تحدثنا في الاسبوع الماضي عن أن المسؤول الوحيد عن حماية حقوق الطفل وتحقيقها هو الدولة التي يخضع لولايتها الطفل أو الطفلة. و في سبيل أن تقوم الدولة بهذه المهمة فإن هناك منهجية معينة يجب أن تُتبع. ويشكل مبدأ عدم التمييزأحد أبرز أسس هذه المنهجية، أي أن الدولة يجب أن تقوم باحترام و تطبيق حقوق أطفالها و كرامتهم بدون أي نوع من أنواع التمييز أو التفضيل بين أي طفل دون الآخر. و قد رسخت المادة 2(1) من اتفاقية الأممالمتحدة لحقوق الطفل لهذا المبدأحيث تنص على أن الدول الاطراف يجب أن تحترم «الحقوق الموضحة في هذه الاتفاقية و تضمنها لكل طفل يخضع لولايتها دون اي نوع من انواع التمييز، بغض النظر عن عنصر الطفل أو والديه أو الوصي القانوني عليه أو لونهم أو جنسهم أو لغتهم أو دينهم أو رأيهم السياسي أو غيره أو اصلهم القومي أو الإثني أو، الاجتماعي أو، ثروتهم أو، عجزهم أو، مولدهم أو أي وضع آخر». إذاً فإن مبدأ عدم التمييز مهم لحماية حقوق الطفل جميعها و مهما كان نوعها سواءً كان حقاً في التعليم أو الرعاية الصحية أو اللعب أو غيرها من الحقوق. سنحاول أن نفسر أكثر عن الكيفية التي يعمل بها مبدأ عدم التمييز من خلال حديثنا عن أحد حقوق الطفل الأساسية و البديهية ألا و هو الحق في التعليم. ألم يكن أول ما نزل من الوحي على رسولنا صلى الله عليه و سلم هو قوله عز و جل « اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ « (العلق: 1-5)؟ و المصطفى صلى الله عليه و سلم يقول «طلب العلم فريضة على كل مسلم و مسلمة». تضمن المادة 28(1) من اتفاقية حقوق الطفل حق الطفل أو الطفلة في التعليم حيث تنص على أن الدول الاطراف يجب أن تعترف بحق الطفل في التعليم و تحقق الإعمال الكامل لهذا الحق تدريجياً و على أساس تكافؤ الفرص. كما أن هذه المادة تركز بوجه خاص على «جعل التعليم الابتدائي إلزامياً و متاحاً و مجاناً للجميع». لا يخفى على أحد حجم المساهمة التي يمكن أن يقدمها التعليم فيما يخص تنمية الفرد و المواطن و عليه فإن انفاق الدولة على التعليم يجب أن ينظر إليه «كاستثمار في الثروة البشرية للدولة» و التي تشكل الاساس في حركة التنمية في البلاد. و بالنسبة للتعليم الابتدائي فهناك إلزام أقوى بتوفيره مجاناً. و في منحىً آخر - و بحسب هذه الاتفاقية- فإنه يجب على الدول أو أيٍ من مؤسساتها- أن لا تقدم دعماً مادياً الى مؤسسات تعليمية تقيد قبول الأطفال فيها على أساس الانتماء الى فئة معينة . و أن لاتقدم الدعم المادي الى مؤسسات تعليمية تقوم بقبول الاطفال على أساسس مادى أو تعطي امتيازات خاصة لأطفال ينتمون إلى مجموعات معينة. أما بالنسبة لمسؤولية الدولة بضمان تحقيق حق الطفل في التعليم على أساس تكافؤ الفرص كما ذكرت المادة 28 من اتفاقية حقوق الطفل، فإن مبدأ عدم التمييز يتطلب من الدولة أن تولي الاهتمام الكافي إلى الفئات المستضعفة من الاطفال و خاصةً اطفال المناطق الريفية مقارنة مع اطفال المدن الكبرى كالعاصمة الخرطوم. و مما تجدر الاشارة إليه هو العدد الهائل من الاطفال الذين قضوا عطلتهم الصيفية تحت أشعة الشمس الملتهبة في شوارع العاصمة يبيعون الفاكهة و صناديق مناديل الورق و الليمون و غيرها من السلع. و كنت في أغلب الأحوال إذا توقفت لأشتري شيئاً من هؤلاء الأطفال أسألهم عن الأسباب التي رمت بهم في مثل هذه الظروف و كانت إجابة معظمهم أنهم يعملون لكي يجمعوا «مصاريف المدرسة». و من القصص المؤثرة ذلك الطفل (11 عاماً) -بائع الليمون- الذي ذكر لي أنه جاء خصيصاً من أم روابة إلى الخرطوم ليعمل حتى يجمع مبلغ 63 جنيهاً هي مصاريف المدرسة السنوية. هكذا قضى ذلك الطفل عطلته الصيفية على الرغم من وجود المادة 28(2) من قانون الطفل 2010 السوداني والتي تلزم الدولة بأن توفرالتعليم على مستوى الأساس مجانياً و إجبارياً. و هذا ينقلنا إلى الحديث عن نقطة أخرى مهمة و هي أن الدولة ليست ملزمة فقط بحماية الطفل على مستوى القوانين و التشريعات و لكن ايضاً بضمان تحقيق ذلك في الواقع. فالنص أحياناً يكون موجوداً في الدستور أو بعض القوانين التى تسهل للحصول على مساواة في الفرص ولكن التمييز يحدث من قبل السلطات العامة أو المجتمع أو الافراد و عليه فإن الدولة يجب أن تتخذ الاجراءات القانونية و الادارية المطلوبة لحماية الاطفال من مثل هذا النوع من التمييز. بالاضافة إلى ذلك فإن الدولة ملزمة بحماية بعض الأطفال من أن يقبلوا بمستوى تعليم أقل باعتبار أن هذا فقط هو المتوفر. إن مبدأ عدم التمييز يعني حماية الاطفال من أي نوع من أنواع الاستثناء او التفضيل أو التقييد على أساس العرق أو اللون أو الدين أو الجغرافيا أو غيرها والذي ينتج عنه أي تعطيل أو الغاء أوالتأثير سلباً أو انتهاك لحق الطفل أو الطفلة في أن يتعلما. و يجب على الدولة أن توفر التعليم بذات المستوى لجميع الاطفال الذين يقعون تحت طائلة مسؤوليتها. إن المواثيق الدولية تعتبر الحق في التعليم بأنه «حق غير قابل للمساس» مما يعني أن الدولة لا يمكنها أن تعدل في تطبيقه و تحقيقه حتى في حالة الظروف الاستثنائية مثل حالات النزاع المسلح و الكوارث الطبيعية و البيئية. و أختم حديثي بتوجيه رسالة إلى كل من له دور في تحقيق حقوق أطفالنا و الحفاظ عليها بقول الشيخ محمد الغزالي -رحمه الله- في كتابه حقوق الانسان بين تعاليم الاسلام و إعلان الأممالمتحدة «إن وظائف الدولة على إختلافها ليست إلا نوعاً من الخدمة العامة، و كلما علت و ظيفة إنسان عظمت تبعته و انداحت أقطار الدائرة التي يعرق لخدمة الناس فيها، و إقامة حقوق الله بها». إن تولي أمر الناس ليس تشريفاً بل هو تكليف يتجلى كبر حجمه و ثقله حينما يتعلق الأمر بالطفل ذلك المخلوق الضعيف «اليوم» و الذي سيكون لبنة بناء و تنمية السودان الحبيب و المحافظة عليه «غداً» إنشاء الله. و الله الموفق