في يوم 25 شهر يوليو من عام 2007م بدأت مياه خزان مروى في الارتفاع واكتساح ديار ومزارع وعمار وعمران المناصير، وهو يوم محفور في ذاكرتهم لن تمحوه الأيام ولا السنين، وما أكثر أيام المناصير العالقة بذاكرتهم وذكراهم، لكنها غير ذلك اليوم المشؤوم، أنها أيام عز ومجد وفخر دفاعا عن الوطن الغالي، أيام سطرها التاريخ وشهد بها الأعداء. لكن ذلك اليوم يوم ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، ويوم الجحود والنكران، يوم قررت وحدة تنفيذ السدود في تصرف اخرق غير مسؤول إغلاق بوابات سد مروى ليدمر أمامه كل منازل ومشاريع ومنشآت المنطقة إلى غير رجعة، قبل التعويض وبدون تعويض حتى الآن، رغم موافقتهم على قيام السد وتفاوضهم وحوارهم مع الحكومة بشأن تعويضاتهم وأماكن توطينهم التي شهدت جدلا وأحداثا معروفة، إلى أن حسمت بقرارات من رئيس الجمهورية لصالح خيارات المناصير، لكنها ظلت قرارات حبيسة الأدراج معطلة تنتظر التنفيذ. ويعتقد المناصير أن هناك أيادي خفية تقف وراء تعطيل قيام الخيار المحلى، ويوجهون الاتهام مباشرة لوحدة تنفيذ السدود، وللوزير أسامة عبد الله شخصيا، ولهم من الأسباب والشواهد ما يدعم أقوالهم. وكان الخلاف والقضية بدأت في نقطة التوطين حول بحيرة السد «الخيار المحلى» حين تمسك المناصير بحقهم في البقاء حول البحيرة على حسب القرار الصادر عن رئيس الجمهورية ورئيس اللجنة السياسية العليا لسد مروى، الذي نصَّ على توطينهم في وادي المكابراب ومشاريع حول البحيرة، وكانت إدارة سد مروى تدعى أن المشاريع حول البحيرة فاشلة ولا تصلح للتوطين، في الوقت الذي تروج فيه للاستثمار في نفس المنطقة التي تقول إنها لا تصلح، لكنها بهذا القول تريد فقط إخراج أهلها وتوطينهم بعيدا عن النيل، لينعم غيرهم بالاستثمار في مصانع الأسماك والاسمنت والمعادن والمشاريع الزراعية والمنتجعات والمدن السياحية والخيرات التي توفرها البحيرة والمساحات الزراعية الخصبة الشاسعة، لكن تمسك المناصير بأرضهم وارض أجدادهم أفشل كل مخططات إدارة السد لإخلاء المنطقة والاستثمار على حسابهم وأحزانهم. وبدلاً من أن تقوم إدارة السد بمشاركة وإشراك أهل المنطقة والتفاهم معهم بشأن الاستثمارات، بدلا من ذلك قامت بمعاقبتهم بالإغراق وحرمانهم من التنمية والمشروعات المصاحبة، باعتبار ذلك نوعاً من الانتقام والضغط عليهم لمغادرة المنطقة، ففي الوقت الذي تفتقد فيه المناصير كل الخدمات من طرق ومدارس ومراكز صحية ومستشفيات ومشاريع زراعية وغيرها، تركزت التنمية في مدينة مروى وما جاورها بإنشاء مشروعات تنموية كبرى، مثل مستشفى مروى الذي يقع في مساحة 100.000 متر مربع، ويشمل المستشفى المبنى العام الذي يتكون من ثلاثة طوابق ومركز دراسة وعلاج الأورام «ثلاثة طوابق»، ومبنى الأطباء ويتكون من خمسة طوابق، ومبنى السسترات ويتكون من طابقين، ومبنى مرافقي المرضى، إضافة للمسجد والكافتيريا والمطبخ والمغسلة، ومبنى الغازات الطبية، ومستودع المعدات الطبية، والمشرحة والمحرقة ومحطة معالجة للصرف الصحي، ومبنى الوحدة الأمنية، هذا بالإضافة إلى مطار دولي تبلغ مساحته «6» كيلومترات، بينما المساحة الكلية المحجوزة «18» كيلومتراً، وتوجد بالمطار «3» ممرات طيران، وتم تشييد صالة رئاسية بالمطار وأخرى للوصول والمغادرة، بجانب «3» مستودعات للبضائع، وهناك مقترح بإنشاء قرية للصادرات لاحقاً، ويلتف حول المطار حزام لصد الرياح الصحراوية. وغير ذلك هناك طرق برية وداخلية وكباري «طريق مروى/ السد، طريق كريمة/ السد، طريق كريمة/ ناوا، طريق شريان الشمال، طريق مروى/ الملتقى، طريق مروى/ عطبرة، طريق كريمة/ السليم» أما الكباري فهي «جسر الصداقة مروى كريمة، كبرى دنقلا السليم، كبرى الدامر ام الطيور العكد، كبرى شندى - المتمة» «المعلومات من موقع سد مروى». وكل هذه مشاريع مصاحبة للسد، والمناصير أصحاب التضحية حتى كتابة هذه السطور بلا مساكن أو مشاريع زراعية، ولا خدمات صحة وتعليم أو طرق وكباري، وفوق ذلك بلا تعويض عما دمرته مياه سد مروى. وبالطبع ليس وراء إيراد هذه المعلومات والحقائق غرض جهوى أو غيره أو رفض للمشاريع المصاحبة كما قد يتبادر للأذهان، وإنما الغرض توضيح مدى الظلم والإجحاف الذي تعرض له المناصير عقاباً وتشفياً، لأنهم رفضوا مغادرة أراضيهم واختاروا أن يوطنوا فيها حول البحيرة، وما كان هذا يتعارض أو يؤثر على قيام السد أو الاستثمارات، لكنها العقلية الاحادية التي تدير أمر السدود وتفلح في تفجير القضايا والمشكلات.