ما دعاني للكتابة في هذا الموضوع هو انتشار ظاهرة التملق والتحذلق والنفاق بين الناس، على المستويات العامة والمستويات الخاصة «الأسرية» ويمكنني القول دون مبالغة أن هذا زمن التملق والمتملقين مما جعل المخلصين الحادبين على المصلحة في هم وغم ونكد عيش وظلم بائن اضافة إلى عزلة عن الناس، وبالتالى فقدان الناس للكثير من الفوائد التي كان من الممكن أن يجنوها من هؤلاء المخلصين. والتملق كما هو معروف هو التقرب إلى صاحب السلطة أو المسئولية أو المكانة أي كان مستواها بالاطراء والمدح والثناء واظهار الاخلاص له بالفعل أو القول والتفاني في خدمته بهدف تحقيق مصلحة أو منفعة مادية أو معنوية آجلة أو عاجلة «وفي الغالب يكون المتملق مبالغاً في المدح ، وأحياناً كثيرة تكون هذه الصفات التي يمدح بها المتملق الآخرين غير موجودة في الذي يُتملق له » حيث أصبح الذين يتصفون بصفة التملق كُثر في أيامنا هذه. وأصبح الذين لا يتملقون بعيدين منزوين رغم أن الكثير منهم لديه من الامكانات مايمكن أن تفيد وتسهم في خير هذا السودان وتنميته وتقدمه في مجالات عدة ، ولكن دعوني أقول إن الذين يتملقون في الغالب الأعم يتصفون بصفات تميزهم عن غيرهم من غير المتملقين . إذ نجد المتملق انساناً ضعيف الامكانات والتجارب وفيه خلل وعدم ثقة بالنفس أو لديه صفات اخفاق أخرى يسعى لاخفائها بهذا النفاق وعموماً المتملق أو المنافق شخص غير سوي في شخصيته ويمثل نوعية من الناس خطرة على المجتمع ومكاسبه لانه يتسبب في كثير من المشكلات خاصة في المؤسسات العامة التي ينبغي أن يكون على رأسها الأمناء أصحاب الكفاءات . ذلك لان المتملق يساهم ويتسبب في تكوين التكتلات و الشلليات داخل هذه المؤسسات ، ويساهم المتملق كذلك في الفتن والمشاكل التي تدور داخل المصالح والمؤسسات . كذلك هم أسباب الصراعات الموجودة الآن على الوظائف والسلطة بمستوياتها ، والصراع على الحصول على الامتيازات دون وجه حق ودون مؤهلات ، وللأسف ما عاد التملق محصوراً في فئة معينة من الناس بل أصبح منتشراً في جميع فئات المجتمع تقريباً متعلمين ومثقفين وغيرهم بل العجب العجيب بين أصحاب الدرجات والشهادات العليا ولكن الذي يثق بالله قاسم الأرزاق ومعطي الفوائد ثم يثق في قدراته وامكاناته لا يتملق ولا ينافق . أما الذين يقبلون من المتملقين تملقهم ويسمحون لهم بالتواجد في مؤسساتهم ووحداتهم أقول إن بهم خلل كذلك لأن الطيور على أشكالها تقع . ولا يقبل بالخلل إلا من كان به خلل كذلك ولا يستعين بضعيف الامكانات والقدرات عديم الاخلاق والكرامة والعزة إلا الضعيف كذلك لان الذي يستمع إلى المتملق ويسمح له بالتملق والحديث راضياً بهذا أيضاً به خلل في الامكانيات والقدرات والضعف في الأداء .لذلك نلاحظ مثل هؤلاء الذين يقبلون بالاطراء والمدح غير الحقيقي في كثير من المواقع بمستوياتها المختلفة يحيط بهم المتملقون الذين يتصفون بالضعف في القدرات و الطاعة العمياء ، والاستعداد لخدمة رؤسائهم حتى ولو كانت الخدمة في عمل لا علاقة له بمهام المتملق في المؤسسة بصورة يخجل منها من له ذرة من كرامة أو عزة نفس . والغريب في الأمر والذي يحير المرء أن يكون معك أفراد زملاء أو رفقاء عمل يستنكرون ويرفضون التملق والمتملقين وتجدهم إذا تبوأوا أياً من المواقع أوالمناصب مهما كان مستواها تغيروا تماماً وأصبحوا يستمعون أيضاً لهؤلاء المتملقين المتسلقين .«نسأل الله اللطف والرحمة من حالنا الذي نحن فيه» وبعضهم يحاول التأصيل لهذا التملق - بكلمة حق اريد بها باطل - وذلك بقوله « تبسمك في وجه أخيك » أو «كلمة طيبة كشجرة طيبة » ونحوهما « من كلمات الذكاء الاجتماعي » و « البلاغة والمهارة في التعامل مع الآخرين » ، ولكن الفرق في ذلك كبير وواضح بين التملق وماذكرنا . إذ أن التملق فيه مبالغة في الاطراء والمدح بصفات أصلاً غير موجودة في الشخص الممدوح مما يجعله منتفخاً سعيداً بصفات هو يدري تماماً أنها غير موجودة فيه ، وكذلك المتملق يدري تماماً أنه كاذب . ونقول إن أضرار هؤلاء المتملقين عديدة أذكر منها 1- إنهم يحيطون المسئول بهالة من عدم الواقعية في امكانياته وقدراته . 2 - يتسببون في إبعاد المخلصين أصحاب الامكانات والقدرات التي يمكن أن تساهم ايجاباً في الأداء . 3- يضعفون الأداء لانهم ضعيفو الامكانات و لديهم خلل في الاخلاق . 4- يشوهون سمعة المسئول لأن من رضي عن هذا المتملق واستمع إليه فهو مثله. 5- يتسببون في ظلم الكثير من الناس بتوصيلهم المعلومات غير الحقيقية عنهم للمسئول بالاضافة لتصنيفهم للناس بمعايير غير سليمة . لذلك المسئولية تقع على عاتق من ولاه الله أمور المسلمين « فمن ولى أمر من أمور المسلمين وولى رجل ، وهو يدري أن هنالك من هو أفضل منه فقد خان الله ورسوله » فاحذروا يا من توليتم امورنا ووليتموها لضعاف النفوس والقدرات ليحيطوا أنفسهم بمن يطبلون وينافقون لهم ، ومثلنا السوداني يقول «أسمع كلام الذي يبكيك ولا تسمع كلام الذي يضحكك» لأن الذي يضحكك غالباً كاذب وصاحب غرض ومصلحة بمجرد وصوله وتحقيقه لها تركك. وهذا المتملق لا يتحمل مسئولية ولا يقف معك عند الحاجة . ولكن من الذي يتعظ مع هذا الذي نراه من صراع محموم محتدم وسعي حثيث إلى الاستحواذ واللم قدر الاستطاعة، ومن الذي يتعظ ويتذكر أن الله شهيد ورقيب على كل صغيرة وكبيرة. فيا أيها المتملقون فيقوا إلى أنفسكم فوالله أنتم من تسببتم في مانحن فيه الآن من ضنك وهم وغم، ويا أيها المسؤولون بمواقعكم جميعها انتبهوا لهؤلاء فلو دامت لغيركم لما أتتكم ، وغداً ستكون أيها المسؤول بعيداً عن هذا الموقع طال الزمن أو قصر حيث لاتستطيع إدراك ما فات من أخطاء وتفريط. * أستاذ جامعي