قام السيد الرئيس عمر حسن أحمد البشير بزيارة الى جمهورية ايران الاسلامية، لحضور مؤتمر يضم ثمانين دولة اسلامية، وقد عقد هذا المؤتمر خصيصا لازالة اللبس الذي احدثه الاعلام الغربي ووسائله وتفسيرات الساسة الغربيين المغرضة والمضللة لمعنى الارهاب الذين أوشكوا ان يستبدلوا كلمة الارهاب بالاسلام خصوصا الساسة الأمريكان. وقد بارك جميع أهل السودان حضور الرئيس لهذا المؤتمر، لأننا نشعر بأمانة وصدق بأن العطاء الكبير والعواطف الوطنية القوية والقومية التي تقدمها ايران للعالم الاسلامي وللعالم العربي خاصة، لا تجد قبولا ولا تعاونا من بعض قادة الدول الاسلامية والعربية، والذي زاد ايران احتراما في نظرنا، أنها كانت لا تأبه ولا تنفعل لمثل هذه التصرفات. فالرئيس حينما ذهب الى ايران كان يؤدي واجباً وطنياً عظيما للأمتين العربية والاسلامية، بإشعار الجمهورية العربية الاسلامية بعرفان الدول الاسلامية والعربية لهذه المشاعر الفياضة، وحرصها على تهديد كل ما يهدد العالمين العربي والاسلامي، وقد كانت كلمة الرئيس التي ألقاها في هذا المؤتمر كلمة معبرة وتناولت قضية الإرهاب. وطوال الفترة التي قضاها الرئيس البشير، كنا نشعر بالدفء في قلوبنا بأن عمر في أيدٍ أمينة وفي بلد جسور آمن. كما أننا لاحظنا ان الطريق المؤدي الى ايران يمر بدول شقيقة وصديقة لا يمكنها لا بالسر ولا العلن مساعدة المحكمة الدولية باختطاف طائرة الرئيس، تحقيقا لطموحات المدعو اوكامبو عميل المخابرات الامريكية. ولكن عندما انتهت زيارة الرئيس لايران، أخذ كثير من السودانيين بمختلف توجهاتهم يرتابون في هذه الرحلة التي تقطع مسافات طويلة في اجواء غير آمنة تماما، ولاحظنا عند عودة الرئيس أن بعض منسوبي المؤتمر الوطني أخذوا يهللون ويكبرون ويصفون سواهم بالغرضية وترويج الشائعات حول عدم صدق نوايا هؤلاء الناس، وهذا مفهوم خاطئ من جانبهم، لأننا وانا واحد من هؤلاء الناس لست عضوا بالمؤتمر الوطني، ولا تربطني به أية صلة من الصلات، كنت من اكثر الناس قلقا وتخوفا من هذه الرحلة، وهذا امر ليس بالشخصي، لأنني ان كنت اتعامل بمثل هذا الشعور لما سألت عن مصير هذه الرحلة، لأنني على الأقل كنت طريح الفراش بمستشفى النيل الأزرق لمدة اثنين واربعين يوماً، وكنت قبلها طريح الفراش بالمنزل لمدة قاربت العام، وعليه فإن دافع الغرضية ليس في أجندتي، ولكنني كنت قلقا لسبب بسيط واحد هو متى ما تعرض السيد الرئيس لأي امر من الامور التي تمارسها المحكمة مثلا مثل اختطاف طائرته، فإن هذا الأمر سيسبب جرحاً عميقاً في مشاعر الامة السودانية، لأن عمر هو رئيس وقائد هذه البلاد ورمز عزتها، ولهذا كان معظم السودانيين يسأل وينزعج من هذه الرحلة. وأرجو من مؤيدي النظام مراجعة دقة هذه الحقيقة. ولنعد إلى موضوع رحلة الصين، فالمعروف لدى جميع أهل السودان أن الصين بلد حليف وصديق ليس بسبب البترول فقط، وانما هناك أواصر قديمة تربط بيننا منذ امد طويل، لأن السودان في عهد الرئيس عبود رحمه الله كان من اوائل الدول في العالم التي اعترفت بالصين الشعبية، محققة بذلك نصرا وتحديا للقوى الاستعمارية التي كانت ترفع العصا وليست لها جزرة تغري بها الناس، ولا يخالجني أدنى شك بأن الشعور بالامتنان والاكبار لشعب السودان مازال قائماً. ولنعد لرحلة الرئيس إلى الصين، لنقرر أن العلاقات القائمة بين الصين والسودان علاقات ضاربة في القوة، وتكاد تكون أمتن علاقات لنا مع أية دولة اجنبية، وعلاقاتها الاقتصادية ماضية تنساب انسيابا لا يؤثر على طبيعة سيرها وسهولته. فالزيارة للصين تكون واجبة في ظروف غير هذه الظروف، لأن الصين الآن لها تعاملات دبلوماسية وعلاقات اقتصادية مع مختلف دول العالم لاسيما الولاياتالمتحدةالامريكية، ومثل هذه الزيارة قد تسبب لها حرجا خفيا لا تستطيع ان تفصح عنه، وانا متأكد تماماً أن رحلة البشير الى الصين كانت محل شد وجذب بين حكومة الولاياتالمتحدة والحكومة الصينية، ولا بد أن تكون الارادة الصينية الحازمة قد انتصرت، ولكنها لا تخلو من اإداث خدوش بين الحكومتين. إن الزيارة التي قام بها الرئيس عمر البشير للصين سلاح ذو حدين، وأرجو من الإخوة في الأمن السوداني وفي الجهاز السياسي للمؤتمر الوطني، أن يقوموا في المستقبل بدراسات مستوفية لمثل هذه الرحلة التي مرت بسلام، ولولا صلابة وقوة الإخوة بالصين لامتدت القرصنة الامريكية إلى طائرة الرئيس وتوجهت بها الى مقر محكمة العدل الدولية. الاتفاقات الإطارية وضرورة وضعها في أسس قانونية موثقة ما أن وقع الأخ الدكتور نافع علي نافع اتفاقاً مع الأخ الفريق مالك عقار، حتى قامت الدنيا وانقلبت بين مؤيد ومعارض، كما أن طرفي الاتفاق أخذا يزيدان النار اشتعالاً، فأخذت التصريحات السياسية من كلا الجانبين تخرج يومياً وبحماس ناري، فسمعنا أن المؤتمر الوطني يطالب بتصفية الجيش الشعبي قبل العمل السياسي، وانخرط مالك عقار ليزيد الطين بلة حينما لوح بالاستعانة بحركات دارفور اذا فشل اتفاق اديس ابابا. وعندما ذهب الى مقره في النيل الازرق صرح بان هناك «جيشين أي واحد يحمر للتاني». كما أن الأخ احمد ابراهيم الطاهر صرح بأن الاطار لم يحدد شكلا نهائيا لاستمرار الحركة حزباً سياسياً، كما عاد عقار ليقول ان فرض ارادة منفردة سيؤدي للحرب. وهذه ردود فعل سريعة لما حدث بعد اعلان الاتفاق الاطاري «نافع عقار»، وهذا امر يدعو الى الاسف بأن مثل هذه الاتفاقات الاطارية ستكون قابلة للتنفيذ في جو غير هذا الجو المشحون المتعصب، وعلينا منذ الآن أن نطرح كل المواضيع المختلف عليها على بساط جولة مفاوضات رئاسية، ولا بأس من ان يحضرها ممثل للاتحاد الافريقي. واما اذا استمر الحال على هذا المنوال فإن ذلك سيكون ضرباً من العبث الذي لا طائل من ورائه، وهذا يذكرني بالمرحومة نيفاشا وغفلتها الواضحة في التحوط لمثل هذه الأمور. ان الضابط الأساسي هو مراجعة الاتفاقيات التي تمت والعمل بموجبها، لأننا ان سرنا في هذا الطريق سنحتاج الى اتفاقية غير اتفاقية نيفاشا لتحسم كل الامور. اما اذا اراد البعض تفسير الاتفاقيات الاطارية وغيرها لمصلحة جهة من الجهات، فصدقوني أن نبوءة عقار ليست بعيدة، وهي اقرب الى الجميع من حبل الوريد، فعودوا الى رشدكم ايها الإخوة الطامحين، وتعاملوا مع الاحداث بما يتفق ومصلحة البلد. الشرق الأوسط الجديد كلما خلوت إلى نفسي وراجعت الأحداث التي تمر بالمنطقة العربية، تذكرت مقولة جورج بوش المشهورة، وهي أن الولاياتالمتحدةالامريكية قررت ازاحة الانظمة الموجودة في الشرق الاوسط، والاتيان بنظم جديدة تواكب التطور والتقدم الذي ترجوه «زعيمة دولة العالم الحر لمنطقة الشرق الاوسط»، ولما كانت السياسات الثابتة لمهندسي المخابرات الأمريكية هي نفس السياسات التي تلزم جورج بوش وباراك اوباما بها، وانا اعتقد الآن أن الثورات التي عمت المنطقة العربية لا تخلو من رائحة الشرق الأوسط الجديد، الا ان بعضا من الشبان الوطنيين اخذوا زمام المبادرة في توجيه هذه الثورات توجيهاً قومياً ووطنياً، ولكن خوفي على هذه الثورات أن تحولها امريكا الى مشروع الشرق الاوسط الجديد، لاسيما ان السياسات الثابتة ملزمة لجورج بوش كما هي ملزمة لباراك اوباما. انا اعتقد أن مصر بإرثها الوطني والحضاري والسكاني عليها دور بارز الآن، وهو ان تتصدى لقيادة هذه الثورات وتوجيهها الى المصلحة القومية العربية، كما كانت تفعل دائما عبر التاريخ العربي، خاصة في عهد الايام الاوائل لثورة يوليو. إن مصر لها كثير من الكوادر الوطنية التي تستطيع التصدي للعمل العام وقيادته وتوجيهه نحو مصالح الأمة العربية. وذلك لن يتأتى إلا بوحدة القوى الثورية بمصر، علماً بأننا قد تلقينا دروساً مرة من ضعف النظام المصري في عهد مبارك، الأمر الذي انعكس سلباً على كل الدول العربية وهنا نحن بوصفنا عرباً، حتى سهل الهوان علينا. كلمة لا بد منها خطاب إلى السيد الرئيس البشير قد وجهت لكم مثل هذا النداء قبل ثلاثة أسابيع، ولكن يبدو لي ان جهازكم الاعلامي لا يجد وقتا لعرضه عليكم.. أما نسبة لمشغولياتكم او عدم تقديرهم الجيد للحدث. إن ما حدث في مشروع الجزيرة من خراب وتدمير كان يستدعي تكوينكم للجنة عليا للتحقيق في هذا الأمر، لأن مشروع الجزيرة أكبر مشروع زراعي اقتصادي في العالم تحت إدارة واحدة، وذلك حسب شهادة الدوائر العالمية التي تهتم بهذه الاحصائيات، كما أن مشروع الجزيرة كان يحقق عائداً من العملات الصعبة يمثل 76% من الدخل القومي. أما الحديث عن بقية المنجزات فإني أرجو من السيد الرئيس أن يتكرم بإرسال جهازه الإعلامي ليمده بصورة حقيقية عما كان يدور في مشروع الجزيرة، ولكن الذي يقلقني جداً هو سكوت الحكومة على الدمار الذي لحق بمشروع الجزيرة، الذي يكون من البقع السوداء في جسم هذه الحكومة، ولا بد أن يثير كثيراً من التساؤلات طال الزمن أم قصر. والله الموفق.