(1) التوم رجلٌ لماح وعبقري في استنتاجاته، فعندما انهار سقف منزله فوق رأس زوجته عرف من أول وهلة بأن هذه هي بدايات الخريف، وما أن ماتت المسكينة حتى قرر أن ينتهي العزاء بانتهاء مراسم الدفن ليتفرغ للبحث عن امرأة أخرى لا تحتاج لسقف. (2) ولأنه نبيه متقد الذهن، فحالما ضربت الشمس بكفها المستديرة دماغ زميلته في المؤسسة التي يعمل بها قال هذا هو الصيف، ماتت المسكينة وترحم عليها بإسقاط دمعتين ودس في جيبه نصيبها في صندوق الجمعية. (3) وحينما عض خاله أصبعه ندما على شراء سيوتر، حدثه ذكاؤه بأن هذا هو الشتاء قد أقبل، وفي المستشفى التي خاطت جرح إصبع خاله أهدى له ولابنه الوحيد أغنية ربيع الدنيا بصوت فنان شاب لا يجيد التقليد. (4) رغم عبقريته المبكرة استفزه استشهاد الجميع بمجنون ليلى، ولأنه لا يعرف بعد من هي ليلى، طلق المرأة التي حلت مكان المرحومة التومة طلقة واحدة بسبب الإعسار العاطفي وقرر أن يبحث عن ليلاه، حصر كل ليلى في الحي وإلى الآن لم يجد ليلى واحدة تدعوه للجنون. (5) هداه نبوغه أن يكتب قصته الأولى، فوق تل من التراب أسفل حائط الجالوص جلس، أمسك شهادته الجامعية وكتب على ظهرها..(في حافة حوض السباحة القابع في منتصف الحديقة الملحقة بمنزله تثاءب)، تمعن في المطلع حتى انهار الجالوص تحت قدميه. (6) عبر ذاكرة مشتعلة تذكر بأن ثقافة الأحواض وثقافة الحدائق المنزلية لا تمتان لواقعه المزري بصلة، فبرميل الماء المحمول على كارو يجره حمار هزيل لوحده بأربعة جنيهات، فعن أية حدائق يتحدث ؟!. (7) ازدادت الذاكرة اشتعالا وهمس لنفسه..عن أيّ منزل يتكلم وأيّ خيال هذا الذي يسبح في أنهار من الإقصاء وبحيرات من الجوع والفقر؟، يا له من خيال معزول مهمش يلهث وهو في خريف العمر خلف المنزل نفسه دعك من الأحواض والحدائق. (8) الذكاء الخارق الذي يتمتع به قاده بكل أريحية لتشجيع ابنه على الغياب المبكر عن المكان، غاب الابن وعاد وقد أفسده سر الغياب، ومن يومها ظل التوم يركض في أروقة مؤسسات التأمين بكل مسمياتها. (9) تضخمت نباهته للدرجة التي أصبح فيها ضئيل الحجم وكأنه قلم رصاص متآكل، وعندما رأته زوجته الجديدة صرحت لقناة تلفزيونية جديدة مشبوهة بأنها تستطيع أن تضعه في كوز ماء. (10) استعان التوم في نهاية الأمر بما تبقت له من عبقرية وأصبح يقلب في أوراق ذاكرته رغم أنف الثقوب التي توالدت فيها بالانقسام ومرات عديدة بالانشطار بحثا عن إنجاز شخصي على مدى عام ميلادي كامل سيشطبه بعد قليل من عمره.