كثيرة هي مشاغل الدنيا في قلب الإنسان. ومع تسارع وتيرة الحياة يجد المرء نفسه يلهث ليل نهار بغية تحقيق ما يرضي طموحه ويوصله إلى باحة رضا ذاته. غير أن تقاصر عجلة عزم الإنسان تفضحه في كثير من الأحيان فتجده شارد الذهن وجسده في مكان وقلبه وعقله يجوبان أرجاء بقعة أخرى. والأمثلة والشواهد على حالة شرود الذهن وتوهان الفكر (على قفا من يشيل) ويمكن لأي فرد منا تلمس ذلك في تجاربه الذاتية، فكم منا أراد الذهاب إلى المطبخ وجد نفسه في باحة الغرفة أو العكس فلا يخرجه من شروده إلا اصطدامه بالواقع بالطرائف التي بعد أن يلكزه أحد أو يفوق لذاته فيتراجع لا يلوي على شيء سوى الحوقلة والتدبر في ما أوصلته إليه مشاغل الحياة. ولا بأس عزيزي القاريء أن أشنف أذنيك ببعض الملح والطرائف التي نبعت من بين ثنايا مشاغل الحياة فقد حدثني أحد معارفي أنه من فرط انشغاله بإنجاز تكاليف الحياة اليومية وكيفية تدبير التزاماته الأسرية شرد ذهنه ذات مرة وهو حثيث الخطى نحو زريبة مواشيه للحاق بحواشته في (الضحوة) وكان يحفظ حماره مع العجول فما أن دنا من سرج الحمار ورتبه على عجلة من أمره ودون وعي عوضا عن وضع السرج على ظهر الحمار وضعه على ظهر أحد العجول وطفق يعمل جهده لربط (اللباب) فما أيقظه من شروده الذهني إلا (فنجطة) العجل فأسقط في يده حتى جلس على الأرض من هول ما فعل وتعجبه مما آل إليه حاله. كما أوصل إلى آخر أنه في ذات مرة كان عجالة من أمره للحاق بحواشته إذ اعتاد على تخصيص ملابس للعمل فأسرع خطاه نحو الشماعة فخلع ما يرتديه من جلباب وخرج دون أن يلبس ملابس العمل ولم ينتبه إلى ما صنع سوى شعوره بالهواء باردا يلامس جسده فغفل راجعا متعجبا مما صنع.وحكى لي ثالث أنه ذات مرة كان يقصد دورة المياه فإذا به يفاجأ بعد دخوله حمله للمكواة بدلا عن الأبريق ولا بأس أن أختم برواية حادثة لذاتي أدخلتني في قاع جب الاستحياء إذ وفد على منزلنا أربعة ضيوف من خارج القرية ومن عادتنا في المنزل عدم عزل أهل المنزل من قرى الضيوف فذهبت إلى أختى وكنت حينها عزبا وأخبرتها بعدد الضيوف لتجهيز المعلوم من الإكرام وبعد قليل ذهبت لإحضار اكواب العصير التي جهزتها ولسبب خطأ مني في إعلامها بعدد الضيوف منقوصا جاءت بأربعة أكواب فوزعت ثلاثة على الضيوف وأخذت واحدا لنفسي وبدأت في الونسة مع الضيوف وانهمكت في شرب كوبي دون أن أفطن لما اقترفته ولم يلفت انتباهي لصنيعي سوى تفاضل الضيوف على شرب العصير فاعتذرت لهم وساعد على انقاذي وخروجي من دائرة الحرج جاهزية العصير بالمطبخ وكان ما حدث مثار وفاتحة شهية لمناقشة حالة عامة لا يكاد يخلو من الوقوع في حبائلها إلا قليل من ذوي البسطة المادية والدعة السندسية فهلا أخذنا الدنيا ببساطة وقسمة الزول ما بتفوتو والبجيني معاك يجيني.