يقول تعالى «إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلاَّ الْمُصَلِّينَ» «سورة المعارج 19 22» الصراع عملية تتضمن بذل جهد مقصود من قبل شخص ما لطمس جهود شخص آخر باللجوء إلى شكل من العوائق ينجم عنها إحباط الشخص الآخر وتثبيطه عن تحصيل أهدافه وتعزيز ميوله، وهو موقف يتصف بالمنافسة، تصبح فيه الأطراف المتصارعة على وعي بتناقضاتها، ويسعى كل طرف منها إلى تحقيق غايته على حساب الطرف الآخر، وتنتج عن ذلك العدوانية، والصراع أمر موجود منذ الأزل وسيظل حتى يرث الله الارض ومن عليها. ولا نريد هنا تناول الصراع من زاويته الإنسانية بوصفه منظومة تداخل وتشابك وترجيح بين نوازع النفس ورغباتها وأمانيها وصولاً لتحقيق ذاتها في الواقع الخارجي، ولا نرغب أيضاً في تناول الموضوع من جهته العقدية والفلسفية في تبيان طبيعة الصراعات القائمة على قواعد الاختلاف والتفاوت المنتج للحركة الإنسانية.. بقدر ما نود التأكيد بوجود الصراعات باعتبارها حقيقة قائمة تتباين شدة وضعفاً حضوراً وغياباً بين مختلف الجماعات الإنسانية، وهو ليس حكراً على مجتمعنا فحسب، حيث لا وجود لمجتمع إنساني خالٍ من الصراعات على تنوعها، فطبيعة وحركية الحياة البشرية تنتج الاختلاف والصراع والأزمة بوصفه سنة جرّاء تباين العقائد والرؤى والطموحات والمصالح بين الأفراد والجماعات والدول، ولكن المعضلة تبقى في طبيعة الفهم للتنوع الاختلافي بين الناس والجماعات الإنسانية، وفي إبداع أمثل السبل القيمية والقانونية والأخلاقية لاحتواء هذا الاختلاف والتباين للحيلولة دون تفجره صراعات تصفوية ودموية وتخريبية وكارثية تستأصل التناغم والتآلف والتكامل الوطني أو الإنساني . إن المستغرب ليس هو الاختلاف والتباين وما قد ينتجه من مستويات الصراع العقلائي والمتأطر بالضوابط القيمية والقانونية العامة، فالمماثلة في الصورة والمضمون تقضي على إمكانية نشوء الحياة بالتبع.. ولكن المستغرب هو الفشل في تفهم قواعد هذا التباين ومزاياه وأهدافه، والفشل في تقنينه وضبطه ضمن مسارات ومرتسمات صالحة وأخلاقية وذات نفعٍ عام ومشترك لا تمييز أو ظلم أو إقصاء فيه، وهذا هو دور المثقفين وصفوة المجتمع، لكن عندنا في السودان في جانب كبير من حياتنا السياسية «خاصة عند من يعارضون» عكس ذلك تماماً، فالقادة في الغالب هم الذين يؤججون نيران الصراع وسط البسطاء من الناس ليحققوا عبرهم مصالحهم الذاتية دون مراعاة للمصلحة العامة، والأمثلة عديدة وهي أوضح من أن تحتاج لتصريح أو تحديد لأنها معروفة للجميع. ويكون الصراع ايجابياً إذا كان في شكل منافسة شريفة «تراعي قواعد التنافس النظيف» من أجل الانجاز وعمل الخير وخدمة الناس، وفي سبيل تقدم البلد أو حتى تحقيقاً لمصلحة شخصية، ولكن الذي نعنيه هو الصراع من أجل الاستحواذ والتملك واللم لكل شيء مستحق أو غير مستحق، مع أخذ حقوق الناس والتغول على بعضها دون مراعاة للضرر الذي يقع عليهم . وتنتشر ظاهرة الصراع بين الناس في مجتمعاتنا، يتصارعون من أجل بهارج هذه الحياة الزائلة، فلا يتذكرون الموت ولا يلفت نظرهم الموت الكثير الحادث بينهم حتى في المقابر يتصارعون بواسطة الجوالات في مشاهد تقشعر منها أبدان أهل اليقين، وتجعل الانسان في حيرة من أمره ماذا أصاب الناس؟ إنه لشيء مؤسف ومحزن ومخيف أن نشاهد الناس في مؤسساتنا العامة منها والخاصة يصطرعون حول الاستحواذ على المناصب والسيارات والسلطات، بل والمكاتب وكل شيء يمكن خمه وتملكه. هو ما يحدث عندنا حسب المشاهدات التي أمامنا، وهذا الحال واضح للعيان، وكثير ما تعطل مصالح الناس لأن الموظف أو المدير أو المسؤول غائب يسعى لتحقيق أهدافه الخاصة المتعددة التي لا تنتهي. حالة عجيبة تجعل الانسان حائراً هل هؤلاء القوم سودانيون يفتخرون بالصفات السودانية «الاثرة والكرم والأمانة والاخلاق الفاضلة» إنها لظاهرة مخجلة تجعل الناس يفقدون بعضهم البعض ويخسرون الأخوة في الله والوطن بل حالة تجعل الأخاء عداء، والمودة جفاء، والتعاون تآمراً وُفرقة بين العاملين. إن ضعف الايمان والأنانية من أهم صفات من يتصارعون، فهم لا يعلمون أو يتذكرون حديث الرسول صلى الله عليه وسلم «حب لأخيك ما تحب لنفسك» ولا يؤمنون أو يتذكرون أن الرازق هو الله ومانح العطايا هو الله «وأن الأمة لو اجتمعت لينفعوا الإنسان بشيء لا ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله إليه، ولو اجتمعوا على أن يضروه بشيء لا يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه». يجمع الناس أن أهم أسباب الصراع هو عملية الغزو الفكري الذي يواجه المجتمع، باعتباره غيَّر كثيراً من عادات السودانيين وطبائعهم، وجعل كثيراً من الممارسات التي كانت عيباً في العرف والعادات ولا يجوز القيام بها، جعلها طبيعية يتقبلها الناس، ودخول الماديات حياة الناس، ويمكننا أن نقول إن أهم أسباب تفشي الصراع ، 1 ضعف ايمان الناس الذين يتصارعون حول السلطة والمال والسمعة ونحوها ،2 ضعف امكانيات المتصارعين في المؤهلات أو القدرات أو امكانات متعلقة بشخصية الفرد «ضعيفة غير سوية، مريضة »3 الظلم في التعامل مع العاملين في المؤسسات والمصالح 4 عدم الشفافية والوضوح في توزيع السلطات والامكانات المتعلقة بالعمل 5 التعنصر أي التحيز للقبيلة أو الجنس أو الجهة، وهي من أخطر الأسباب و أكثرها انتشاراً 6 حب السيطرة والتملك والشهرة لدى المتصارعين ومحاولة الحصول عليها مهما كلف الأمر. ويا أخي هل تؤمن بأن الله هو مقّسم الأرزاق؟ وأنه موزع الحقوق على خلقه؟ وهل أنت مستوعب «لو دامت لغيرك ما أتتك»؟ إن كانت إجابتك بنعم وهذا هو المتوقع، فلماذا الصراع والتصارع؟ لماذا التطاحن والتسبب في الصراع بين الناس؟ ولماذا أنت أحد المتسببين في الفرقة والشتات بين العاملين، وبالتالي اضعاف الانجاز والعمل وخدمة الناس؟ فيا أيها الناس اتقوا الله في أنفسكم وفي الآخرين الذين أنتم على حقوقهم مؤتمنون، وفي قضاء حوائجهم مكلفون، ولأجل خدمتهم أنتم موظفون. * أستاذ الإدارة والتخطيط التربوي جامعة أم درمان الإسلامية ت: 0918103693