علينا ألا نتباكى على موتهم ونحن الذين أضعنا حياتهم بأنانيتنا وحماقاتنا وسياساتنا الرعناء، وماذا يفيد البكاء على هذه الجثث التي لم تُعْرَفْ هوياتُها حتى الآن؟ ومع من سنبكي أو حتى نرفع الفاتحة لنؤدي واجب العزاء؟ وكيف نبكي عليهم ونحن لا نعرف من الذي قتلهم وأين ومتى؟ ولا نعرف حتى أعدادهم؟ إنهم مجرد أرقام تتضارب في الصحف: 50، 53، 54، 61، وكأنهم قد كُتِبَ عليهم أن يموتوا كما عاشوا مجهولي الأسماء والأرقام! إنهم صفر كبير في جبين هذه الأمة، فلو كان أمرهم يهمنا كما نَدَّعِي لما تركناهم يعيشون في هذا الدرك السحيق ليموتوا بهذه الطريقة المأساوية، لقد ماتت إنسانيتنا قبل أن يتجرعوا ذلك السم الزعاف، ماتت إنسانيتنا ونحن نَمُرُ بهم يومياً لنشاهدهم في قارعة الطريق وهم يتقاذفون بالحجارة ويتنشقون السلسيون، ويتناسلون في المجاري والخيران، نشاهدهم وكأنهم مخلوقات غريبة هبطت إلينا من كوكب آخر! وندعو السلطات إلى تشديد الرقابة على السلسيون، وكأننا لا نعلم أن معدل استنشاق السلسيون يزداد في ليالي الشتاء الباردة، فهو الطريقة الوحيدة التي يطردون بها لهيب البرد والجوع عن أجسادهم النحيلة! ونتساءل عمن جلب لهم تلك المادة السامة، ونحن نستعملها في تركيب العطور التي نتجمل بها بينما هم يتجرعونها سما زعافاً بحثاً عن الغيبوبة الأبدية، بعد ان غاب الضمير في أمتهم! وفجأة يستيقظ ضمير الأمة لتعلن بحثها عن الجناة الذين تسببوا في ارتكاب هذه المجزرة البشرية، فما الذي ستستفيده جثثهم الطاهرة من العثور على القتلة؟ إنهم ميتون من قبل أن يتجرعوا ذلك السم القاتل ميتون مع سبق الإصرار والترصد، ميتون في انتظار شهادات الوفاة وتقرير الطبيب الشرعي، والآن صدر التقرير، وما علينا سوى دفنهم كما يدفن بقية خلق الله ثم الترحم على حياتهم التي أزهقناها بأيدينا! اللهم لا اعتراض على حكمك، اللهم اغفر لهم خطاياهم وعوضهم الجنة إنك على كل شيء قدير ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!