«لديكم أشياء جميلة ولكنكم للأسف لا تعرفون كيف تروجون لها».. بهذه الكلمات اختصر سائح بريطاني التقيت به قبل عام ببورتسودان، حديثه عن الموروثات التي يتميز بها السودان، وضرب مثلا بالثوب السوداني الذي اعتبره من أجمل الثياب التي ترتديها المرأة في العالم، وقال: لديكم موارد مشهورة على نطاق العالم مثل الصمغ والفول والقطن، وأيضا ومن خلال زياراتي للسودان وجدت الكثير من الاشياء الجميلة والمدهشة، وابرزها الزي القومي الذي يرتديه الرجال «الجلباب» والنساء «الثوب»، وهذا الزي موجود في العديد من الدول الافريقية التي تأثرت إيجابا بما ترتدونه، وهذا يعني أنه ماركة مسجلة باسم السودان يجب الاعتزاز والترويج لها، وذلك عبر وسائل الإعلام المختلفة، مثلما تفعل الدول التي تمتاز باشياء رائعة غير موجودة في البلدان الاخرى، وحديث البريطاني هو عين الحقيقة، وذلك لأن الثوب السوداني، وهكذا ينطق في العديد من الدول الافريقية، وبفضل حشمته ومميزاته الكثيرة، تمكن من أن يجد له موطئ قدم في ثماني دول افريقية انضمت لها دولة جنوب السودان أخيراً، ففي إريتريا، كما أشار الزميل عبد الخالق بادي، للثوب السوداني مكانة مقدرة. وينسحب هذا الأمر على عدد من الدول منها إثيوبيا، تشاد، جيبوتي، الصومال، النيجر، إفريقيا الوسطي ويوغندا، وهذا يوضح بجلاء قدرة الإنسان السوداني على التأثير حتى بزيه القومي، وهنا نشير إلى انه وفي تمازج بديع بين المحافظة والمعاصرة بقي الثوب الزي القومي المميز للمرأة السودانية واحتفظ عبر تلك المراحل بجماله وسحره وبساطته. وكلمة ثوب تُطلق على الكسوة أو اللباس مطلقا، غير ان لهذه الكلمة لدى المرأة السودانية دلالة أكثر خصوصية وتحديداً، إذ تعني رداءها الخارجي الذي يكون بطول اربعة أمتار ونصف المتر، تلفه حولها بألوانه الزاهية، ويمثل الثوب السوداني أهم عنصر في زي المرأة السودانية، فهو عنوان وضعها الاجتماعي، اذ به تميز المرأة المتزوجة عن الفتاة غير المتزوجة، كما أن نوعيته من حيث الخامة والثمن هي المعيار الذي يشف عن ذوقها واناقتها، وفي الفترات التي شهدت هجرات السودانيين ظلت المرأة السودانية في الخارج تعتز بارتداء الثوب باعتباره علامة ورمزاً للهوية. وكان الثوب السوداني في حقبة الخمسينيات يفصل من قطعتين تسمى الواحدة منها فتقة، تُحاكان بالتوازي مع بعضهما بالكروشية او بالتطريز بطول كلي تسعة أمتار، ويُركز التطريز على طرف «الجدعة» حتى يثقل وزنها فتثبت على الكتف، وعقب الرخاء الذي صاحب ارتفاع اسعار القطن، وهذه النوعية من الثياب التي تفشت لفترة قصيرة، لم تكن تحاك في اطرافها. وكانت المرأة تقول للناس«ها هو ثوبي جديد ولا وقت لدي لكي أحيكه». ثم ما لبثت أن دخلت البلاد ماكينات الخياطة والتطريز من ماركة سنجر، ومعها ظهرت المطرزة التي مازالت تُرتدى في السودان. وفي الستينيات من القرن الماضي بدأ استيراد ثياب التوتال من سويسرا، ومن اسماء هذه الثياب ابو كنار والمفستن، ومنها ثوب عُرف باسم بوليس النجدة، وهذه التسمية جاءت بعد دخول عربات النجدة الزرقاء بأضوائها الحمراء الوهاجة، وقد عُرفت هذه النوعية من الثياب بجودة الخامة والجمال، فهي مطرزة بجودة الخامة، ويحبذ في خامة الثوب السوداني الجمع بين المرونة والخفة والثبات، اي عدم الانزلاق. وفي فترة السبعينيات حلت محل ثياب الكرب ثياب هندية زهيدة التكلفة ذات ألوان زاهية عُرفت باسم ثوب الجيران، لبساطتها وتحملها وسهولة ارتدائها، فبهذا الثوب تستطيع المرأة أن تطل على الجيران بسرعة ودون كلفة، وهكذا أضحى الثوب السوداني الخيار المحبب لنساء عدد من الدول الأفريقية.