شرعت الخرطوم في اتخاذ خطوات ومواقف حاسمة تجاه الادارة الامريكية تجلت في امتناع مسئوليها في مقابلة مبعوث الرئيس الأميركي إلى الخرطوم برينسون ليمان خلال زيارته المعلنة للبلاد يوم الخميس الماضي، لبحث القضايا العالقة بين دولتي الشمال والجنوب و برر الناطق الرسمي باسم الخارجية العبيد احمد مروح عدم لقاء مبعوث أوباما بكبار المسؤولين لارتباط برنامجهم باجتماعات مجلس الوزراء، إلا أن مصادر دبلوماسية اعتبرت الخطوة ردا من الخرطوم على واشنطن التي يتفادى مسؤولوها مقابلة الرئيس البشير، وهي خطوة مشابهة في الشهر الماضي لرفض طه وكرتي ونافع مقابلة وفد مجلس الأمن الدولي رغم وصوله السودان.وبالامس دعم مستشار رئيس الجمهورية مصطفى عثمان اسماعيل تلك المواقف بالاعلان عن منحى جديد في استراتيجية التعامل مع واشنطن وحلفائها في الفترة المقبلة يقوم على مبدأ التعامل بالمثل لاضعاف الضغوط التي تمارسها الادارة الاميريكية على السودان معتبرا ان هذا الاسلوب سيؤدي الى تراجع الاولى عن نهجها مؤكدا في الوقت نفسه على ان العلاقات الدبلوماسية مع واشنطن تحتاج الى مراجعة شاملة في كل الاتجاهات. وفي قراءة لمسيرة العلاقات السودانية الاميريكية فنجدها اخذت طابعا متقلباً بين التهدئة والتصعيد والترغيب والترهيب والاشتراطات والوعود التي تتوقف على جهود الحكومة وانفاذ تعهداتها في اتفاقية السلام الشامل واجراء الاستفتاء تارة والقبول بنتائجه تارة اخرى الا ان الادارة الامريكية وجهت صفهة شديدة للخرطوم عندما وجهت وزارة الخزانة الأمريكية بعد يوم واحد من قيام دولة الجنوب الدوائر ذات الصلة بإتخاذ كل ما يلزم فيما يتصل برفع العقوبات الإقتصادية عن جنوب السودان تاركة شماله، قبل ان تعلن على لسان عدد من مسئوليها أنها ستقدم كل أشكال الدعم الإقتصادي لجمهورية جنوب السودان لإعانتها في إقامة دولتها الوليدة وحثت المجتمع الدولي على ذلك، واعلن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأمريكي، في بيان له عن تلقيه توجيهات من وزارة الخزانة برفع العقوبات الاقتصادية عن دولة جنوب السودان مؤكدة استمرار العقوبات على السودان ،اما وعود الادارة الامريكية برفع اسم السودان من قائمتها للدول التي ترعى الإرهاب مبكرًا في يوليو المقبل حال ضمان الخرطوم إجراء استفتاءين رئيسيين في موعدهما في يناير وتم احترام نتائجهم، فقد قوبل بجملة اشتراطات دفع بها ليمان في تصريحاته امام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ في 15 يوليو قبيل توجهه للسودان حيث رهن ليمان اجراءات رفع اسم السودان من لائحة الدول المساندة للارهاب وتخفيف ديون السودان البالغة 38مليار دولار برفع الخرطوم الحظر على عمال الاغاثة لجميع ارجاء دارفورو تذليل العقبات امام عمل بعثة حفظ السلام والسماح لها بالعمل في المنطقة والالتزام بمحادثات السلام وايقاف استخدام المليشيات في النزاع هناك وانجاز العدالة. وحسب مراقبين فان مواقف الخرطوم الاخيرة تبرهن على استياء الحكومة من عدم إيفاء واشنطن بوعودها في تطبيع العلاقات واقتناعها بعدم جدوى تلك اللقاءات لاسيما مع استمرار التصريحات السالبة من قبل إداراتها في مجلس الأمن ضد السودان، كما تأتي في اطار الرد على واشنطن التي تجنب مسؤولوها مقابلة الرئيس البشير في احتفالات اعلان دولة الجنوب بحجة ملاحقته من قبل المحكمة الجنائية الدولية في جرائم حرب لافتين الى ان فشل المبعوث الامريكي في لقاء نائب رئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه خطوة تعكس توتر العلاقات بين واشنطنوالخرطوم، بعد اصدار توجيهات عليا بإلغاء كافة لقاءات المبعوث الأمريكي مع مسؤولي الدولة، والذي أنهى زيارته التي امتدت إلى يومين بلقاء واحد مع محافظ بنك السودان قبل أن يغادر إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا مؤجلاً زيارته التي كانت مقررة إلى جوبا ، في الوقت الذي قالت فيه السفارة الأمريكية أنه عقد أكثر من لقاء هنا في الخرطوم - لم تكشف عنهم - في وقت فشل فيه ليمان في لقاء نائب رئيس الجمهورية علي عثمان، ومساعد الرئيس د.نافع علي نافع ومستشار الرئيس د.غازي صلاح الدين وزير الخارجية علي كرتي، وحسب الخارجية فان الجهات المعنية التي يرغب المبعوث في لقائها لم يعطوا موعدا محددا، وقالت تقارير صحفية إن الاخيرة تريد إرسال رسالة للرئيس أوباما فحواها عدم جدوى وجود مبعوثين إلى السودان ما دامت هي تضع البشير في قائمة المحظور مقابلتهم. وأضافت أن «الخرطوم تؤكد أن البشير هو من يقبض بكل الملفات، وبكل الأمور ولا دخول إلى السودان إلا عبر بوابته». وتقرأ تصريحات مستشار الرئيس بضرورة إعمال مبدأ المعاملة بالمثل مع أمريكا لاضعاف الضغوط التي تمارسها اميركا تجاه السودان بخارطة طريق تقوم على فرض قيود على سفر الدبلوماسيين الامريكيين بتحجيم ومراقبة تحركاتهم بالخرطوم وادائهم وسلوكهم العام وتحديد مسافة 25 كليومتر لحركتهم ومراقبة حساباتهم المصرفية بالبنوك المحلية ،تقرأ مع مطالبة البرلمان بتطبيق ذات السياسة مع واشنطن فقد كشف رئيس البرلمان أحمد ابراهيم الطاهر عن اتجاه لاصدار مشروع قرار حول مواقف أعضاء الكونغرس الأمريكي تجاه السودان، لافتين للعراقيل التي تضعها أمريكا لمنع دخول نواب البرلمان، وفرض شروط صَعبة لمنح التأشيرات، وقال الطاهر إنه اخترق هذا الحاجز بدعوة خاصة من نائب أمريكي . غير ان المحلل السياسي دكتور حاج حمد اعتبر تصريحات مصطفى اسماعيل استعراضية للاستهلاك المحلي ومجرد هوجة ودلل على ذلك برفض مسئولي الخرطوم من قبل مقابلة وفد مجلس الامن بقيادة سوزان رايس بعد وصوله السودان واعتبر حاج حمد ان موقف الخرطوم تأخر كثيرا منذ فرض العقوبات الاقتصادية على السودان مستثنية الصمغ العربي مشيرا الى ان الاخير كان يمكنه وقتها اقرار مبدأ المعاملة بالمثل بايقاف تصدير الصمغ العربي والضغط على اصحاب المصلحة (مصنعي الكوكاكولا والببيسي ومنتجي المتفجرات والاسلحة النارية والادوية) ووصف حاج حمد الطاقم المعني بادارة ملف العلاقات الامريكية بالفشل في فهم طبيعة السياسة الامريكية مشيرا الى ان السودان قدم حزمة تنازلات وصفها بالموجعة للادارة الاميريكية بدون اي عائد وتساءل حاج حمد لماذا لم يقر مستشار الرئيس مبدأ المعاملة بالمثل بعد توليه وزير الخارجية بعد عامين من فرض العقوبات الاقتصادية على الخرطوم ووصف استاذ العلاقات الدولية بجامعة امدرمان الاسلامية دكتور صلاح الدومة مواقف الحكومة بغير المجدية نظرا لان الخرطوم لاتملك كروت ضغط على الولاياتالمتحدة في حين ان الاخيرة تملك وسائل ضغط وبكميات تجارية قابلة للتصدير حسب قوله واشار الدومة الى ان التجارب السابقة لنظام الانقاذ مع الادارة الاميريكية تكشف عن قبول الاخير لاشتراطات الامريكيين بأسوأ الشروط وشئ من التهافت السياسي معتبرا ان نظام الانقاذ اعتاد على سياسة (الجذرة والعصاة ) بعد ابداء نوع من العنتريات تذوب تحت أول كرت ضغط يرفع في وجه الخرطوم.