن تستمر بالتذرع بانعدام ما يسمى بالدعم الدولي. ومن المواد التي تجدر الإشارة لها في الاتفاقية المادة 24 التي تلزم الدول الأعضاء بأن تحقق للطفل والطفلة التمتع بأعلى مستوى صحي يمكن بلوغه، ويجب أن يتمتع الطفل والطفلة بمنافع الخدمات الصحية وإعادة التأهيل، كما يجب على الدول الأطراف بذل قصارى جهدها لتأمين الرعاية الصحية الوقائية وخفض وفيات الأطفال الرضع. وهذا الحق و غيره من الحقوق يشمل كما ذكرنا - سابقاً- كل الأطفال الذين يقعون تحت مسؤولية الدولة و ليس فقط أطفال الفقراء. و يحضرني في هذا الإطار ما شاهدته مؤخراً في أحد اللقاءات التلفزيونية، حيث سألت المذيعة ضيفها المسؤول في الحكومة عن أسباب تأخر إنشاء ذلك المستشفى الحكومي لعلاج الأطفال، و الذي وُضع حجر أساسه منذ عام؟ فأجابها أن تأخر الإنشاء سببه قلة الدعم المادي من أهل الخير! ولا أدري هل أهل الخير هم الذين و قعوا و التزموا بموجب اتفاقية حقوق الطفل أم دولة السودان! و الله ولي التوفيق [email protected]