شغل الرأي العام أمس الاول بتفاصيل الاتهامات التي سيقت الى وزير المالية الاتحادي على خلفية قضية علاج نجله بواشنطون على نفقة الدولة، كما شغل أمس بالاتهامات المضمرة التي وجهها الوزير بالأمس الى مستشار الرئيس احمد بلال بابتزازه على خلفية الأمر ليوافق الوزير بفعل هذا الابتزاز للمستشار بلال من موقعه الوزاري على صرف 100 مليون كتبرعات لقرية المستشار المحترقة.ونحت بعض الاصوات فى خضم الاتهامات المتضادة بين الدستوريين، الى توجيه اتهامات مبطنة الى على محمود بإساءة استخدام هذا الحق من قبله وهو الوزير المؤتمن على خزينة الدولة تحديدا، ذلك رغم ان علاج ابن الوزير تم وفقا للحقوق التي اكتسبها على محمود بجلوسه على كرسي الوزارة . وهي الحقوق التي ينظمها ويفصلها للدستوريون قانون مخصصات شاغلي المناصب الدستورية لسنة 2001م ( تعديل 2005م) ،ووفقا لهذا القانون تكون لشاغلي المناصب الدستورية امتيازات كثيرة، منها العلاج على نفقة الدولة للوزير وعائلته داخل وخارج السودان، شريطة ان يقرر القمسيون الطبي العلاج بالخارج.وهذه النقطة تحديدا يؤمن عليها السيد هجو قسم السيد نائب رئيس البرلمان، الذي اوضح ل» الصحافة « كذلك ان علاج الدستوريين جميعا فى الخارج خاضع لاجراءات تبدأ قبل السفر بموافقة القموسيون بالخرطوم،ثم موافقة مجلس الوزراء قبل توجيهه المالية للتنفيذ. فهل فعل الوزير ذلك؟.. قرائن الاحوال وافادات الوزير للصحف بالأمس لا تدل على ذلك،لان ملابسات مرافقة نجله»عمر» له فى رحلة الولاياتالمتحدة والطريقة التي كفلت بها البعثة السودانية البحث عن المستشفى المناسب، ودفع نفقات العلاج التي وصلت بحسب الوزير الى اكثر من 30 ألف دولار، لا توحي بان الوزير كان ينتوى علاج ابنه على نفقة الدولة ، وبالتالي لم يلتزم السبل التي حددها القانون لذلك، وفى مقدمتها موافقة القومسيون الطبي الاتحادي فى الخرطوم، ومجلس الوزراء من بعد ذلك .وهذه الحادثة التي اصبحت الشغل الشاغل للرأى العام الآن، تدعو للتساؤل حول الجهة المسئولة عن مجابهة أي انحراف أو استغلال لقرارات العلاج على نفقة الدولة، ذلك لان ظروف البلاد الآن تستدعي ضرورة مواجهة الممارسات الخاطئة بكل حسم، كما تتطلب وضع ضوابط واضحة ومحددة لاستخدام حق العلاج على نفقة الدولة، بالشكل الذي يحافظ على تحقيق الهدف الأساسي من برنامج العلاج، وفق محددات المرحلة القادمة والتي على رأسها فقدان الميزانية لاهم مواردها وهو نفط الجنوب، وذلك مع توقع انخفاض الايرادات العامة للدولة التى كانت تعتمد بشكل اساسى على النفط، وزاد من الامر سوءً تراكمات الازمة المالية العالمية وبعض الاجراءات التى اتخذتها وزارة المالية، بمنع دخول بعض السلع مما شكل تهديدا واضحا للايرادات، الشئ الذى دعا الدولة الى اتخاذ اجراءات تقشفية لمواجهة الازمة الناجمة عن تدهور الايرادات وزيادة المنصرفات .وهو ما يستتبع بحسب سياسات الوزير نفسه، توجيه المصروفات بالشكل الذي يضمن تجاوز هذه المرحلة الحرجة، لذا كان من المتوقع ان تسعى الوزارة الى الحفاظ على المستوى الحالي للدعم والمزايا الاجتماعية في الموازنة، مع العمل على خفض العجز المتوقع فى الميزانية. وهو ما دعا الحكومة الى المطالبة بوضع ضوابط واضحة ومحددة لاستخدام «حق» العلاج على النفقة العامة، بالشكل الذي يحافظ على اموال الدولة التي سعت الى توطين العلاج بالداخل، واتخذ رئيسها تشجيع الاستثمارات الخاصة فى هذا القطاع الحيوي طريقا لذلك.وقد عبرت قيادة الدولة عن احساسها بمعاناة السودانيين كثيراً في البحث عن العلاج خارج السودان، ودعت رجال الأعمال لإقتحام هذا المجال، وطلب الرئيس البشير من القمسيون الطبي،عدم منح توصية العلاج بالخارج إلا بعد التأكد من عدم توافر العلاج بالداخل. ومما يلفت الانتباه ان «علاج ابن الوزير» كشف ايضا عن اموال تهدر وتظل تهدر بطرق»مشروعة» ولكنها غير ذات جدوى على المستوى القومى «وغير منتجة « على المستوى المحلى ولم يستفد منها « الغلابة « والفقراء في ربوع البلاد ، هذا وان تمعنا النظر جيدا نجد ان نثريات البعثة السودانية الى واشنطن لحضور اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولى ربما تفوق ال700 مليون جنيه سودانى،وهي ليست كثيرة، مادام علاج «عمر» يتم ب 70 مليون جنيه سودانى وقس على ذلك !. والسؤال الآخر المطروح يتعلق بأهمية هذه الاجتماعات، وهل من جدوى من الصرف» البذخى « عليها، فالعبرة تكمن دائما بالنتائج فى الاقتصاد، وليس بالمشاركات واهدار الاموال فى اوقات الأزمة، فحتى الآن لم تتبين النتائج الحقيقية لتلك الاجتماعات لأحد، ولازالت ديون السودان فى تزايد يوما بعد يوم، اذا ما الحاجة الى تلك الاجتماعات وذاك الصرف البذخى فى وقت اظهرت فيه أيضا مؤشرات تقرير التنمية البشرية فى السودان، ان نصيب الفرد السودانى فى الشهر( 114 جنيه)، اي ما يعادل( 3) جنيهات فى اليوم . كل هذه الاحصاءات تؤكد الفقر المدقع الذى يعايشه المواطن فى وقت تصرف فيه المليارات من اموال الشعب فى سبيل المشاركات الخارجية،التى قد تستغل فرديا واسريا لتحقيق المكاسب العلاجية و الترفيهية . غير ان الاتهامات المستترة بين الوزير محمود والمستشار بلال اتاحت للرأى العام الاطلاع على نوع آخر من انواع التعامل الوزارى المكتوب، والمستخدم من قبل الدستوريين مع وزارة المالية، لتحقيق طلباتهم بدعم بعض الانشطة اوتقديم تبرعات لقرى ومناطق اومنشآت، ويتبين فى هذه الحالة التي نحن بصددها، فى تذييل مستشار الوزير خطابه لوكيل الوزارة بعبارة «عسى ان تجد اوراقنا بطرفكم العناية» وكأن المستشار كما يتبادر للذهن، فور قراءة العبارة، يبتز الوكيل ومن ورائه الوزير ليصرف له مستحقات قريته»، وإن كان الوزير على محمود ترك تفسيرها للسائل، حينما سئل عن دلالاتها. غير ان للارقام التي اطلت فى حكاية الوزير والمستشار دلالاتها ايضا التي تستوجب الوقوف عندها، فالمائة مليون(100) جنيه التي يطالب المستشار على استحياء بدفعها للقرية المحترقة، تعادل تقريبا تلك المبالغ التى دفعت لابن الوزير فى علاج (واشنطن).