رغم ايمانه بحتمية التغيير الا ان رئيس حزب الامة القومي الصادق المهدي مازال يراوده الحلم باصلاح حال نظام الانقاذ وترميم بنيته بالوسائل الناعمة والحوار السلمي وفقا للاجندة الوطنية وتحقيق أهداف الثورة الديمقراطية بمشروع يبادر به النظام ويشمل التزاما حقيقيا بالتحول الديمقراطي بصورة تتجاوب معها القوى السياسية، بدلا عن اعلان المواجهة الذي يرغمه علي التنحي من سدة الحكم ،الا انه وبحسب المراقبين فان أي اصلاح حقيقي في جسد النظام الحالي سيؤدي الى حريات سياسية حقيقية،تقود الي سقوط النظام سلمياً، وهو ما لا يمكن أن يقبله نظام الانقاذ، علي حد قولهم ، مستبعدين أن يتجرأ النظام على تنفيذ اصلاحات حقيقية الا ان كان قد قرر التنازل عن الحكم. وعلي الرغم من ان إمام الانصار لم يستبعد رفض المؤتمر الوطني لمبدأ التغيير الناعم عبر الاجندة الوطنية الا انه يري وجود امكانية لاصلاح النظام القائم وترميمه ،كمحاولة تجنبه المواجهة مع كل مخاطرها وتتفادي الفشل الذريع الذي منيت به ادارة حكم البلاد في عهده وتكالب الاخطاء والأزمات المتفجرة في دارفور وجنوب كردفان وأبيي والنيل الازرق ، مؤكدا أن مصلحة البلاد في الطريق الناعم وان الشعب يريد نظاما جديدا ليس لانقاذ المؤتمر الوطني وانما لانقاذ البلاد ، ورأى المهدي ان امتناع النظام عن الاصلاح يعني بقاء الاحتقان في الجسم السياسي السوداني، معتبرا ان رياح التغيير التي تهب في المنطقة سوف تدفعه في اتجاهات المواجهة مع القوي المعارضة التي تعتزم توقيع وثيقة وطنية تضع المبادئ العامة لرؤية مستقبلية للخروج من الأزمة الراهنة عبر مرحلة انتقالية، وتشترط المعارضة أن يتوافق الحزب الحاكم على هذه الوثيقة في اطار الخطة المستقبلية لتشكيل حكومة انتقالية تؤسس لدستور جديد وتشكيل الدولة المدنية واجراء انتخابات خلال فترة محددة وايجاد حلول شاملة لأزمات البلاد، ويري بعض المراقبين ان موقف المهدي لايعود الي قصر نظر، بل يعود الي منح النظام فرصة اخيرة لوضع البلاد في الطريق الصحيح ، غير ان العديد من المراقبين ذهبوا الي استحالة اصلاح نظام الانقاذ رغم الوعود التي يطلقها المؤتمر الوطني والذي أعلن ان الشعب السوداني سيستقبل قرارات جديدة تتعلق بالوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي ستغير في شكل الدولة والحكم فيها، وقال رئيس القطاع السياسي في المؤتمر الوطني قطبي المهدي في تصريح نقله المركز السوداني الصحافي ان «الشعب السوداني سيستقبل قرارات جديدة تتعلق بالوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي بعد انفصال الجنوب، ولكنه لم يخض في تفاصيلها»، وأضاف ان القرارات المرتقبة ستعطي اشارات واضحة ومؤثرة تجاه بنية الدولة الجديدة وشكل الحكم وكيفية المشاركة في السلطة، فضلا عن مشاركة الأحزاب في التشكيل الوزاري الجديد.وتوقع المهدي مشاركة واسعة للأحزاب والقوى في أجهزة الدولة التنفيذية والتشريعية في الحكومة العريضة وأن تكون مشاركة المؤتمر الوطني بنسبة متكافئة لتذهب البقية لصالح الأحزاب السياسية الأخرى. ولكن علي ما يبدو فان المهدي هو الوحيد من بين صفوف المعارضة الذي لم يقطع الامل في اصلاح النظام الحالي حيث تخالفه الرأي بعض الاحزاب السياسية الاخري التي يئست من اصلاحه، لان الاصلاح حسب قولها يعني التنازل عن السلطة والثروة وهو مالا يستقيم ومبدأ الحكومة القائم علي الهيمنة والتكويش ورفض التساوي مع الاحزاب، بجانب ان النظام لا يقبل سوى الحلول الأمنية والعسكرية، مشيرة الي أن اصلاح النظام يكون بارغامه والضغط عليه من الشارع واعتبرت بعض القوى ان التحول الديمقراطي يتمركز على الغاء النظام الحالي واستبداله بنظام مدني تعددي ديمقراطي، من خلال الاطاحة بحزب المؤتمر الوطني وأدواته القمعية،ويعتقد مراقبون أن سياسة القبضة الحديدية التي استخدمها نظام الانقاذ قد نجحت نسبياً في سلبية المواطنين، واعتبر القيادي بالمؤتمر الشعبي كمال عمر الحديث عن اصلاح النظام القائم محاولة لكسب الوقت، مردفا ان النظام يعتبر نفسه صاحب القرار ولا يعطي لاي طرف اخر الحق في مخالفته الرأي، واوضح عمر ان المعارضة حاولت ان تصلح الامور وتقدم مقترحات وتوصيات بهذا الخصوص، لكن النظام لا نية لديه لاصلاح الامور، مؤكدا صعوبة اصلاحه لعدم اقتناعه بالخطوة الاصلاحية، وعزا عمر عدم امكانية اصلاح نظام الانقاذ لتركيبته القائمة علي المركزية القابضة علي الحكم وعدم الايمان بالتعددية والاحزاب، معتبرا ان طريق الاصلاح الوحيد يتمثل في ازالة النظام واحداث تحول ديمقراطي وحكم راشد واشاعة الحريات، وقال عمر ان المهدي يتعامل بحسن نية مع الانقاذ التي تراوغ، واصفا محاولاتها باليائسة، موضحا ان معرفتهم الوثيقة بمجموعة المؤتمر الوطني تجعلهم يؤمنون ايمانا قاطعا باستحالة الاصلاح المنشود . واتفق القيادي بالحزب الشيوعي صديق يوسف مع ماذهب اليه عمر في وجود ثمة عوامل في تركيبة النظام ترفض الاصلاح وتلفظه، وقال يوسف ان الحل يكمن في تشكيل حكومة قومية تمثل كل الاطراف لحل القضايا العالقة والنظر في الضائقة المعيشية او العمل بكل الطرق السلمية لاحداث التغيير عبر العمل الجماهيري، وقال يوسف ان الحزب الشيوعي مد يديه عدة مرات للمؤتمر الوطني للتفاوض والحوار للوصول الي حل للقضايا الخلافية، معتبرا ان الاخير لايحترم خصومه ولا المواثيق التي يبرمها معهم ، مؤكدا ان قناعة المهدي ستصل في النهاية لذات المحطة التي تقف فيها قوى الاجماع الوطني ، وفسر يوسف موقف المهدي لاعتقاده بوجود اناس عقلانيين بالنظام يقبلون الجلوس مع الاخرين ،وتساءلت العضو بالمكتب السياسي بالحزب الاتحادي الديمقراطي مواهب مجذوب،عن امكانية اصلاح نظام فتح الباب علي مصراعيه لتفتيت البلد وتقسيمه جغرافياً ..ورأت ان المخرج الوحيد للأزمة الحالية يتلخص في ازالة النظام القائم واستبداله باخر ديمقراطي، معتبرة ان تجارب النظام السابقة اثبتت بما لايدع مجالا للشك عدم مصداقيته. من جانبه ، وصف المحلل السياسي دكتور الحاج حمد الحديث عن اصلاح النظام الحاكم بانه نوع من المزايدات السياسية والتي قسمها الي قسمين، احدها بين حزب الامة« حمائم المعارضة» والمؤتمر الوطني، والاخر بين الامة والاحزاب الاخري « صقور المعارضة» واقر حمد بصعوبة الاصلاح السياسي لاسيما وسط الاحزاب بسبب تعارضه مع مصالح معظم النخب السياسية ، معتبرا ان هناك أزمة ثقة بين هذه الاحزاب وقواعدها لانها تفتقد للمؤسسات الديمقراطية داخلها، ورأى حمد ان ضعف المعارضة وعزلتها هو ما يجعل المواطنين يعلنون تأييدهم للحكومة سلبيا ، مشيرا الي ان الاحزاب لديها مطالب في القيادة الديمقراطية والشوري والعمل المؤسسي وانهاء حزب حكم الرجل الواحد الذي يتحكم فيه الميرغني ونقد والمهدي وحزب الاسرة الواحدة، ووصف حمد اجندة المهدي بالصحيحة غير انه رأى ان اساليب تطبيقها ضعيفة ، موضحا استحالة تنازل الانقاذ عن سطوتها في الحكم مالم تحس بقوة الاحزاب المعارضة وممارستها السياسية الفاعلة والمؤثرة.