٭ اتصل علىَّ صديق عزيز ورجل رصين.. يحمل رتبة رفيعة قائلاً: «يا أستاذ ما تكتبوا لينا عن موضوع المويه ده!! أنا بيتي بالقرب من مقابر فاروق والمويه قاطعه مننا لينا سبعة أيام!! والله لو ما الحكاية فيها عيب شويه كنت قدت ليكم مظاهرة الضحى الاعلى وزي ما تجي تجي!! شوفوا لينا حل مع الناس ديل قبل ما ينفجروا.. يعني مش معقول.. الضبط والربط والعطش ديل بتلمُّوا كيف؟ في مصر ثورة الجياع.. وفي تونس ثورة البطالة وفي سوريا ثورة الحرية.. وفي اليمن ثورة المش عارف إيه!! عاوزين ليكم في السودان ثورة العطش؟! ٭ ولما هدأتْ ثائرة اللواء قلت له «أنا زرت أهلي في جزيرة توتي ولقيت الموية قاطعه عندهم!! ولما سألت قالوا لي: «دي الحالة من كذا يوم!!» فقلت في سري «تستاهلوا.. عشان ما تغنوا تاني وتقولوا تَرَسُوا البحر صددّوا.. بعدما قلعوا البدل والقمصان وترسوا البحر خيرصان.. مش كان أحسن تخلُّوا البحر يدخل الجزيرة ويرويها؟ بدل انتظار مياه الولاية التي قد لا تأتي».. وخرجت صحف اليوم التالي تحمل أنباء احتجاجات.. وحرق إطارات.. وعدة مظاهرات.. والسبب واحد هو انقطاع الإمداد المائي عن الأحياء السكنية.. وكم كان رسَّام الكاريكتير بارعاً ذلك الذي كتب على رسمه الكاريكاتوري «كلما نسألهم عن مشكلة المويه.. يقولوا لينا من الشبكة!! أحسن يسلموا موضوع المويه لشركات الاتصالات» ها..ها..ها.. وشر البليه ما يُضْحك. ٭ إلا أن السماء جادت بالغيث وفرح الزرع والضرع وعمّقت في الوقت ذاته متاعب حكومة ولاية الخرطوم.. اللهم لا شماتة.. لكن الوالي الهمام د. عبد الرحمن أحمد الخضر يحاول القيام بكل شيء نهوضاً بواجبه وتحمَّلاً لمسؤولياته إلا شيئاً واحداً.. وهو عدم محاسبة معاونيه وإقالتهم معاقبة لهم على تقصيرهم حتى وإن توفرت لهم المعاذير «وما أسهل فقه التبرير». قد يقول قائل إن السبب هو «عجز الميزانية المطلوبة للإحلال والإبدال في شبكة المياه» وهذا أدعى للاستقالة، فالذي يتولى مسؤولية في مرفق حساس كالمياه مثلاً ولم يجد الميزانية اللازمة لتنفيذ خطته عليه أن يستقيل فوراً، وهذه الاستقالة ستكون مسببة، فاذا ما «كنكش» في منصبه فيجب أن يُقال.. كان الطيب مصطفى أبو قناية مديراً للشؤون المالية والإدارية بالقصر الجمهوري، وكان يتردد على وزارة المالية طلباً للتغذية.. فلما أعجزته الحيلة في توفير المال اللازم للتسيير.. «شال بندقيته والتحق بمعسكر المرخيات وسافر إلى الجنوب مجاهداً» دون أن يكلف نفسه عناء كتابة الاستقالة.. وترك المنصب شاغراً.. والناس تسأل عنه «يا جماعة وين أبو قناية؟» حتى ظهر في مسارح العمليات النشطة آنذاك.. فأكبر الناس فيه هذه الهمة.. ماذا يفعل مدير الشؤون المالية بلا مال؟.. وماذا يدير مدير هيئة مياه ولاية الخرطوم بلا ماء ولا مال؟!.. أرجو ألا يتصدَّيَنَّ لي موظف علاقات عامة فيحدثنا عن «المهندس خالد» فهو رجل مشهود له بالتقى والورع ونظافة اليد وعفة اللسان.. لكنه عجز عن حل مشكلة مياه ولاية الخرطوم.. اللهم إنا نعوذ بك من عجز الثقة وجلد الفاجر.. فليذهب إذن.. حتى يشعر مواطن الولاية بأن المناصب ليست غاية في حد ذاتها لكنها أمانة، وهي يوم القيامة خزىٌ وندامة إلا من أداها بحقها.. صحيح إن إعفاء مسؤول المياه لن يجعل المواسير تكف عن الشخير!! لكنه قد يجعل الصدور تكف عن الزئير.. أما استعدادات فصل الخريف فلا تحتاج إلى مقال، فقد سمعنا عنها مبكراً لكن ليس من رأى كمن سمع، فها هو الخريف المتأخر قد كشف سوءات الولاية مع أول زخة مطر، وخلَّى الما يشتري يتفرج.. يا باشمهندس خالد حسن إبراهيم إنت رجل شاطر وشجاع لكن الموية دي غلبتك عديل.. استقيل منها. ٭ ولم أر في عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمام.. حكى لي أحد الأصدقاء بأن ضيفه الآسيوي لم يتخيل أن يرى عاصمة متسخة لهذه الدرجة فقال لمضيفه السوداني: «يا أخي الخرطوم دي كُوشة كبيرة» مع أن كل أسباب الجمال والتجميل موجودة فيها.. وفيها هيئة لترقية السلوك الحضري كمان. ٭ ذهب سوداني إلى باريس ورمى علبة سجائر في الشارع.. فرفعها شرطي فرنسي ولحق به قائلاً: «دي وقعت مِنَّك» فردَّ عليه الرجل: «دي علبة فاضية أنا محتاج ليها»، فقال الشرطي: «تفضل خذها معك لأن فرنسا أيضاً ما محتاجة ليها!!». وهذا هو المفروض.