الحاضر وليد الماضي وسيكون والداً للمستقبل د. زكي نجيب محمود هذا العصر وثقافة دار الشروق ص72 (1) بشر عدد من الكتاب وأهل الفكر بملامح سياسية جديدة في ما تبقى من السودان بعد انفصال الجنوب في 9 يوليو 2011. واصطلحوا على الجمهورية الثانية اسماً على تلك المرحلة من مراحل التطور السياسي واذا كان ذلك بالفعل ممكناً ومنطقياً، متى توفرت شروطه الموضوعية، ومتى استطعنا ان نضبط المفاهيم بعيداً عن الابتسار والغموض، ويبدو مهماً في هذا السياق التأكيد ابتداء على: ٭ وحدة (السودان) السياسية. ومنذ بدايات ملامحها الاولى في عام 1821 كانت (وحدة مصنوعة). وقد أكدت اتفاقية 1899، معركة كرري، بين بريطانيا ومصر الخديوي على تلك الصناعة تماماً. ٭ لم يكن (للجنوب)، في سياق الحكم الثنائي، وجود مرتبط (بالسودان) كما رآه واراده حكام الجنوب من الانجليز اذ ظل رهيناً في اغلب الاحوال بعيداً عن تلك الرابطة السياسية، وتشير أدبيات التاريخ والوثائق إلى ذلك. ٭ انهى اغتيال السلطان علي دينار في عام 1916، سيادة دارفور التي كان قد استعادها (بالفعل) بعد عودته إلى الفاشر، ولترتبط دارفور فيما بعد بالحكم الثنائي في الخرطوم في اطار (السودان المصنوع). ٭ سيطر (الشمال النيلي) - بحكم ارثه الوطني - وتفتح (نخبه) على حركة التطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي وبالتالي على مفاصل اجهزة الحكم والادارة أو بما اصطلح على تسميته بالسلطة والثروة. ٭ حين تفجر الوعي بحق التنمية وحقوق الاقليات الدينية والعرقية والثقافية لم يكن دور الرواد من نخب الشمال بعيداً عن تغذية ذلك الاحساس وادراكه. كما ان ذلك الوعي امتد في مرحلة ليكون تياراً يصارع ويواجه غيره من التيارات النمطية والايدلوجية انتهت في مرحلة أخرى للاستعانة بالقوى الاقليمية والدولية. ٭ لم يعد السودان (المصنوع) بعد ما ترتب على اتفاقية نيفاشا 2005 من انفصال للجنوب رهيناً بكثير من مكونات البشرية (نقصان 9 ملايين نسمة) أو موارده الطبيعية (البترول الغابات) أو حتى موقعه الجغرافي، بل ان صراعاً جديداً بمضامين فكرية وندية وتحالفات وتاكتيك واستراتيجيات سوف يكون له مساحة بين الدولة الاصل والدولة الوليدة المسلحة. ٭ للحركة الشعبية لتحرير السودان بمنطلقاتها الفكرية تطلع جغرافي لسودان غير جغرافي في مواجهة الحضور العربي والاسلامي بمختلف ثقافاته وتياراته وهي استراتيجية تتجاوز أي حدود تم الاتفاق عليها أو لم يتم.. وامتداداتها الفكرية تغطي سياسياً (دعم خمائر المشورة والاستفتاء والانعتاق) وعسكرياً (التحرشات) - أبيي - جنوب النيل الأزرق - جنوب كردفان - دارفور ما تبقى في السودان بعد 9 يوليو 2011 يقتضي الحذر التام في التعامل بعقلية السودان النمط ما رسخ في العقل والوجدان: لابد من فكر ثاقب، وليس مجرد الخواطر في كثير من المفاهيم الجديدة. ٭ الدولة موضوعية ولا ترتبط في أي حال من الاحوال بشخصية الحاكم ووجود الدولة لا يتحقق إلا بوصول الجماعة السياسية إلى درجة من الوعي تفصلها عمن يشغلون المناصب في اجهزة تلك الدولة (الحكومة). ٭ الدولة ليست الحكومة فالأولى تقوم على توفر اشراط ثلاثة هي الشعب والاقليم والسلطة السياسية - بما فيها السيادة - وهي مستمرة بكاملها ما لم تنته سواء بكامل اركانها أو أي منها (الغزو - الاقتطاع - التنازل) والدولة تتولى لتدبير شؤون شعبها القيام بوظائف ثلاث تشريعية وقضائية وتنفيذية وهذه الاخيرة هي التي اصطلح على تسميتها بالحكومة. ٭ يفرق الفقه الدستوري بين الشعب PEPOLE والأمة NATION على أساس ان الرابطة التي تجمع بين افراد الأمة رابطة طبيعية معنوية لا يترتب عليها أي اثر قانوني اذ تقوم الرابطة على وجود عناصر اللغة والدين والتاريخ المشترك والمصالح الاقتصادية والاقليم وما يرتبط بذلك من وحدة المشاعر والاماني والثقافة المشتركة والعادات والتقاليد. اما رابطة الشعب بالدولة فهي رابطة سياسية قانونية تفرض الولاء الواهن والالتزام بدستورها والخضوع لقوانينها وتلقي على الدولة من خلال حكومتها باجهزتها المختلفة حماية المجتمع وافراده من الغزو الخارجي وحماية أمنهم الداخلي ونفوسهم واعراضهم وأموالهم وحقوقهم كافة. ٭ لشعب كل دولة خصائصه وثقافته ولا يعني ذلك الانسجام الكامل أو التطابق في تلك الخصائص سواء لاسباب عرقية أو ثقافية أو دينية أو لغوية ويكون للدولة في حالات التوازن استقرارها السياسي. اما في غياب التوازن بأنواعه ودرجاته المختلفة، فان النزاعات تقود إلى المواجهات السياسية والدبلوماسية والعسكرية وإلى الحروب الاهلية التي تقود إلى التدخل الاقليمي والدولي. وتنتهي سواء بحق تقرير المصير أو بدرجات أقل من ذلك تخفض من الاحتقان ولكنها تظل بؤرة قابلة للانفجار ولم يكن صدفة ان شحنت نصوص اتفاقية نيفاشا 2005 والدستور الانتقالي لسنة 2005 بمصطلح شعب جنوب السودان وأهل جنوب السودان ومواطني جنوب السودان ...الخ. وان تنزع كثير من الحركات السياسية المعارضة إلى اثبات ذلك في ادبياتها (شعب دارفور.. شعب البجا ...الخ. ٭ ما تبقى من السودان بعد 9 يوليو 2011 جدير بالنظر والتثبت من: ٭ كونه (شعباً) متجانساً والمعنى الدقيق للمصطلح العلمي. ٭ مدى قبول ثقافة مشتركة لا تقوم على الهيمنة اذا لم تكن كلمة شعب (الواردة اعلاه) ممكنة. ٭ مدى (التغيير) في اركان الدولة الثلاثة (الشعب - الاقليم - السلطة السياسية والسيادة) وعلاقتها بالتغيير السياسي محل التطلع: هل هو تغيير في مفهوم الدولة!! تغيير في الحكومة واجهزتها المختلفة. ٭ انتقال نوعي (بالفعل) أم مجرد (هيكلة بمسميات واشخاص جدد)!! (2) التغيير المطلوب بالفعل هو الانقلاب العقلي وليس مجرد التناول اللفظي والمطروح - قبل أن يسجله الدستور محل التطلع - هو ٭ القراءة الصحيحة لموقع - ما تبقى من السودان - في خارطة التاريخ السياسي. ٭ القناعة والتراضي بنظام الحكم مدخلاً للاستقرار. ٭ المرجعية الفكرية من حيث (الصدقية) والشفافية في التعامل والممارسة. ٭ التناول النقدي الصريح لعدد من القضايا الشائكة - اقتصاد السوق الحر. - انتشار الفساد وغياب المساءلة. - شخصية المنصب العام. - المشاركة والمؤسسية. ٭ ما هو أفق وملامح - الدولة الجديدة - وما هو الرحم الذي تولد منه؟! ٭ ما هو اثر ونفوذ واقع التجارب السياسية السابقة - الانظمة الديمقراطية - العسكرية بشموليتها وسلطويتها، الأنظمة الانتقالية، الثورات الشعبية؟ ٭ ما هو المعيار الامثل - لمنطق التداول السلمي للسلطة - وبالتالي وبالضرورة من التعلق بالمنصب العام - في كل مستوياته؟ ٭ هل يعادل التسامح - كقيمة ثقافية واجتماعية - كل الاخطاء التي ترقى لمستوى الخيانة العظمى؟ ٭ هل نحن مدينون سلفاً - باعتذار لشعب السودان عن الهزر السياسي والوقت الضائع - في صراعات - نعود بعدها في الغالب للمربع الأول؟ ٭ هل ثمة امكان لوثيقة (استنهاض وطني) يبدأ بأن تعيد الاحزاب دون استثناء - قراءتها في داخلها بمنطق مدى الجمود ومدى التطلع.. ومدى الحراك.. ومدى الالتزام الوطني.. ومدى الاستجابة للنقد والنقد الذاتي؟ ٭ ثمة محطات محورية فكرية تستوجب التوقف ملياً.. قبل أن تنطلق بمسميات.. يغيب مضمونها. ٭ ان كثيراً - مما تطرحه القوى السياسية - ويتناوله المفكرون يبدو جزراً معزولة - فالألفاظ الرنانة تجد مكانها في اجهزة الاعلام المختلفة ولكنها تفتقد بعدها العلمي وقبل ذلك رابطتها بحركة المجتمع ودون أن نسبق الحوادث أو نلقي قولاً جزافاً.. هل يتم لقاء علمي/سياسي يشهد ميلاد وثيقة خريطة طريق من أجل وطن مستقر. ما نهفو إليه - تطلعاً مشروعاً - هو مشروع عقد اجتماعي يؤسس للمرحلة القادمة بعيداً عن المزايدات وما وراء الكواليس من أجندة. ماذا قدمت الجامعات؟ ماذا قدمت مراكز البحوث؟ ماذا قدم أهل المبادرات.. ولماذا قبل ذلك كله يتوه الأثر في الموية هل بالامكان أن نخطو خطوة للأمام..؟