وكأني احادثه وهو في مرقده الوثير الطيب المبارك في معية وجوار ابيه العارف بالله سيدي الشيخ قريب الله وانه ومن دون منازعة ولكونه قد جاور القريب فذلك فتحا من الله ورضوان اي وربي فلا يجاور القريب الا سعيد، ومن منا لا يعرف تميزه وخلاواته وجلواته في ذلك الزمان الجميل كم هدى بالله ضالاً وكم اصلح به رجالاً وشعراء ، فهاموا كما هام القريب في بحور الشوق والوجد والهيام كذلك الحقنا بهم ذرياتهم صدق الله العظيم كذلك ألحق الله الحسن بجده ظاهرا وباطناً وبابيه فاتح الابواب ومن حسن طالع الحسن وبركاته ان كان اول حفيد للقريب بعد شقيقته العارفة بالله عليها الرحمة الشيخة ميمونة. هذه الاسرة الطيبة القريبية الفاتحية فقد كان شأن فيما مضى من زمان وكذلك الآن فالامر شاق وعظيم ان تجعلك الاقدار في مقدمة المتصوفة فالتصوف ولئن كان ليس بموضوعه الآن فهو ليس كما يحسب البعض الذين يرونه مرقعات ورسومات فحسب فهو امر جلل انه طريق الموت الصوفي اي الغنى عن كل شيء سوى الله الواحد الاحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد فعندما منّ الله علينا بدخول المدرسة الفاتحية على يد سيدي محمد الفاتح كنا نخوض مع الخائضين لكن لم نكن نكذب بيوم الدين. انه الفاتح العارف الاريحي ذا الشأن العظيم يومها كنت عضو السلطة القضائية فظللت في معيته عامين كاملين اراقب هؤلاء الناس فعلمت انهم متميزون سلوكا وخلقا وصدقا وبعدا عن الدنيا الفانية. فجلست الى استاذي الفاتح وطلبت الطريق وكان ذلك اول يناير 5891م فنادى على الحبر الحسن وبعد التلقين امر البروف ان اعرف الاوراد ويسمى جامع الاوراد كان يحضر ذلك الاخ الشيخ ابراهيم بزروته وهو على قيد الحياة امد الله في ايامه ان يحضر لي كوباً من الشاي فعلمت ان الاسرار في هذا الشاي وانه الرباط وانه الاستخلاف للبروف وقد صدق ظني وبالله التوفيق. وعندما تولى حادينا وامامنا الحسن مرشداً للقوم تفجرت على يديه ابداعات التصوف الحديث فهو ليس انسانا نمطياً تقليدياً بل هو انسان حضاري مبدع يتنقل بفكره وتصوراته في جميع ميادين الحياة فكراً واجتماعا وسياسة شعراً ونثراً فقد كنت منه قريباً حتى صرت مخزن سره في مسائل كبيرة داخلية وخارجية، لقد كان مهموما بالدعوة الى الله لقد كان يجزع الى الله عندما تلم بالمسلمين ملمة وقد شاهدت دموعه تجري عند حرب العراق فكان يردد لا حول ولا قوة الا بالله لقد حمل هم السودان تماما وكان له رأي واضح في حرب الجنوب باسم الجهاد وسعى سعيا جاداً بعد انقلاب 9891م للافراج عن السيد محمد عثمان ولقد شق عليه الامر ويا ليت قومي يعلمون وخلال تلك الفترة تعرفنا على الاستاذ علي محمد عثمان الميرغني فكان فعلا حفيد سيادة مولانا السيد علي الميرغني عليه الرضوان وقد آتى لهذا الامر في سانحة اخرى بإذن الله. لقد ذكرني بابن البروف لم يكن نمطيا في طريقة تفكيره وبهذه المواهب استطاع ان يحول الطريق الى ميادين من المعرفة فتدفق الشباب من الجنسين وكان له رأي ثاقب في ضرورة جذب المرأة للتصوف مبررا بان المرأة في هذا الزمان الفاتن في حاجة للتصوف فبدأ مشروع المجاهدات داخل الجماعات كل اسبوع وكذلك مشروع الدروس بالمسيد من كل ذي علم يعرفه الفقراء فقد امرني الله ان احاضر في القانون بما ينفع الناس وفعلا حاضرت في قانون الايجارات وعندما حلت الفتنة الداخلية تعثرت الانشطة نسأل الله ان يجمع الشمل ويصلح ذات البين . وعندما تصاعدت وتائر الخلافات السياسية مع الولاياتالمتحدة وصيحات الجهاد بالاسلام في جنوب الوطن تتعالى انتدبت اميركا مندوباً لها يدعى «دانفورث» وكان من ضمن برنامجه الاجتماع بالبروف وكان ما يلي: الحبر الحسن ودانفورث: كان الغرض من ابتعاث المندوب هو التأكد من طبيعة الصراع الشمالي الجنوبي وعلاقة ذلك بالدين بين المسلمين والمسيحيين، لقد كان المبعوث مسيحياً متديناً وله صلة معرفة بالبروف تأصلت خلال لقاءات حوارات الاديان بطوكيو واميركا فقد كان الحبر الحسن عضوا في تلك الحوارات فهو لها ومن غيره لها ونحمد الله على هذه النعم وكان ضمن برامج المبعوث ايضا التقاء السيد أحمد المهدي وتم لقاء البروف بالمبعوث الاميركي زهاء الساعات فتقدم شيخنا بدراسة موضوعية متكاملة عن معايشة المسلمين المسيحيين بالسودان وابان فيها بان الصراع لم يكن دينيا بل سياسياً وقد حمل فيه البروف على الدولة بالقدر الذي اثار حفيظة بعض القيادات السياسية ومع ذلك فقد دافعت عن افكار البروف قيادات سياسية لها التقدير وكل الاحترام ولا يفوتني ان اذكر باني قد اطلعت على الورقة اذ كنت في معية الشهيد الزعيم محمد الازهري في لقاء مع البروف. فقد كان البروف يكن له مودة خاصة ولآل الازهري عامة فاطلعه على الورقة فهي مناصحة تدور كلها حول الاسلام وما يجب ان تكون الامور عليه. شيخنا لم يكن مخاتلاً في الحق فقد عرف بين العلماء بصدق المقصد والثبات عند الشدائد وموسوعية العلم وتنوع الثقافات وفوق كل ذلك فقد كان زاهداً منصرفاً عن الدنيا مهما تزينت بما يجعله رديفا للزهاد الاوائل ،فطبيعة زماننا ليس بذلك الزمان البسيط الجميل ويشهد على زهده ما يلي بعد الرحيل الجميل وخلال ثلاثة اسابيع حضر للعزاء الامير محمد الفيصل فتنادينا بطلب من شيخنا الاستاذ محمد المؤيد بإذن الله فكان لقاؤنا بالامير جزاه الله عنا خير الجزاء. وكان محتجاً بانه لم يعلم بنبأ الرحيل وردد امام جمعنا المبارك دكتور حسن اخي وصديقي ما علمت بذلك ليش ما تكلموني فرد عليه الاستاذ محمد ما كنا نعلم بالصلة بينكما ورد قائلاً هو اخي واتصل به في كثير من الامور واستشيره. وأسأل الله ان يرحم اخي الشيخ حسن هكذا الرجال يا ناس الدنيا ديل ناس الشيخ قريب الله فوالله لو كان فيه شعرة من دنيا لاستثمر هذه العلاقة الدولارية وكان يسعى كما يسعى بعض رجال الدين للدنيا والحكام بالداخل وبالخارج الا انه لم يفعل ولن يفعل فهو سليل الدوحة الطيبية القريبية الفاتحية فهو الحسن تاج العارفين ورائد التصوف الحديث بدون مراء.