* كانت ملحمة حقيقية .. ولحظة تاريخية تلك التي أعلن فيها الرئيس البشير انطلاقة العمل في طريق التحدي القومي الجيلي شنديعطبره هيا.. وأصدر قراره بعد ذلك بتشكيل اللجنة القومية العليا لطريق التحدي وتشرَّفت بعضويتها كلما أعيد تشكيلها.. وكانت للجنة فريدة لا يُشكِّل أعضاؤها أي كلفة على المال العام وكانت تستضيفنا مكاتب الهيئة القومية للطرق والجسور ومديرها الباشمهندس بشير الكدرو بعلمه الغزير وخبرته المتراكمة وأدبه الجم.. وكان الأعضاء ينفقون من مالهم الخاص على بنود الضيافة والسيارات والوقود.. وقد بلغت منصرفات اللجنة في عام كامل مبلغ 38.000ج ثمانية وثلاثين ألف جنيه «بالقديم» .. كانت لجنة منضبطة يقوم بعمل المدير فيها العقيد الركن مهندس «وقتذاك» صلاح الدين إدريس علي.. وأول متبرع بالعملة الصعبة كان هو السيد صلاح احمد إدريس «وبين صلاح إدريس وصلاح إدريس» اجتمع كثيرٌ من الصالحين والذين انتقلوا إلى جوار ربهم منهم الشهداء ومنهم دون ذلك.. الشهيد إبراهيم شمس الدين.. والشهيد أسامة بن لادن.. والشهيد مجذوب الخليفة.. والشهيد أمين عبد المجيد.. والمرحوم التوم عيد الله.. والمرحوم سليم علي احمد.. والمرحوم بابكر أبو سنون.. والمرحوم عثمان الشيخ مصطفى.. وأربعتهم ماتوا مبطونين.. والمبطون شهيد.. ومن الشباب المرحوم عادل الرشيد.. والمرحوم احمد إبراهيم طلب.. والمرحوم الطيب محمد الطيب.. والمرحوم المهندس أبو بكر محمد علي أول مشرف على طريق التحدي.. وقد شيَّعنا بالأمس المصرفي المعروف والرياضي المطبوع والشريف الحسني المعروف من ذرية الشريف محمد المدني أبو خف بن الشريف محمد الباقر من «علماء الشافعية» ومن نسله الحسبلاب والسيداب وجميعهم من الخفَّاب وتربطهم آصرة القرابة بآل البدري وبالنافعاب ويتصل نسبهم بالإمام علي زين العابدين بن الإمام الحسن بن الإمام علي كرم الله وجهه. * وقد كرم السيد رئيس الجمهورية هذه اللجنة المميزة بمنح أعضائها وسام الجدارة فكانت لفتة بارعة غسلت كل رهق العمل ومغالبة الصعاب التي كانت تجابهها اللجنة بكل صبر وجلد وإصرار على مواصلة العمل.. وكان شعارنا هو «الزارعنا غير الله اليجي يقلِّعنا».. وقد بدأ العمل الحقيقي في انجاز الطريق بدخول شركة الهجرة التي تتوزع أسهمها مناصفةً بين شركة وادي العقيق وحكومة السودان وكان الشيخ أسامه بن لادن يولى هذا المشروع جلَّ اهتمامه وكان الفريق أول ركن مهندس عبد الرحيم محمد حسين المشرف على اللجنة.. وكان محمد طاهر إيلا وزير الطرق والجسور يفتح لنا صدره وأبواب مكتبه.. وكان اللواء الهادي بشرى حسن كذلك عندما تولى مقاليد الوزارة يعمل بروح «الطبجية» همةً وعزم.. وكان المهندس حامد وكيل يبذل فكره وجهده لإنجاز الطريق.. وكنا نعمل معاً بروح الفريق.. وغادرنا صلاح إدريس ليأتي بعده العميد حسن محجوب عبد العاطي ضابط المدفعية مرتدياً البوريه الأسود مديراً تنفيذياً لطريق التحدي فوجد نفسه وسط «الملكية».. الكبير عندهم الجمل.. وكنَّا نتداول كيف أن الإنقاذ لا تعبر عن انجازاتها بالشكل المستحق.. حتى أطلق الأستاذ حسين خوجلي عبارته الشهيرة «هذه الثورة أذكى من إعلامها» وهي كذلك.. ووصل الطريق حتى عطبره وبينهما «كبري».. واختصر طريق التحدي المسافة بين العاصمة والميناء إلى الثلثين ووفر أربعمائة كيلو متر بالتمام والكمال.. وعرف أهلنا أهمية «الزُلطَّه» جمع زلط. * وبعد اكتمال الطريق أطلعني الأستاذ صديق حسن صديق عضو اللجنة مذكرة احتفظ بها لسنوات طوال كتب فيها :- «الأخ صديق.. توفيت بالقاهرة والدة عبد العزيز عبد الله بخيت وسيصل جثمانها بالسودانية.. أنا في طريقي لموقف شندي علَّني أجد من يبلغ الخبر لحوش بانقا» إمضاء عقيد عمر حسن احمد البشير!! وقد نشرت هذه المذكرة وصورتها في ذلك الوقت.. والطريق لم يُشيد من اجل «البكيات» على أهمية العزاء لدى السودانيين.. لكن من اجل التنمية والاعمار وربط أطراف البلاد ببعضها البعض.. وقد قال لنا السيد الرئيس في رئاسة اللواء العاشر بشندي بعد افتتاح المرحلة الأولى من الطريق.. قال : (زمان الواحد يسافر من شندي للخرطوم ولما يصل الجيلي حتى «يشيل نَفَسُهُ» لكن بعد طريق التحدي بقى الواحد لما يصل الجيلي «يشيل هم «).. * صحيح أن آلاف الكيلومترات تمددت في طول البلاد وعرضها مرصوفةً بالإسفلت لكن طريق التحدي كان شيئاً مختلفاً تماماً.. كانت ثلةً من الأخيار وضعوا مصلحة الوطن نصب أعينهم.. وقاد اللجنة الشيخ الطيب سليمان الخليفة السياسي البارع والفقيه الحافظ ورجل الأعمال المرموق الذي بذل للإنقاذ ماله وقدم ابنه شهيداً..وترك أعماله وتفرَّغ بالكامل للتطوع بالعمل في طريق التحدي والهيئة الشعبية لتطوير ولاية نهر النيل بارك الله له في ماله وولده وعمره. وهاهم الرجال الذين حملوا الأمانة يرحلون عن دنيانا الواحد تلو الآخر جعلهم الله في عليين. بعدما أدوا الأمانة. رحم الله رجال التحدي من قضى منهم نحبه ومن ينتظر.. وهذا هو المفروض