أتذكر جيداً عندما اتجهت الى مبنى سينما النيل الازرق بالخرطوم، وكان هذا منذ زمن مضى، كانت تلك لحظات رائعة جداً، وكنا شهوداً على الأسبوع السينمائي الكوري برعاية السفارة الكورية.. وجلسنا واطفئت الانوار وأظلم المكان.. وبدأ العرض السينمائي، ولم يكن الفيلم مترجماً، الامر الذي جعلني اركز على الشخصيات في الفيلم، واتابع انفعالاتهم الشخصية والحدوتة التي قامت عليها قصة الفيلم. وتتبع الفيلم شاب فقير لا يملك الا مشاعره وفتاة يحبها، وهي تركض نحو شاب ثري مستهتر، لا يضع لها اعتبارا او قيمة.. والى هنا تبدو الحكاية عادية ومألوفة، ولكن في نهايتها لم يجد المحب مخرجا من حبه هذا الا ان يموت حتى يعلمها ان حبه لها كبير: وقف الشاب باصرار امام شاحنة ضخمة وأغمض عينيه مستسلما للموت القادم، ولكن نجا الشاب من الموت حيث توقفت الشاحنة في اللحظة الاخيرة. هذا الحادث الرهيب جعل الفتاة تركض اليه بسرعة، وتعبر عن اشواقها له، بعدها التقط من الارض قطعة من الحديد «صامولة» والبسها في أصبعها ومضيا في نشوة. كانت هذه نهاية هذا الفيلم الممتع، وقد لاحظت ان عددا من الجمهور كان قد خرج وانصرف أثناء عرض الفيلم وتذكرت انهم جمهور الافلام الهندية.. والهند نفسها بها سينما راقية، ولكننا نحن الذين نستورد «الفيلم الرخيص»، وفي طريقي الى الخارج تملكني احساس غريب بأنني خرجت من عالم جميل، وانفصلت تماما عن الواقع الذي كنت أعيش فيه. كانت هذه الحادثة قد مضى عليها سنوات، ومازلت اذكرها، والآن اشعر بالأسف ان الافلام الرخيصة مازالت هي المسيطرة على شاشات دور العرض في السودان، واسأل اين اختفى الفيلم العربي، والافلام الغربية، واين نحن من السينما الافريقية؟ وافلام امريكا اللاتينية؟. وكيف سمحنا لهذه الافلام الرخيصة ان تسيطر على عقل ووجدان الشباب، وان هذا الفيلم قد تسبب في تدني الوعي الاجتماعي بما يطرحه من حلول ورؤى بائسة. والتساؤل يظل قائماً: من قتل متعة السينما الراقية في هذا البلد واذا عجزنا عن انتاج افلام سينمائية سودانية جيدة، فلماذا نضن على جمهورنا المثقف بمشاهدة افضل الافلام السينمائية في العالم.. وقد كان الجمهور في ستينات وسبعنيات القرن الماضي.. ونحن نرى في العالم اهتماما خاصا بالسينما باقامة المهرجانات وتقديم الجوائز.. ونحن وفي يقيني ان السينما السودانية مثلها مثل الرياضة والحال ينطبق على الدراما التلفزيونية وفي الواقع ان هذه الاشكالات تخص كل مناحي الابداع، وذلك لعدم وجود تخطيط علمي لمعالجة اشكالات الثقافة.. والمشكلة لا تتعلق بالمسرح ودراما التلفزيون والسينما ودراما الاطفال والامر يحتاج الى عقليات جديدة تدير الشأن الثقافي وتقدم أفكارا جديدة، وادارة العمل الثقافي تتطلب قدرات لا تتوفر في الجهاز البيروقراطي الذي تدار به الثقافة.