(لم يعرف السلام بشكل أوضح من تعريف أوغستين دي هيبو التي قالت منذ ألفي عام، حين كتبت في «مدينة الله»: أي شخص يعطي حتى ولو اهتماماً بسيطاً لشؤون الانسان والطيبة الانسانية يجد أنه ليس هناك أي انسان لا يريد أن يكون سعيداً كما انه ليس هناك انسان لا يتمنى أن يعيش بسلام. حتى المقاتلين لا يتمنون إلا النصر، ومن خلال النصر يطمحون إلى السلام). (1) مشكلة دارفور من أبوجا إلى الدوحة إلى متى نظل نبحث عن حلول قضايانا المحلية في موائد الآخرين؟! أما يكفينا ما انتهت إليه نيفاشا؟! والمفارقة أن البعض يملأ السرور قلوبهم طرباً، لمأساة القرن الحادي والعشرين (الانفصال) وما سمى ظلماً باستقلال الجنوب السوداني عن شماله، ان أسوأ ما في (الأمر الواقع) التسربل بذهنية الاحساس بالاستعلاء عند البعض وبالدونية حتى عند الذين ظنوا أنهم قد وصلوا إلى (ميس) المعرفة العلمية ومحطة الوعي الأخيرة علماً بأن من ظل يرهن سيادته الوطنية لموائد الرافع الدولي والاقليمي فهو أحوج ما يكون لمراجعة مقدراته الفكرية، عسى ولعل يستطيع أن يعيد ما هو حاصل من تقييم لكل التجارب الفاشلة والتي ظل يجتر أعادتها من فصل إلى آخر، دونما وصول إلى أي تباشير تعكس الهدف السليم وهو الغاية. يبقى الترتيب واعادة النظر إلى ما نحن فيه اليوم من فشل سياسي واجتماعي، يحتم بالضرورة العودة للمراجعة لكل التجربة السودانية في الحكم، ثم البحث عن قيام دولة سودانية ذات سيادة وطنية مجمع عليها من غير ما احساس بنزعات استعمارية تكرست عبر التاريخ تارة باسم الجهوية والقبلية حتى وصلت عند (الحردلو القديم) إلى المناداة بالملافة من قبل من النفس من ظل يمثل النموذج في الحكم (الحر) أقصد الانجليزي والحلم التاريخي عبر قامة الرجل الأبيض والذي شكل الهدف والغاية عند العديد ممن طرق باب (ساس يسوس) أو أصحاب الطرق والعقائد من الذين وصفهم الامام المهدي عليه السلام (بأنهم هكس مات وهكسياً قاعد)!!! وباسم العقائدية الشمولية ينظر إليه وكأنه (السيوبرمان) - الذي يناظر العنقاء والخِل الوفي في البحث عن المستحيل - وهذه العقد التي حالت دون التمسك بما هو (سوداني)، علماً بأن (السوداني) لا يحتاج لكل ذاك الصراع الانتهازي والذي تراكم بكل ما هو عدائي للانسانية، واستبطن في داخله خباثة للأورام السرطانية في الحقد والكيد، حتى صار الأمل المرجو لا يتم إلا باستعجال خروج الروح بحثاً عن الشفاء، وتلك هي علة الذهنية الشمولية والتي تولدت عند البعض، منذ أن وطئت أرض المستعمر الأجنبي بلاد السودان بحثاً عن (المال والرجال)، وفي سبيل تحقيق أمانيهم تلك (يا ما شاهدنا العجب) وعاشر شعبنا (للشقى والصعاب)، وأول جرثومة أصابت بنية الجسم السوداني بالعلة، هي جرثومة (العرق وظلم التاريخ) ثم البغض بحجة أن التدرج الطبيعي للألوان وشكل الأبدان، قد اكسب بعضها ميزة افتراضية (خيالية) حتى نسى من أذعن إلى ذاك الزعم الباطل أن البشرة مهما كانت فهي من (أديم الأرض) (وكلنا لآدم وآدم من تراب) وأي أدمة مهما علا شأنها فهي ليست بمعزل عن تداخل الفصول الطبيعية وما هي بمخارجة عن التماهي مع تغلبات الطقس المناخية، وما التباين الظاهر في الأشكال والأحكام إلا من رحمة الخالق للعباد، وسوف يدرك تلك الحقيقة كل من امتثل للحديث الذي يقول (ان التباين في الأذواق هو ما يحدد نسبة الأشياء التي تدعو إلى اجماع الخيارات لدى النفس البشرية، والتي في الغالب هي مفطورة على (الملل). فإذا كان معيار الثنائية في الشراكة لا تقبل التباين في القبول والرفض، وفق كل ما هو (انساني) لأصبح الانسان المكرم عاجزاً عن الابتكار والابداع، لينتفي تبعاً لذلك عنصر الاندهاش والحافز المستحق الذي يقود لكل ما هو جديد، وتبقى الغفلة الذهنية هي المكون الموضوعي لكل من ظل يشكك في حجم وطول ومساحة وأشكال وطموحات دولة (انسان السودان) وخاصة ما بعد انفصال الجنوب!!! وقيام ما سمى بالجمهورية الثانية. (2) أين السودانوية؟! وأين مبدعوها؟! الطعم السوداني نلمسه متفرداً في الايقاعات اللحنية والتداخل (السمتي) بين ما هو أبنوسي الملامح وما هو خاطف لونين، أي لون (زينب) والذي تبارى وتبارى فحول ملحني شعراء الحقيبة في التغني والدندنة به، وكذا يحلو الحديث عن شموخ النخلة وكاكاوية الأبنوس التي أتحفنا الرائع (أبو عركي البخيت) عندما ترنم بها لحناً وصاغها كلمات حينما نادى إلى أغنية الفرح وردد الجميع معه، لحظة الميلاد السعيد وعلى ذاك المنوال - أشعر ذاك الهدندوي أبو آمنة حامد المعتق بالحداء الجميل والمتدفق أشجاناً وهو يقول (بنحب من بلدنا ما برا البلاد سودانية تهوى عاشق ود بلد في عيونا المفاتن شئ ما ليهو حد) فيجمله لحناً مموسقاً وأداءً متفرداً، (ملهم الغناء والقومية السودانية محمد عثمان وردي) - عاكساً لايقاع الطنباري ومستوعباً للجراري ومنسجماً بموسوعيته كمايسترو أوركسترالي، ليتقبلها بكل التلهف الابداعي راقصو المردوم وعازف ابقاع الدليب والبربري لينسجم تبعاً لذلك الشجن الحالم بالدوزنة لكل ما هو متعطش للون الغناء السوداني، وهكذا اللغة الموسيقية قد أكملت اللوحة الابداعية لخارطة الفن السوداني المتفرد. ولذا أصبح من الصعب احتساب كل ما هو سوداني دون الانتساب إلي حدود المليون ميل مربع، والذي انصهرت فيه (البصمة السودانية) المميزة بعناصرها المتباينة في بوتقة الهوية والتي ليست هي في حاجة إلى اعادة رسمها أو وصمها دونما اظهار تفردها الأسمر واذا مزجت (فالكاكاوي) والذي يمتد عبر كل مناخات الفصول وتقلبات الدهور، والتي غيرها معنية بتبرمات عدم التواصل الانساني من التي تنزع للسباحة عكس تيار الوجود الوطني والذي يفرز ما بين مقام البشر وجلافة ما هو لا انساني أي (الحيوان) ذاك الحيوان الراتع في حقل الفضاء الفكري وفق مقام وصفه ودون اكمال مقام التكريم الذي خص الله سبحانه وتعالى به آدم عليه السلام. وبالفضل فان خير الامور أوسطها - والسودان هو (واسطة العقد) الجغرافي لدول العالم، بل هو الوسيط الجامع لكل المساحات القياسية في تدرجها من حرارة تجاوزت ال (45) درجة إلى برودة ما دون التجمد ودرجة (الصفر)، وكذا ما بين الأعلى والأدنى يكمن الوسط والاعتدال حيث المناخ الدافئ والنسيم العليل، الذي يقود إلى الصفاء الذهني والعقل المستوعب، وإلى هنا فلنقف هنيهة لنرد إلى علل النفس التي لا يعجبها (العجب) و(لا الصيام في رجب) حتى أصبحت لا ترى إلا بعين الغباء والطرق على باب الفناء، وهذا ما اكسب عينها غشاوة الرؤية الضبابية لجمال الانسانية، والتي ميز الله بها الانسان وكرمه دون بقية الخلائق، فمن أراد أن يسلب الانسانية وعيها فعليه بمأثرة البحث عن صيغة العداء لكل ما هو مميز ومتباين في جماليات الدولة السودانية، والتي عرفت عبرها (لهجة ولوناً وهوية) - فكم كانت ومازالت مثار اعجاب وتميز حينما يرانا البعض أو الآخر ونحن نرتدي أزياءنا المختلفة أو نرقص على انغامنا المتباينة، أم زينة حواء مع الاحتفاظ بحق (الجندر) فذاك شأن لا يدانيه شأن في مضارب الذوق والجمال فلماذا سعى الحساد لقتل وضياع كل ذلك (بلعنة الانفصال)؟! فمن لنا بسوداننا الذي ظللنا نتباهى به بين الأمم؟! كالذي ظل تاجاً على رؤوسنا والأشهاد، عبر كل الحقب التي مرت على نظام الحكم في السودان (ما عدا شراكة العراب) التي قادت إلى الانفصال وقد يقول (البعض) ان الحدود المعلومة لسودان المليون ميل مربع هي حدود المستعمر، ولكن ما هو معلوم أن احساسنا كسودانيين قد عجزت كل الدول المستعمرة، أن تعيد تشكيله على حسب أهوائها منذ القرن التاسع عشر، ومن واقع الثقافات وعناصرها، فدونكم ثقافتنا الغذائية المتمثلة في دعوة الغريب الضيف ومناصفته الموجود بكل أريحية الكرم الفائض والمتمثل في (قدح ود زايد) ذاك الإناء ذو الخرس والذي (أشبع الطير والزائر)، ودونكم ثقافة الزي المميز هو الآخر، في ستر الجسم ولباس القدم، وكل تلك العناصر كانت ومازالت مثار فخرنا وهي الأدلة على الشجاعة ومدى الاستعداد لرد الظلم والعدوان والحضور الذهني الذي يستطيع مواجهة كل موقف بالرؤى الصحيحة دون خطاب التخبط وسياسة رزق اليوم باليوم وهذا ما هو حادث في سودان اليوم. فتلك الثقافة (الحضارية) السابقة هي من أفرزت رجالها وأبطالها، من الذين حار في أمرهم (عدوهم) قبل صليحهم فمنهم من كسر (المربع الانجليزي) وكانت الحيرة في استشهاد رجل الدولة الأول خليفة الصديق الخليفة عبدالله بن السيد محمد، في مشهد قل أن يتكرر أو تعيده ذاكرة التاريخ كتجربة أخرى (رجل الدولة يقابل الموت وهو على الفروة)؟!! فذاك الموقف البطولي هو من جر (للدولة والدعوة المهدية العداء) وحار في أمره الخبراء، حتى أصبح الكثيرون من الأعداء وأقلام المخابرات الأجنبية و(العميلة) يشككون في سير وأخبار العديد من أبطال وقادة الدولة السودانية التاريخيين، وكل قد شرع في تجديد حسبهم ونسبهم وجنسياتهم دون هويتهم السودانية وأشواقهم الوطنية، وذاك ما زاد من واقعية أصحاب (المثلث المزعوم) للعمل على طمس هوية ذلك الأشراق البشري المتفرد، والشئ المؤسف انهم قد وجدوا من يناصرهم على هدم ذلك التاريخ والتراث البطولي المقدس، حتى ولو بمعاول الاجنبي، والذي حاول ذاك الموقف منذ مطالع القرن العشرين لتحول (الحركة الوطنية السودانية) دون تحقيق أحلامه في تقسيم السودان إلى (سودانيين)، ولكن ماذا نقول طالما أن البعض من بني الجلدة قد انصاع طائعاً مختاراً، إلى تحقيق ما ظل عصىٌ على كل دول الامبريالية وربيبتهم اسرائيل من فصل للجنوب - وها هو اليوم وبكل السهولة غير المعتادة (يرحل الجنوب والدمعة على الخدود) ليتم تحقيق الحلم المستحيل، ولم يبق أمامنا إلا البحث عن أين تكمن العلة، بعد أن أتى لنا (الكيزان) في السلطة بالعنقاء وكيفية الوصول إلى الخل الوفي. وطالما أن كل ما هو مستحيل أصبح جائزاً في سودان الشراكة وسهل المنال ولتأكيد ذلك. ها هي مصر الفراعنة والتي كانت قد اكملت قيام دولة الديمقراطية والمؤسسات منذ قيام ثورة عبد الناصر في عقد الخمسينات الأول - لتقوم تبعاً لها الدعوة إلى القومية العربية - ها هي تعيد أمجاد الثورة في (ميدان التحرير) متحدية لكل دكتاتورية الفرد والترسانة الأمنية من التي جرعت من حسنياتها حتى العدو الصهيوني كأس الهزيمة في أكتوبر 1973م لحظة ان كان السودان هو جسر التواصل ما بين العالم العربي وافريقيا والاسلام والمسيحية بل حتى بين الدين والوثنية، يوم ما كنا نعرف أن هناك كلمة تعني بالعنصرية وتعيب دعاوى الجهل علي كل من يتحدث عن القبلية - لحظتها كان الجيش السوداني هو الملاذ الآمن (والحارس للحدود ووطن الجدود) وكلما ضاقت الواسعة على الشعب كان هو المكمل للخلاص الرحيب والمرجو في الحوبة والملمات.... ولكن تبددت اليوم كل آمال وأشواق الثورة السودانية، وحالت دون اكمال مشروعها الوطني الجامع لماذا؟!! لأن العقائدي الشمولي بحسه الانساني قد رهن كل ذلك الاشراق (لما سمى بالتوالي والتنظيم السياسي)، وأصبحت كل التطلعات مرهونة إلى جيوب التآمر ودواعي الارهاب العدائي واللا انساني، حتى أتانا أخيراً بالعذر الأقبح من الذنب عن العراب حينما ادعى ان (انقلاب 30 يونيو) كان من باب التجريب بهدف الوصول إلى الحريات الديمقراطية (فهل نحن فئران أم أبناء آدميين) يا (امام الحريات)؟!! علماً بأن القاعدة الأخلاقية تقول (البدايات غير السعيدة تقود إلى نهايات غير سعيدة) أو كما قال الحكماء. (3) الاتفاقيات المتعددة والنهايات المحزنة (نموذج نيفاشا) نشكوا لله سبحنه وتعالى مما فعل فينا حساد المليون ميل مربع، من الذين لم يكتفوا بضياع ثلثه الزاخر بالخيلات، فها هم عيونهم ترنو لنصف الاشراق المتبقي من حريق دارفور الكبرى، فما بين مائدة جوبا المستديرة في 1947م وجوبا الاحتفال الانفصال في 2011م تكمن الصفقة (الأنجلوامريكية) للايقاد وما الايقاد إلا عبارة عن واجهة لتنفيذ المخطط لتقسيم السودان إلى دويلات والبداية كانت بالجنوب - واليوم الدور على دارفور الكبرى لذا لا بد من الحذر وتفويت الفرصة حتى لا يتكرر سيناريو الحرب الأهلية في دارفور الكبرى (أرض القرآن كما سماها الكيزان) فها نحن منذ مطالع الفتنة العرقية بين (ما يسمى بالعرب والزرقة) ودخول مصطلح الجنجويد إلى قاموس السياسة، نشاهد قيام (اتفاقية وجلوس أخرى) (والمحصلة محلك سر)!!! ٭ فخطاب اللعن والسب الاستعلائي العرقي والذي طال (الجنوب) في السابق ها هو يطول دارفور الكبرى والكادر التنظيمي الممسك بالملف من طرف السلطة ما انفك يتبادل المواقع بنفس الاشخاص منذ أيام المرحوم مجذوب الخليفة وإلى أن تسلمه الجوكر (الأمين) وأخيراً الملف في آخر المطاف يصل إلى العتباني ليجلس مع السيسي، غير معنيين بتجربة (مناوي) و(مشار) في القصر الجمهوري وكيف تطابقت الأدوار في عرض المسرحيات على خشبات التفاوض بالاتفاقيات والتي تحرص تماماً على تجاهل (الفصيل الأصل) أو (النص الأصلي بلغة الدراما). وتلك حالة التعامل التي بدأت وانتهت بالحركة الشعبية إلى انفصال دولة الجنوب عن دولة الشمال - ورغم ذلك فلا بد أن نرحب بمساعي (حكيم الدوحة) ونتمنى أن تكتمل (مشاوير العدالة والتحرير) بمستحقاتها الحركية المختلفة، (من ترفع السلاح منها أو من ترفع المصحف) طالما انهم جميعاً ينادون وينشدون السلام، بل نرجو أن تتوج كل تلك الجهود للوصول إلى أرض القرآن كما كانت دارفور في سابق عهدها منارة للسلاطين ورمزاً لميلاد الفرسان ويتحقق السلام دون اعادة سيناريو كارثة انفصال الجنوب الحبيب اليوم وهذا ما سعت وتسعى إليه الامبريالية وأعوانها - غرايشن ورايس والذين وجدوا ضالتهم في بطانة (المثلث المزعوم) و(المنبر المأزووم). هامش:- التهنئة لقبائل التماس من الدمازين شرقاً إلى حدود دارفور الكبرى غرباً وعلى رأسهم المسيرية ودينكا نقوك ان صاروا (بدون) عبر تصريحات مجلس الوطني الموقر ونوابه (المؤتمرجية) والتهنئة تأتي لأن الانتماء للجنوب شرف والجنوب السوداني هو العبق المتبقي للهوية السودانية والتي ظللنا نحملها (منذ دخول العرب السودان) وهذه هي الفقرة بالاستمارة التي تمنح الجنسية منذ العام 1956م والتي تغير سجلها اليوم (11 يوليو 2011م) - فمن الذي يحق له أن يمنحها في ظل الجمهورية الثانية - أصحاب المثلث المزعوم - أم دولة السودان الجديد المفصول؟! (وا سودانا...). يا عيب الشؤم!!! ٭ والتحية لكل القبائل ذات الجذور الرومانية في السودان!!!.