اشتهرت كثيراً عبارة التهنئة الرقيقة «تغلبها بالمال وتغلبك بالعيال» التي ندعو بها لمن يدخل الحياة الزوجية، ولعل كثيرا ما تلهج بها ألسنة النساء وبخاصة كبار السن منهن، وتأتي هذه العبارة في شكل دعاء خاشع وأمنيات صادقة يستمع إليها المتزوجون قبل بداية سلم الحياة الزوجية وعتباتها الكثيرة والمتشعبة. وهم في حالة من النشوة والحبور، ولعلهم يؤمنون بصدق، ثم ما تنفك الحياة أن تأخذهم في دورانها الذي لا يتوقف. حكاية التعبير عن المشاعر ونقلها للآخر بالصفة التي تجعل أحاسيسك تصل كما تريد وتعبر عن نفسها كما تتمنى، موضوع غاية في الأهمية، فالمواقف تختلف والناس ومدى معزتهم وقربهم يختلفون، ومن هنا فإنك تشعر كثيراً بأن التعبير يخذلك والكلمات تهرب، لكن رغم ذلك فإن كيمياء الإحساس تصل للطرف الثاني حتى وإن لم تنطق ببنت شفة، فقد تسقط دمعتك وقد يختلج وجهك، وقد تصدق لحظة حضنك، أو قد تسعفك الكلمات فتنطلق عفوية صادقة على شاكلة تغلبها وتغلبك. ويحرص بعض الناس على العبارات الواردة في السنة المطهرة والآثار الإسلامية، فيدعون بها باعتبار الاقتداء والبركة، فتسمع عبارات «بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكم على الخير» وإخواننا السعوديين يختصرون الأمر في عبارة قصيرة جدا «بالبركة»، غير أن المصريين يبدعون في عواطفهم فتنطلق «ألف ألف مبروك وألف ألف سلامة» وإذا كنا باعتبارنا سودانيين من الذين نحتفظ بمشاعرنا ولا نحرص على إطلاقها عفوية، فإننا نحتاج للكثير من التأكيد تارة بالأحضان، وتارة بشد اليد والضغط عليها والنظر مباشرة في الوجه، وقد يدعم ذلك الدفع المميز في كشف العريس والبقاء حتى نهاية الحفل، وكل هذا يصب في مدى الاهتمام ومكانة المتزوجين أو عائلتهم في النفوس. بيد أن الأمر لا يخلو من عبارات رائعة تجد الاستحسان والقبول، فقد اعتاد الكبار على عبارات مثل «بخيت وسعيد» واختار الشعراء أن يأتي تعبيرهم في شكل قصائد بعضها يتغنى به أيام الزواج وبعضها يلقي عند عقد القران وبعضها يسير به الركبان وتصدح به الحسان داخل «بصات السيرة» في شكل أمنيات جميلة و «يا عديلة يا بيضاء يا ملايكة سيري معاه». وأذكر في هذا المقام أبياتاً من أغنية الفنان مصباح وجاره في زواج صديقه عثمان السماني وهو يقول في أغنيته: كم طولت يا أخي أنا وانتظر.. داير اشوف بكرك ولدا ضكر يجري وراك يقول لك أبوي فتر.. تشيلو تشمو زي زيفة المطر ويبقى أخيراً أن ميزان المباراة بين الزوجين قد اختل، بفعل عوامل الحياة وميادين العمل التي استوعبت الجميع دون اعتبار للجندرة، إذ ليس بالضرورة أن يغلب الزوج زوجته بالمال، فالزوجة أيضا لها مصادر دخلها التي قد تفوق مداخيل الزوج، مما يجعلها تغلبه بالمال والعيال، وهي هزيمة نكراء، فهل تتغير عبارات التهنئة ساعتئذٍ. إعلامي مقيم بالسعودية [email protected]